السبت, 20 سبتمبر 2025 11:51 PM

حلب تستعيد عافيتها: ترميم الآثار العثمانية يعيد الأمل إلى المدينة المنكوبة

حلب تستعيد عافيتها: ترميم الآثار العثمانية يعيد الأمل إلى المدينة المنكوبة

تنتظر المعالم العثمانية في مدينة حلب السورية، التي تضررت بشدة جراء قصف النظام المخلوع خلال سنوات الحرب، إعادة إحيائها وترميمها. تعتبر حلب، التي دخلت تحت الحكم العثماني عام 1516 في عهد السلطان سليم الأول، واحدة من أكثر المدن السورية تضرراً بفعل الحرب، حيث وُصفت عبر آلاف السنين بأنها مهد الحضارات.

أدى القصف والاشتباكات إلى تدمير أسواق المدينة وخاناتها وحماماتها التاريخية، التي كانت تشكل متحفاً مفتوحاً للعمارة العثمانية. كما تضررت معالم بارزة مثل باب أنطاكية، وجامع بهرام باشا (البهراوية)، وخان الجمرك، وخان القاضي، وخان الصابون، وحمام وجامع سوق بشير باشا، وسوق المدينة القديمة، وقلعة حلب، وخان الشونة وخان الحاج موسى الأميري.

أكد الباحث الحلبي غزوان بوسطه جي لوكالة الأناضول أن المدينة، التي عرفت عبر العصور بأسماء مثل بيرويا، وحلَبَا، وخَلَبُو، كانت شاهدة على جميع الحضارات التي ازدهرت في منطقة شرق المتوسط، وكانت مركزاً تجارياً هاماً. وأشار إلى أن تاريخ قلعة حلب يعود إلى القرن 13 قبل الميلاد، حيث وُجد فيها معبد مكرس لإله العاصفة والخصب (حدد)، وكان الناس يقصدون المدينة للحج وتقديم النذور. وأوضح أن القوافل كانت تدخل من باب أنطاكية متجهة إلى المعبد، فيما كان الملك زمري ليم يأتي ليقدّم القرابين، ومنذ ذلك الوقت ظلت المدينة مركزاً تجارياً نشطاً، حيث كان الحجاج يجلبون الهدايا من مكة ويعودون بذكريات من حلب المقدسة. وأضاف أن آثار ذلك المعبد ما زالت قائمة، لافتاً إلى أن المدينة في العهد العثماني كانت مركزاً عالمياً للتجارة على طريق الحرير، وأن كرم أهلها جعلهم تجارا ناجحين.

أوضح بوسطه جي أن حلب كانت تُعرف بـ"أم الخانات والحمامات"، حيث خُصص الطابق الأرضي من الخانات للبضائع، والطابق العلوي للتجار، مع توفير كل الاحتياجات من مسجد ومطبخ وحمام وحتى أماكن للفقراء والتكايا. وتابع: "كل وال كان يسعى لترك بصمته في حلب، فبهرام باشا شيد جامع البهراوية وحماماً ومقهى، كما أن مدرسة الرضائية ما زالت تعرف حتى اليوم بالمدرسة العثمانية". ولفت بوسطه جي إلى أن المعالم العثمانية شملت أيضاً جامع العادلية، وجامع الكيزواني، وخان الميسر، وخان الزعيم وخان الجديد. وأضاف: "المعمار سنان أنشأ المدرسة الخسروية باسم الوالي خسرو باشا، ولاحظ براعة البنّائين الحلبيين فاصطحب بعضهم إلى إسطنبول".

أكد بوسطه جي أن الحرب دمرت العديد من الأبنية التاريخية، بما في ذلك الجامع والحمام والسوق التاريخي في المدينة القديمة. وتابع: "استُهدفت المساجد والتكايا والأسواق (..) كانت حلب متحفاً مفتوحاً يضم آثارا أموية وعباسية ومملوكية وعثمانية، لكن الحرب لم ترحم شيئاً، حتى الجامع الكبير والأسواق قُصفت".

أشار بوسطه جي إلى أن النظام المخلوع كان قد دمر قبل الحرب أحياء وأسواقا بحجة فتح الطرق، وبنى بدلاً منها أبراجاً إسمنتية. وأضاف: "عندما رأيت سوق المدينة مدمراً شعرت وكأني فقدت شخصا عزيزا، هذا السوق كان جزءا من طفولتنا وحياتنا". وفيما تبقى مدينة حلب، واحدة من أقدم مناطق الاستيطان في التاريخ الإنساني، وجزءاً أساسياً من الذاكرة الجماعية العالمية، ختم بوسطه جي بالقول: "النظام والحرب حاولا طمس هويتنا، لكن الحلبيين أصحاب عزيمة، وسنعيد بناء حلب".

تعد مدينة حلب من أكثر المدن السورية تضررًا خلال الحرب التي اندلعت عام 2011، إذ تحولت منذ منتصف 2012 إلى ساحة قتال رئيسية بين قوات النظام آنذاك والمعارضة، وانقسمت بين غرب تحت سيطرة النظام وشرق خاضع للمعارضة. القصف الجوي والمدفعي والحصار الذي نفذه النظام المخلوع أدى إلى دمار واسع، طال خصوصا الأحياء الشرقية والمدينة القديمة المسجّلة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، حيث تعرضت عشرات الآلاف من المباني لأضرار جزئية أو كلية. ومع التدخل العسكري الروسي في سبتمبر/ أيلول 2015، والدعم الميداني الإيراني، تمكن النظام من تغيير ميزان القوى لصالحه، لينتهي الأمر بسيطرته الكاملة على حلب في ديسمبر/ كانون الأول 2016، بعد حصار ومعارك عنيفة أجبرت الفصائل المعارضة على الانسحاب. وأسفرت تلك المعارك عن نزوح مئات الآلاف وتدمير البنية التحتية، ما جعل حلب نموذجًا بارزًا لحجم الدمار الذي خلفته الحرب السورية. (ANADOLU)

مشاركة المقال: