الجمعة, 21 نوفمبر 2025 11:03 AM

زيارة عاجلة لوفد أمريكي إلى بغداد: خيبة أمل واشنطن من نتائج الانتخابات العراقية

زيارة عاجلة لوفد أمريكي إلى بغداد: خيبة أمل واشنطن من نتائج الانتخابات العراقية

فقار فاضل - وجدت بغداد نفسها مجدداً في قلب صراع النفوذ بين واشنطن وطهران عقب الانتخابات النيابية الأخيرة، ولكن بصورة أكثر تعقيداً. النتائج التي أظهرت تقدماً للفصائل المسلحة في البرلمان وتراجعاً للقوى المقربة من الولايات المتحدة، دفعت الطرفين إلى تكثيف تحركاتهم السياسية للتأثير على إجراءات ما بعد الانتخابات.

في ظل تسريع «الإطار التنسيقي» لخطواته لتشكيل الحكومة، تتنقل البعثات الدبلوماسية والوفود الأمنية بين بغداد والعواصم المعنية، مما يعكس حجم الصراع. يسعى «التنسيقي»، الذي شكّل «الكتلة النيابية الأكبر»، إلى اختيار رئيس الحكومة الجديدة بسرعة، خوفاً من الخلافات الداخلية. وذكر قياديون فيه أن لجنتين وضعتا مواصفات محددة لشخصية رئيس الوزراء، في محاولة للوصول إلى «قرار شيعي موحد» يضمن تماسك الكتلة ويحد من الاختراقات الخارجية.

يرى القيادي في «التنسيقي»، علي الفتلاوي، أن «القرار السياسي هذه المرة أكثر استقلالية»، مشيراً إلى أن التدخلات الأميركية والإيرانية «لم تعد بالقوة نفسها كما في السنوات الماضية»، وأن وفود الدولتين التي تزور بغداد «تبحث ملفات أمنية واقتصادية، أكثر مما تتدخل في اختيار رئيس الوزراء». إلا أن هذه القراءة لا تخفي حقيقة أن الصراع الأميركي – الإيراني بلغ مستويات لا تسمح لأي من الطرفين بالتراجع عن محاولة التأثير داخل العراق.

تشير معلومات إلى اجتماعات متواصلة بين قادة إيرانيين وشخصيات محورية داخل «التنسيقي»، في سياق مساعي اختيار رئيس الحكومة وتوزيع الحقائب الأمنية والاقتصادية الحساسة. ترى إيران في تشكيل الحكومة الجديدة فرصة لإعادة تثبيت حضورها، خاصة بعد حصول الفصائل المقربة منها على أكثر من 25 مقعداً، بينها 7 مقاعد لـ«كتائب حزب الله» وحدها. هذا الثقل يمثل ورقة ضغط أساسية لطهران في مواجهة رغبة واشنطن في تحجيم تلك الفصائل وتعديل بنية الدولة للحد من «النفوذ الإيراني».

تسعى إيران إلى تثبيت «هوية سياسية» للحكومة المقبلة تضمن استمرار استراتيجيتها الإقليمية في مواجهة إسرائيل من جهة، وبقاء نفوذها على مستوى خطوط التجارة والطاقة من جهة أخرى. المعركة الأساسية التي ستواجه البرلمان الجديد تتجاوز تسمية رئيس الوزراء وتوزيع الحقائب، لتشمل «الوضع القانوني للحشد الشعبي»، والعبء المالي المتزايد لبعض تشكيلاته. أي محاولة لإضعاف الحشد ستستفز الفصائل وطهران، فيما أي تعزيز له سيُقابَل بردّ فعل أميركي، يتمثل بضغوط مالية وعقوبات واستهداف لمصادر تمويله.

الأخطر، وفق مراقبين، أن استمرار التوتر بين إيران والكيان الإسرائيلي قد ينذر بتحول العراق إلى ساحة مواجهة في أي جولة مقبلة. على الجانب الآخر، تصعّد واشنطن من ضغوطها العلنية على بغداد، حيث تحاول إدارة الرئيس دونالد ترامب ربط الاستقرار السياسي والاقتصادي العراقي بشروط تتعلق بـ«نزع سلاح الفصائل»، وتقليص نفوذ إيران، عبر أدوات مالية وتجارية، على رأسها ملف التحويلات بالدولار ونافذة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

تكشف مصادر أن مبعوث ترامب إلى العراق، مارك سافايا، أجرى لقاءات في بغداد، حمل خلالها رسائل مباشرة من البيت الأبيض إلى قادة سياسيين، تشدد على «ضرورة اختيار شخصية حكومية منفتحة على واشنطن». رغم هذا الضغط، تدرك الولايات المتحدة أنها لا تستطيع المضي قدماً في المواجهة. فالعراق لا يزال شريكاً أساسياً في ملف «مكافحة الإرهاب»، كما أن النفط العراقي عنصر مهم لاستقرار أسواق الطاقة، ما يجعل الولايات المتحدة تعتمد سياسة «العصا والجزرة»: عقوبات وتصنيفات إرهابية من جهة، وحوار أمني – اقتصادي من جهة أخرى.

تُثار تساؤلات حول مصير رئيس الوزراء المنتهية ولايته، محمد شياع السوداني، الذي حاول استمالة الولايات المتحدة ودول خليجية لضمان دعمه لولاية ثانية، لكن تصاعد نفوذ الفصائل داخل البرلمان جعل موقعه أضعف من أن يضمن الاستمرار من دون غطاء خارجي. يرى الباحث في الشأن السياسي، عبد الستار العيساوي، أن واشنطن «تشعر بخيبة أمل» من نتائج الانتخابات التي أفرزت كتلة ضعيفة للسوداني لا تتجاوز 15% من البرلمان، مما سيضعف قدرته على المناورة ويجعل مفاوضات تشكيل الحكومة أكثر توتراً.

تؤكد المصادر الدبلوماسية في بغداد أن وفداً أميركياً يستعد لزيارة العراق لإيصال رسائل جديدة تخص شكل الحكومة المقبلة. تأتي هذه الزيارة بعد أشهر من جمود دبلوماسي، لم يُكسر إلا باتصال وحيد بين وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، والسوداني، وزيارة وفد أميركي رفيع ناقش ملفات الانسحاب من بعض القواعد وصفقات الطاقة وترتيبات التعاون الاقتصادي.

يرجح السياسي العراقي المستقل، داوود القيسي، أن يكون العراق مقبلاً على مرحلة حساسة، قد تتسم بتوازن هش مهدد بالانفجار، أو بانفجار يمنح القوى الخارجية فرصة أكبر لتشكيل مستقبل البلاد. ويشير إلى أن «ما نراه اليوم في العراق يعكس واقعاً معقداً، إذ إن أي خطوة نحو تشكيل الحكومة المقبلة لا يمكن فصلها عن التأثيرات الإقليمية والدولية»، مضيفاً أن «التنسيقي لا يستطيع تجاهل حجم النفوذ الخارجي المتداخل في كل مفاصل القرار».

مشاركة المقال: