الإثنين, 19 مايو 2025 08:52 PM

ريف حمص الشمالي: بطالة مدمرة وبنية تحتية منهارة تهدد حياة الأهالي وتستنزف مدخراتهم

ريف حمص الشمالي: بطالة مدمرة وبنية تحتية منهارة تهدد حياة الأهالي وتستنزف مدخراتهم

يعاني سكان ريف حمص الشمالي من ظروف معيشية صعبة للغاية، تتفاقم مع الارتفاع الحاد في معدلات البطالة وندرة فرص العمل المتاحة. الرواتب المتواضعة والمصروفات اليومية المرتفعة تشكل العبء الأكبر على كاهل الأهالي.

دمار شامل للبنية التحتية

يعيش الأهالي في مدن مثل “تلبيسة” شمالي حمص، حالة من القلق البالغ نتيجة التدهور الكارثي في البنية التحتية. ليث بكور، أحد سكان الريف الشمالي، أكد أن مدينة تلبيسة مدمرة بنسبة تصل إلى 90%، وأن هذا الواقع المرير يشمل جميع المدن والبلدات في الريف الشمالي لحمص.

المدارس، الطرقات، شبكات المياه والصرف الصحي لم تعد صالحة للاستخدام، مما يزيد من المعاناة اليومية للمواطنين. بعض الأحياء لا تزال تفتقر إلى شبكة صرف صحي رغم الكثافة السكانية العالية، مما اضطر الأهالي إلى استخدام “الجور الفنية” (حفر الصرف غير الآمنة)، التي باتت تشكل خطراً بيئياً وصحياً كبيراً بسبب تلوث المياه الجوفية.

الزراعة ضحية الجفاف

الزراعة، التي كانت يوماً ما العمود الفقري لاقتصاد المنطقة، لم تسلم من الأزمة. الموسم الزراعي الحالي شبه معدوم بسبب قلة الأمطار وشح المياه، مما يتسبب في خسائر اقتصادية فادحة للمجتمع المحلي، خاصة وأن الكثير من السكان يعتمدون على الزراعة كمصدر رزق أساسي.

الوضع الإنساني في المنطقة سيء للغاية، حيث لم تتدخل أي منظمة دولية أو محلية بشكل جدي لتوفير المساعدات أو دعم مشاريع إعادة الإعمار، مما فاقم من حدة الاحتياجات الأساسية لدى السكان، من الغذاء والماء والخدمات الصحية والتعليم.

على الرغم من كل هذه المصاعب، هناك تحسن طفيف في الحالة النفسية العامة بين السكان، بعد ما وصفه بكور بـ”النصر” على النظام السابق، مع درجة عالية من التفاؤل بتحسن الظروف مستقبلاً، إلا أن هذا التفاؤل لا يترجم إلى تحسينات ملموسة في المستوى المعيشي.

البطالة هي الهاجس الأكبر

هناك بوادر إيجابية في بعض القطاعات، خاصة مع بدء عودة النازحين والمغتربين إلى المنطقة، مما أسهم في تحريك بعض الأنشطة الاقتصادية، خاصة في مجالات البناء والنجارة والصناعة. الاستقرار الأمني النسبي، بعد القبض على عدد من قطاع الطرق واللصوص، ساهم أيضاً في تحسن البيئة التجارية.

ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، تظل البطالة الهاجس الأكبر الذي يهدد استقرار الأسر في المنطقة. إبراهيم القيسون، أحد سكان الريف الشمالي، يؤكد أن “تأمين قوت اليوم هو هاجس كل بيت”. عدد كبير من الشباب عاطل عن العمل، بينما لا تتجاوز الرواتب الشهرية 50 دولاراً أمريكياً، وهي نسبة ضئيلة جداً مقارنة بالتكاليف الشهرية التي تحتاجها الأسرة الواحدة.

الأجور اليومية للعمال تبلغ حوالي 100 ألف ليرة سورية، لكن العمل ليس دائماً، ويتماشى مع توفر المشاريع أو الحاجة إلى العمالة. أصحاب المهن الصناعية أو الخدمية يحصلون على دخل شهري يتراوح بين 200 إلى 400 دولار أمريكي، وهو ما لا يتناسب مع متوسط المصروف الشهري للأسرة الذي يصل إلى نحو 500 دولار.

السكان يلجؤون إلى حلول يائسة للتغلب على الوضع، منها الاعتماد على الدين، وبيع المدخرات أو الممتلكات، بل وحتى العيش “على الكفاف”. وفي حالات قليلة، يعتمد البعض على الحوالات المالية من ذويهم في الخارج.

تحديات مستمرة ونداء استغاثة

الحلول تبدو بعيدة المنال، في ظل غياب الخطط التنموية والدعم الحكومي أو الدولي، ما يجعل الوضع الاقتصادي والاجتماعي في ريف حمص الشمالي نقطة انفجار محتملة. مع تصاعد معدلات البطالة وغياب فرص العمل الحقيقية، يصبح الحديث عن استقرار دائم مجرد أمنية يصعب تحقيقها في ظل الواقع المرير.

السكان يطالبون الجهات المحلية والدولية بالتحرك الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، خاصة في قطاعات المياه والصرف الصحي والتعليم والصحة، إلى جانب توفير فرص عمل حقيقية للشباب، حتى يمكن لهذه المنطقة أن تنهض من جديد وتتجاوز مرحلة البقاء إلى مرحلة التنمية والاستقرار.

مشاركة المقال: