دمشق-سانا: يشهد شهر تموز في سوريا ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة، متجاوزًا المعدلات الموسمية المعتادة. فقد سجلت دمشق 44 درجة مئوية، بينما لامست الحرارة في دير الزور والرقة حدود 46 درجة. دفعت هذه الموجة السلطات الصحية إلى إصدار تنبيهات عاجلة لتجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس، خاصة في ساعات الذروة.
تقنين الكهرباء يضاعف التحديات اليومية
في ظل تقنين الكهرباء المستمر، أصبحت وسائل التبريد الحديثة بعيدة عن متناول الكثيرين، مما أجبر الأسر على البحث عن حلول بديلة. ومع عدم القدرة على تشغيل المكيفات والمراوح الكهربائية بشكل متواصل، لجأ المواطنون إلى استراتيجيات شعبية بسيطة للتخفيف من وطأة الحر، مثل استخدام الماء البارد لتبريد الغرف وتبليل الأرضيات، وحتى تنظيم الحياة اليومية وفق جدول التقنين الكهربائي.
العودة إلى التراث في مواجهة الطبيعة
يتجدد حضور العادات القديمة في الريف والمدن على حد سواء، حيث يعمد العديد إلى النوم على أسطح المنازل ليلًا، أو التحصن بجدران منازل حجرية وطينية خلال النهار. وتعود المشروبات التقليدية مثل عرقسوس والتمر الهندي إلى المشهد بقوة، كونها توفر ترطيبًا طبيعيًا للجسم دون الحاجة للتبريد الصناعي. يقول أبو إيهاب، من ريف دمشق: "نضع أوعية من الجلي خلف المروحة، ونستخدم المراوح اليدوية وقت التقنين… هي تقنيات بسيطة لكنها فعالة".
الساحل السوري… متنفس طبيعي للهرب من القيظ
في المحافظات الساحلية مثل طرطوس واللاذقية، أصبحت الشواطئ مقصدًا يوميًا للسكان، خاصة في ساعات المساء. وتحولت الجلسات الجماعية قرب البحر إلى طقس يومي للهروب من الحر، ووسيلة اجتماعية للاسترخاء الجماعي، بينما نشطت حركة بيع العصائر والمنتجات المثلجة بشكل ملحوظ.
الأطفال وكبار السن… الفئات الأكثر تعرضًا للمخاطر
وفقًا لتقارير وزارة الصحة، شهدت بعض المراكز الطبية حالات متعددة من الإجهاد الحراري وضربات الشمس، معظمها من الأطفال وكبار السن. وقد أُطلقت حملات توعوية عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل، تدعو المواطنين إلى شرب كميات كافية من الماء، وارتداء ملابس خفيفة، والامتناع عن الخروج في منتصف النهار.
تأثيرات اقتصادية ومهنية ملموسة
تأثرت بعض القطاعات المهنية بالحرارة بشكل مباشر، إذ بدأت الورشات ومحلات الصيانة بتعديل ساعات عملها لتتجنب الظهيرة. وأكد عدد من أصحاب المحلات في دمشق أن انخفاض حركة الزبائن في ساعات النهار دفعهم إلى افتتاح محلاتهم مساءً فقط، لتلبية حاجات السوق في توقيت أكثر اعتدالًا.
أدوات رقمية في مواجهة الحر
بدأ بعض السكان باستخدام تطبيقات الهواتف الذكية لمتابعة توقيت الكهرباء وتوزيع أنشطتهم اليومية حسب التوقيت المتاح، كما انتشرت على مجموعات الإنترنت أفكار وحلول منزلية لتقليل تأثير الحرارة، مثل صنع مكيفات يدوية باستخدام عبوات الجلي والمراوح المحمولة.
ختاماً، يمكن القول: في مواجهة حرارة تموز اللاهبة، يعيد السوريون تعريف أساليب التكيف اليومي، مجددين الاعتماد على ابتكاراتهم التقليدية والروح الجماعية للتغلب على الظروف الصعبة. وبين تقنين الكهرباء والتحديات الصحية، يظل صيف سوريا محطة اختبار حقيقي لقدرة المجتمع المحلي على التكيف والصمود.