في أحد أزقة باب شرقي بدمشق القديمة، استقبل أصحاب المحال التجارية وفداً يهودياً بكلمة "شالوم" أثناء توجههم إلى حارة اليهود، في مشهد لم يكن متوقعاً قبل أشهر. زار الوفد منازل تراثية كانت قد هجرتها عائلات يهودية في أواخر القرن الماضي، وأدوا الصلاة في الكنيس المركزي الذي أعيد افتتاحه بعد عقود من الإغلاق.
عودة رمزية إلى الجذور
أعادت زيارة الحاخام موشيه كلاين ورجل الأعمال دوف بليخ إلى دمشق، وصلاتهما في الكنيس، وتوجههما لزيارة قبر الحاخام حاييم فيتال في المقبرة اليهودية، الضوء إلى قضية يهود سوريا، الذين بدأوا يعودون، ولو بشكل سياحي، إلى المدينة التي عاش فيها أجدادهم.
وصف رئيس الطائفة اليهودية في سوريا، بيخور سماطوب، هذه الزيارات بأنها "تترك أثراً طيباً"، مؤكداً أن الوضع آمن ويشجع اليهود السوريين وغير السوريين على زيارة دمشق. وأشار إلى أن الكنيس والمقبرة وحارة اليهود وكنيس جوبر مفتوحة للجميع.
السياحة اليهودية في دمشق… واقع جديد
يرى الدليل السياحي جورج مرجانة أن دمشق استعادت قدرتها على استقبال الزوار من مختلف الجنسيات، بما في ذلك الوفود اليهودية، وهو ما لم يكن ممكناً في السابق. ويتوقع أن تبدأ شركات السياحة بتنظيم برامج خاصة ليهود العالم لزيارة سوريا.
معابد شاهدة على التاريخ
تضم دمشق أكثر من ثمانية معابد يهودية، بعضها يعود إلى القرن السادس عشر، مثل كنيس "فارحي" الذي بناه يهود فروا من الأندلس، وكنيس جوبر الذي يعتبر من أقدم المعابد اليهودية في الشرق الأوسط، ويعود تاريخه إلى أكثر من ألفي عام. وقد تعرض هذا الأخير لأضرار جسيمة خلال الحرب، وتخطط الجالية اليهودية في المهجر لإعادة ترميمه.
انفتاح رسمي ورسائل طمأنة
لم تخف الإدارة السورية الجديدة انفتاحها تجاه أبناء الطائفة اليهودية، الذين لا يتجاوز عددهم حالياً سبعة أشخاص يقيمون في دمشق القديمة. وأكد بيخور سماطوب أن السلطات زارته بعد "تحرير سوريا"، وبثت رسائل طمأنة واضحة.
ويرى مراقبون أن هذا الانفتاح يحمل أبعاداً سياسية، منها محاولة كسب دعم دولي وطمأنة إسرائيل، التي كثفت غاراتها الجوية على مواقع استراتيجية في سوريا، وسط مخاوف من وصول تيارات متشددة إلى الحكم.
تاريخ طويل من الوجود اليهودي
ينقسم اليهود في سوريا إلى مجموعتين: المزراحيون الذين يعود وجودهم إلى زمن النبي داوود، والسفارديون الذين وصلوا بعد سقوط الأندلس. عُرفوا بإتقانهم لمهن عدة، أبرزها صناعة الذهب، قبل أن يغادروا البلاد في ظروف سياسية صعبة خلال القرن العشرين.
كانت عودة الحاخام يوسف الحمرا إلى دمشق بعد ثلاثة عقود بمثابة اختبار حقيقي لموقف السلطات الجديدة، وأكدت أن من تبقى من اليهود لا يرغبون بالمغادرة، رغم أن عائلاتهم تقيم في إسرائيل وأمريكا، خصوصاً في نيويورك.