الإثنين, 28 أبريل 2025 04:43 PM

سوريا: تزايد الفصل الجندري وتأثيره على حقوق المرأة والمجتمع في ظل السلطة الجديدة

سوريا: تزايد الفصل الجندري وتأثيره على حقوق المرأة والمجتمع في ظل السلطة الجديدة

لمى قنوت ورهام قنوت رفاعي: تتضاءل مساحات النساء بتنوعاتهن مع تعمق سلطة الحكم الجديدة في سوريا، حيث تُخصص لهن أماكن محددة بناءً على نظام فصل تمييزي حاد. يُنظر إليهن كمصدر إغراء وأجساد تهدد الفكر الذكوري، مما يستدعي عزلهن وإخضاعهن لتمكين الذكور من بناء الوطن. هذا يعيد إلى الأذهان نماذج حكم فرضت وصايتها الأيديولوجية على الشعب، خاصة النساء، خلال تحولات سياسية كبرى مثل فترات الصراعات وما بعد الثورات، كالنموذج الأفغاني والليبي والإيراني.

منذ عام 2011، ثارت النساء السوريات على الاستبداد، وكان لهن دور ريادي في الدفاع عن مواطنيتهن. العديد منهن قائدات في مجتمعاتهن ومعيلات لأسرهن، وواجهن تحديات النجاة بأنفسهن وبأسرهن في مناطق مختلفة تحت سلطات الأمر الواقع المتعددة. قادت الكثيرات حراكات المحاسبة وتوثيق الانتهاكات والذاكرة لدمقرطة التاريخ وجندرة الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كشريكات في بناء الوطن والمستقبل.

سياسة جس النبض

تتبع السلطة الجديدة تكتيك "بالونات الاختبار"، وهو تسريب معلومات للإعلام لاستقراء الرأي العام. مثال على ذلك تسريب مسودة الإعلان الدستوري بعد تكليف لجنة لصياغته. هذه العقلية تظهر أيضًا في إصدار قرارات والتراجع عنها عند ارتفاع الأصوات المعارضة. في غياب الشفافية والمشاركة السياسية الحقيقية، تتسبب هذه السياسات في تشويش الرأي العام وتحويل الطاقات نحو سجالات حول الشائعات والقرارات، مما يشتت جهود المجتمع المدني والحقوقيين والمسيسين التقدميين.

تتزايد الأخبار حول جهود السلطة الجديدة والمتوافقين معها أيديولوجيًا لتطبيق الفصل الجندري في الأماكن العامة، وهو الفصل الفيزيائي أو القانوني أو الثقافي للأشخاص بناءً على الجنس البيولوجي أو الجندر ضمن منظومة ذكورية إقصائية. تجدر الإشارة إلى الجهود النسوية والحقوقية لإدراج الفصل الجندري الذي يرقى إلى نظام فصل عنصري شامل كجريمة ضد الإنسانية في القانون الدولي، كما هو الحال في أفغانستان وإيران وسابقًا في السعودية. يتم فرض هذه الإجراءات تحت ذرائع مثل "الخصوصية الثقافية للأكثرية" و"حماية المرأة" و"ضمان المستقبل العلمي لشبان الأمة"، وهي شعارات لطالما فكك الفكر النسوي أبعادها التمييزية.

بين سياسة جس النبض وحملات التضليل الإلكترونية والسياسة المزدوجة للسلطة، يكثر التشكيك في الهواجس النسوية من هذه التوجهات الأيديولوجية وتأثيرها على الحياة العامة والحريات الفردية والجماعية وحقوق الإنسان للنساء وفئات مجتمعية أخرى. يجب النظر في فكر وتاريخ مَن تُعين السلطة الجديدة لرئاسة وزارة العدل كمؤشر على موقفها الأيديولوجي، بعيدًا عن محاولات التوفيق بين مطالب رفع العقوبات وتطبيع العلاقات من جهة، وآمال السلطة وفئة من الشعب تعتبر أن "المكون السني" ومن يُحسب عليه كتلة متجانسة تتطابق مع أيديولوجيتها من جهة أخرى.

“العدل” والنساء في فقه السلطة الجديدة

إن تعيين شادي الويسي، وزير العدل السابق الذي ظهر في مقاطع فيديو يعدم امرأتين بتهمة "الزنا"، يدل على تساهل السلطة مع جرائم قتل النساء والعنف المبني على النوع الاجتماعي، ورؤيتها لشرعية ممارسة الدولة لدور شُرَطي على أجسادهن. أما بالنسبة للطبيب مظهر الويس، وزير العدل الحالي، فكتابه "دورة في علم القضاء الشرعي" يثير تساؤلات حول فقه السلطة الجديدة تجاه "العدل" وشكل الدولة التي تبنيها.

يحدد الويس في كتابه شروط القاضي، ومنها أن يكون مسلمًا، بالغًا، عاقلًا، وذكرًا، معتبرًا أن قول الطبري وابن حزم في جواز قضاء المرأة أقوال ضعيفة. يرى أن "العلّة في عدم جواز قضائها لعدم الاختلاط مع الناس، والأصل للمرأة أن تكون في بيتها، كما أن القضاء موضع للهيبة ولا هيبة للمرأة". ويضيف أنه يجب أن يكون حرًا، مما يثير تساؤلات حول فكرة "المملوك" في هذا العصر وحقوق الإنسان في ظل هذه العقلية، وتداعيات الوصم التكفيري لفئات من المجتمع.

هيبة القضاء ورهبة الحسبة

يتحدث الويس في كتابه عن تشريعات قضائية عقابية ردعيّة وُضعت "لمنع الانحراف"، كقتل المرتد وضرب المبتدع لحفظ الدين، وإقامة القصاص لحفظ النفس، و"إقامة حد الزنى وحد القذف، لحماية النسب والعرض". يركز على هيبة القضاء ورهبة الحسبة، وهي مؤسسة موازية للقضاء "تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر"، مثل "الأمر بالحجاب وصلاة الجماعة إذا ظهر تركها، والنهي عن الفسوق والفجور والتبرج". يكون عمل الحسبة في الأسواق والشوارع لمعاقبة "المنكرات الظاهرة"، ومقام الحسبة "مقام الرهبة والردع الفوري".

هذا ما أبرزته فيديوهات تُظهر تعنيف أطفال وشبان وحلق رؤوسهم بتهمة التحرش اللفظي بالنساء، مما يقوض بناء الدولة الحديثة ويرهب الناس في الشارع، وليست حلولًا لرفع الوعي الجمعي ومناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي.

إن السكوت عن تهميش النساء والفصل الجندري سيطول كل من يختلف عن أيديولوجية هذه السلطة. فالوقوف معًا للدفاع عن الحريات والحقوق هو واجب وضرورة.

مشاركة المقال: