بعد مرور عام على انطلاقة ما يُعرف بـ "سوريا الجديدة" والتحولات التي شهدتها البلاد بعد عقد من الحرب، تبرز تساؤلات حول مختلف جوانب الحياة، خاصةً تلك المتعلقة بالاقتصاد ومعيشة المواطنين. وبينما يُعزى جزء من الحلول إلى الانفتاح الدولي، يبقى السؤال الاقتصادي الأهم: أين وصل الاقتصاد السوري؟ وهل اكتملت هويته أم ما زالت غير واضحة؟ وما هو أثر الدبلوماسية الاقتصادية السورية؟
شهدت سوريا تحولاً في علاقاتها الاقتصادية باستعادة الاعتراف العربي وفتح السفارات واستقبال الوفود الاقتصادية.
اتجاهات الاقتصاد السوري
يؤكد الخبراء أن العام الأول تميز بثلاثة اتجاهات رئيسية، كما يوضح الكاتب والباحث الاقتصادي الدكتور ياسين العلي: أولاً، كبح الانهيار المالي دون استعادة التوازن، حيث تباطأ تدهور الليرة السورية والتضخم، واستعادت الدولة قدرتها على ضبط السوق جزئياً، لكن دون حلول جذرية. ثانياً، بداية انكماش اقتصاد الظل، وإن كان لا يزال مهيمناً، مع تراجع أنشطة التهريب والاقتصاد العسكري الموازي. ثالثاً، تحسن محدود في بعض القطاعات مثل الصناعات الغذائية والطاقة البديلة والخدمات الإلكترونية، لكنه لم يغير الطبيعة العميقة للاقتصاد.
الهوية الاقتصادية
يشير الدكتور العلي إلى أن الهوية الاقتصادية السورية معقدة، فهي اقتصاد هجين بين إرث الانهيار وضغط الإعمار، واقتصاد انتقالي ليس سوقاً حراً ولا موجهاً ولا ريعياً خالصاً ولا إنتاجياً مكتملاً. كما أنه اقتصاد إعادة إعمار قبل أن يكون اقتصاد نمو، مدفوعاً بالطلب على الكهرباء والإسكان والبنية التحتية. ويضيف أن نخبة اقتصادية جديدة بدأت بالظهور مرتبطة بالاستثمار الخليجي ورأس المال العائد من الخارج، مع بداية تنوع اقتصادي جديد في مجالات الطاقة البديلة والخدمات الرقمية والمناطق الاقتصادية الخاصة.
الدبلوماسية الاقتصادية حققت إنجازاً بكسر العزلة وإعادة سوريا إلى الخريطة المالية والإقليمية، لكنها لم تتحول إلى استراتيجية اقتصادية للدولة.
الدبلوماسية الاقتصادية
يؤكد الدكتور العلي أن الدبلوماسية الاقتصادية تمكنت من فك العزلة وجلب الاستثمار، لكن دون استراتيجية متكاملة. وشهدت سوريا تحولاً في علاقاتها الاقتصادية باستعادة الاعتراف العربي والعودة إلى الجامعة العربية وفتح السفارات واستقبال الوفود الاقتصادية وتوقيع مذكرات تفاهم، ومنح أولوية للاستثمار في سوريا في عدد من العواصم الخليجية كالمملكة العربية السعودية ودولة قطر والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى تخفيف الضغوط الدولية وتجميد جزئي للعقوبات.
إدارة التحول هي الأداة لتحويل الاستقرار الهش إلى استقرار قابل للنمو والاستثمارات الخارجية إلى اقتصاد إنتاجي والتغيير السياسي إلى تحول اقتصادي حقيقي.
إدارة التحول
يشدد الدكتور العلي على أهمية إدارة التحول، التي يعتبرها العامل الغائب الذي يحدد مصير العام الثاني، فهي ليست برنامجاً إصلاحياً عادياً بل إعادة تعريف دور الدولة وإعادة هندسة المؤسسات وبناء منظومات جديدة للحوافز وخلق قواعد منافسة وإعادة توزيع السلطة الاقتصادية. ويرى أن إدارة التحول هي الأداة الوحيدة التي تحول الاستقرار الهش إلى استقرار قابل للنمو والاستثمارات الخارجية إلى اقتصاد إنتاجي والتغيير السياسي إلى تحول اقتصادي حقيقي.
الاقتصاد السوري توقف عن الانهيار.. لكنه لم يبدأ بالتعافي البنيوي والهوية الاقتصادية ما تزال انتقالية وهجينة وغير مستقرة.
ويختتم الدكتور العلي بأن الاقتصاد السوري توقف عن الانهيار لكنه لم يبدأ بالتعافي البنيوي، وأن الهوية الاقتصادية ما تزال انتقالية وهجينة وغير مستقرة، وأن الدبلوماسية الاقتصادية فتحت الأبواب لكنها لم تبنِ استراتيجية تنموية، مؤكداً أن إدارة التحول هي العامل الذي سيقرر إن كان هذا المسار سيتحول إلى مشروع دولة أم إلى إعادة إنتاج غير معلنة للنموذج الاقتصادي القديم.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية