الإثنين, 12 مايو 2025 05:51 PM

سوريا بعد زوال السلطة: تحليل نفسي لتفكك بنية النظام وتأثيره على المجتمع

سوريا بعد زوال السلطة: تحليل نفسي لتفكك بنية النظام وتأثيره على المجتمع

في صباح 8 كانون الأول 2024، استيقظ السوريون على واقع غير متوقع: اختفاء مظاهر الدولة التسلطية من جيش وأمن ومخابرات. تبدد الخوف المتراكم، لكن خلف هذا الاختفاء المادي، برز اختفاء أعمق: انهيار البنية التي نظمت العلاقة بين الجماعات السورية لعقود، والتي قامت على الخوف والتوازن القمعي، وجعلت الدولة مرجعية رمزية عليا.

الصدمة الأكبر كانت للمجتمع العلوي، الذي شكلت هيمنته على أجهزة القمع ركيزة النظام. وجد هذا المجتمع نفسه في فراغ غير مسبوق، بلا دولة تحميه أو تحتكره، ووجهًا لوجه مع الأغلبية السنية التي كانت مقموعة، وعلاقة ملتبسة مع الأقلية الإسماعيلية.

لم تكن سلطة الأسد مجرد نظام أمني معزول، بل بنية سلطوية معقدة مارست العنف وقدمت ترضية رمزية لكل مكون. المجتمع العلوي نفسه تعرض للقمع، وتمت عسكرته وتحويله إلى كتلة منضبطة مقابل منحه الشعور بالسلطة.

أتذكر مشهدًا من أيام الدراسة في طرطوس، حيث كان أستاذ الدين العلوي يدرّس المنهاج السني الرسمي دون مراعاة للتركيبة الطائفية، ويمنع أي سخرية من شخصيات سنية. هذا المشهد يوضح كيف كان النظام يفرض خطابًا دينيًا سنيًا في بيئة علوية، كأداة لإعادة إنتاج التوازن السلطوي. النظام منح العلويين أدوات القمع وسلبهم أدوات التعبير والثراء، وترك الخطاب الديني الرسمي في يد السنة، في توزيع دقيق للأدوار.

في السويداء، حافظ المجتمع الدرزي على استقلال رمزي عن الدولة، مع تهميش مجتمعي وسياسي للبدو وسنة ومسيحيي المدينة. النظام اشترى ولاء الدروز بتركهم يديرون حدودهم.

الآن، انتهى كل ذلك، ونحن أمام واقع جديد، دولة في طور التشكل. يجب أن نضغط جميعًا كي لا تكون هذه الولادة مجرد استبدال وجوه، بل تأسيسًا لدولة الحقوق والمساواة. النضال السياسي جزء من الحل، لكن الأهم هو معالجة البنية النفسية والاجتماعية التي تحكم العلاقة بين المكونات السورية المختلفة.

لعقود، جرى تسميم هذه العلاقات بالخوف والاتهام، وتم التلاعب بها من قبل النظام. ولكي لا تتكرر المأساة، يجب فتح حوار مجتمعي عميق يتناول المظلوميات التي راكمها التاريخ لدى كل مجموعة. نحتاج إلى مصالحة حقيقية تُبنى من الأسفل، ونزع الخوف من بعضنا البعض.

فقط عندما ننجح في سدّ المنافذ التي تسلل منها الاستبداد، يمكننا الحديث عن دولة جديدة تقطع جذريًا مع الانقسام والخوف، ولا تعيد إنتاج الأسد بوجه جديد.

مشاركة المقال: