الإثنين, 5 مايو 2025 01:47 AM

سوريا على حافة أزمة خبز: إنتاج القمح المحلي يغطي 19% فقط من الاحتياجات

سوريا على حافة أزمة خبز: إنتاج القمح المحلي يغطي 19% فقط من الاحتياجات

جنى العيسى | حسن إبراهيم | لمى دياب

تنذر الظروف الجوية والاقتصادية بانخفاض إنتاجية موسم القمح لعام 2025 في سوريا، وسط عدم وضوح بدائل الحكومة لتأمين المادة من مصادر متعددة كما جرت العادة خلال السنوات الماضية، ما قد يؤثر على رغيف الخبز السلعة الأساسية على مائدة المواطنين.

منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) قالت في تقرير لها صدر مطلع نيسان الماضي، إن من المتوقع أن يكون إنتاج الحبوب في سوريا بالموسم الحالي أقل من متوسط إنتاج السنوات الماضية جميعها، كما أن الظروف الجوية الجافة والمخاوف الأمنية تعوق إنتاج الحبوب في عام 2025.

تثير حالة عدم الاستقرار الاقتصادي أيضًا حالة من عدم اليقين بشأن متطلبات استيراد الحبوب هذا العام، ما يشير إلى استمرار انعدام الأمن الغذائي في عام 2025 على الرغم من انخفاض أسعار المواد الغذائية، وفق التقرير.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع فلاحين ومهندسين زراعيين واقع موسم القمح الحالي، وتستطلع أرقامًا حكومية حول واقع الإنتاج واحتياجات البلاد، وطرق تأمينها، كما تستعرض مقترحات واستراتيجيات قريبة وبعيدة المدى من شأنها ضمان عودة سوريا بلدًا مكتفيًا ذاتيًا بالقمح.

الجفاف والتكاليف

تهدم المحصول الاستراتيجي

كانت الزراعة تشكل نحو 33% من الناتج المحلي للبلاد، لتنخفض إلى 17% عام 2010، بينما وصلت حاليًا إلى 12%. وكان القطاع يشغّل أكثر من 30% من الأيدي العاملة، قبل عام 2011، بينما تبلغ النسبة الآن 15%.

في سوريا، يعاني نحو 13 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان، من انعدام الأمن الغذائي، بمن في ذلك 3.1 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد.

يعد القمح من المحاصيل الاستراتيجية الرئيسة في سوريا، إذ كان متوسط إنتاج المحصول منذ 1990 إلى 2010 يزيد على أربعة ملايين طن، وسجلت سوريا في 2006 أعلى رقم في إنتاجه بمقدار 4.9 مليون طن، وفق المكتب المركزي للإحصاء، وكان متوسط الاستهلاك المحلي 2.5 مليون طن، ما أتاح فائضًا للتصدير يتراوح بين 1.2 و1.5 مليون طن.

مزارعون يحصدون محصول القمح جنوبي إدلب – 4 حزيران 2023 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)
مزارعون يحصدون محصول القمح جنوبي إدلب – 4 حزيران 2023 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

موسم “كارثي”

“فاو” أشارت في تقريرها إلى أن زراعة الحبوب الشتوية لعام 2025 تأخرت بسبب تأخر هطول الأمطار في تشرين الثاني 2024، وتعطلت بشدة بسبب الصراعات المستمرة ونزوح السكان والانتقال الحكومي في آواخر 2024 والجفاف في بداية الموسم بين تشرين الأول 2024 وكانون الثاني 2025.

ومع بدء الحصاد في حزيران المقبل، من المتوقع أن يؤدي الوصول المحدود إلى الحقول وانخفاض كميات الأمطار إلى تقليل المساحة المزروعة، ما يشير إلى توقعات بإنتاج حبوب أقل من المتوسط، كما أن ارتفاع تكاليف المدخلات بما في ذلك الوقود والأسمدة، قد يثبط عزيمة المزارعين عن زراعة الحبوب، ويدفعهم للتحول إلى محاصيل أكثر ربحية، كاليانسون والكمون والحبة السوداء والكزبرة.

وفق فلاحين ومهندسين زراعيين قابلتهم عنب بلدي، فإن موسم القمح لهذا العام غير مبشر، وتكررت توصيفات من المزارعين للموسم بأنه “فاشل” و”خاسر” و”كارثي” و”غير مجدٍ”، فالجفاف خيّب آمالهم، وتركهم غارقين في الديون بعد دفع تكاليف على تجهيز الأراضي وشراء المستلزمات الزراعية، عدا عن تأخير زراعة المحصول الذي يتراوح موعد زراعته بين 15 من تشرين الثاني و15 من كانون الأول.

وباع قسم من المزارعين محصول القمح مرعى للمواشي، بسبب قلة الأمطار وعجزهم عن إتمام السقاية، وتراوحت نسبة الضرر في الأراضي بين 40 و75%.

المدير العام للهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب، عبد العزيز القاسم، قال إن المساحة التي خرجت من الإنتاج الزراعي لمحصول القمح في الغاب بلغت  7,782هكتارًا، من أصل المساحة الإجمالية المزروعة بالقمح البالغة 52,541 هكتارًا.

وذكر القاسم ثلاثة أسباب للتراجع والإخفاق في بعض المساحات، أولها انحباس الأمطار بين 20 من شباط و22 من آذار خلال مرحلة حرجة من نمو النبات، وثانيها انخفاض واردات المياه من سد “الرستن”، مع تراجع غزارة الينابيع والأنهار، وثالثها ارتفاع تكاليف الري، وفق تصريح حصلت عليه عنب بلدي.

أما المهندس الزراعي في درعا أحمد كيوان، فقال لعنب بلدي، إن محصول القمح دخل في مرحلة التسبيل خلال الأسابيع الماضية، وفي هذه المرحلة تكون التغذية بهدف تكوين الحب، في حين ما زال طول قشة القمح بمعظم المحاصيل لا يتجاوز 20 سنتمترًا، ومن المفترض أن يفوق 50 سنتمترًا في مثل هذا التوقيت من كل عام.

وأضاف أن القمح لم يستفد من مياه الأمطار بسبب قلتها، والتي تحوي النيتروجين والآزوت العضوي، لذلك لا تغني مياه الري مهما بلغت نسب السقاية، وقدّر نسبة نجاح محصول القمح في هذه السنة بـ5%، ومعظمها من الأراضي المروية، ويمكن الاستفادة منها بإنتاج القمح والتبن.

وبالنسبة للمحاصيل البعلية من القمح والشعير، فهي خارج الإنتاج، ومعظمها أصبح يصلح للمراعي فقط، وفق كيوان.

وبحسب إحصائيات حصرية حصلت عليها عنب بلدي، فإن المساحات المزروعة بالقمح في مدينة تل أبيض شمالي الرقة تراجعت 100 ألف دونم عن عام 2024، حيث وصلت هذا العام إلى 200 ألف دونم مزروعة، مقارنة بـ300 ألف دونم عام 2024، ويتراوح إنتاج الدونم في الأراضي الزراعية بين 200 و250 كيلوغرامًا.

أما في رأس العين شمال غربي الحسكة، فقد بلغت المساحات المروية لهذا الموسم نحو 120 ألف دونم، مقارنة بـ135 ألفًا في موسم 2024، ويتراوح إنتاج الدونم الواحد بين 250 و300 كيلوغرامًا.

ويعاني المزارعون في المدينتين من قلة الأمطار والجفاف، وعدم توفر بذور ذات إنتاجية عالية وارتفاع أسعارها، إضافة إلى ارتفاع أسعار السماد، ونقص المحروقات وارتفاع تكلفة مشاريع الطاقة الشمسية.

ولرأس العين وتل أبيض خصوصيتهما، فهما حدوديتان مع تركيا ولا توجد لهما طرق رسمية مع باقي المحافظات السورية، لذلك يواجه المزارعون فيهما صعوبة في تصريف الحبوب، ما يجعل المحصول محتكرًا من قبل التجار.

مهندس زراعي في ريف دير الزور شرقي سوريا، توقع في حديثه لعنب بلدي تدني إنتاج القمح هذا العام في المنطقة بنسبة 30%، مضيفًا أن موسم القمح تأثر بثماني مشكلات أثرت على الإنتاج وأدت إلى تدنيه مستقبلًا، وهي:

  • ارتفاع تكاليف تجهيز الأرض من حراثة وغيرها.
  • عدم توفر مستلزمات الإنتاج (أسمدة، محروقات) وارتفاع أسعارها.
  • عدم توفر الأصناف الملائمة للزراعية ذات النقاوة والإنتاجية العالية.
  • عدم مراعاة الشروط الصحيحة بقبول حقول الإكثار، ما أدى إلى وجود خلط في الأصناف وعدم نقاوتها وتدني إنتاجيتها.
  • عدم توفر مبيدات أعشاب حكومية ومرخصة وذات فعالية، ما أدى إلى الاعتماد على المبيدات غير المرخصة و”المهربة” وهي ذات كفاءة منخفضة في القضاء على الأعشاب الرفيعة والعريضة في حقول القمح.
  • انتشار حشرة “السونة” بنسبة أكبر هذا الموسم، بسبب عدم توفر الأدوية والإمكانيات اللازمة، وبسبب ارتفاع تكاليف المكافحة وعدم توفر الدواء.
  • الظروف الجوية، خاصة الجفاف وقلة الهطولات المطرية، ما أدى إلى زيادة عدد “الريّات”.
  • عدم زراعة كامل المساحة لبعض الفلاحين بسبب البعد عن مصدر الري، وزيادة تكاليف الإنتاج.

الإنتاج 19% من الاحتياج

وسط تراجع إنتاج محصول القمح في سوريا هذا العام، ومع التوقعات المتشائمة، لا بد من وجود خطط لسد العجز، خوفًا من زيادة الفجوة الغذائية.

ولم يعد عجز الإنتاج مؤشرًا اقتصاديًا يتم تداوله من قبل مختصين، بل سيتحول إلى مأساة إنسانية تمس حياة ملايين المواطنين، فبعد أن كانت سوريا تصدّر القمح، صارت تعاني لتوفير رغيف الخبز.

مدير مديرية الاقتصاد والتخطيط الزراعي في وزارة الزراعة، سعيد إبراهيم، قال لعنب بلدي إن المساحة المخططة لمحصول القمح بلغت 1.4 مليون هكتار، وتشكل هذه المساحة ثلث مساحة الأراضي المخططة في الدورات الزراعية (سليخ+سبات)، بينما بلغت المساحة المنفذة 1,099,686 هكتارًا، بنسبة تنفيذ 76% منها 425,150 هكتارًا مرويًا بنسبة تنفيذ 73% و674,536 هكتارًا بعليًا، بنسبة تنفيذ 77%.

وبلغ الإنتاج المقدّر حسب الحالة العامة للمحصول (جيد، متوسط، ضعيف) 772,838  طنًا، ومن المتوقع انخفاض تقديرات الإنتاج نظرًا إلى خروج معظم المساحات البعل من التقديرات، بالإضافة إلى تضمين جزء منها للرعي (لم تصل لمرحلة الحصاد بسبب ضعف النمو للنباتات)، بحسب مدير مديرية الاقتصاد والتخطيط الزراعي.

تظهر هذه الأرقام تراجعًا صادمًا في زراعة القمح هذا العام، وهي مؤشرات خطيرة تحمل تحذيرًا واضحًا، يتطلب تحركًا سريعًا لإنقاذ الزراعة في سوريا من الانهيار.

وأشار المسؤول في وزارة الزراعة إلى أن حاجة سوريا من القمح تقدر بـ4 ملايين طن (حسب عدد السكان الموجودين في سوريا والذي يقدر بـــ22.5 مليون نسمة عام 2020)، وبالتالي فإن الإنتاج المقدر يشكل نسبة 19% من الاحتياج، أي أن هناك نقصًا في تأمين احتياجات السكان بما يقارب 80%.

مزارعون يحصدون محصول القمح جنوبي إدلب – 4 حزيران 2023 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)
مزارعون يحصدون محصول القمح جنوبي إدلب – 4 حزيران 2023 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

التغير المناخي يؤثر سلبًا

يرجع التدهور بالقطاع الزراعي لعدة أسباب، أهمها التغيرات المناخية التي أثرت على المحاصيل، الأمر الذي يستدعي تدخلًا حكوميًا لدعم المزارعين.

وتلعب التغيرات المناخية دورًا حاسمًا في رسم اتجاهات محصول القمح السوري، فإلى جانب تحديات الحرب وتراجع الموارد، أدى تناقص معدلات الهطول المطري وعدم استقراره إلى سنوات جفاف قاسية، كانت بمثابة نقاط انهيار في الإنتاج، كما في سنوات 2018 و2021 و2022، بينما جلبت سنوات تحسن فيها الهطول المطري بعض التحسن في الإنتاج كما في عامي2020  و2023.

ورغم أن المعدل التقديري للهطول في عام 2025 لم يتراجع كثيرًا عن عام 2024، فإن تأخر الهطول نهاية عام 2024، وتقطعه هذا العام، أدى إلى تأثر المزروعات البعلية وقلق الفلاحين.

ويقدر المعدل الوسطي للهطول في سوريا بين 300 و350 ملمترًا سنويًا، أما هذا العام فالتقديرات في أفضل الأحوال تصل إلى 210 ملمترات.

سعر الخبز مرهق

تحررت ربطة الخبز من قيود “البطاقة الذكية” التي كانت تستخدم لتوزيع المواد المدعومة من قبل الدولة، مع سقوط نظام الأسد السابق.

ولكن مع توفر المادة وغياب الطوابير على الأفران، ارتفع سعر الخبز أضعافًا، وطرأت تغييرات على وزن ربطة الخبزة وسعرها، فوزن الربطة الواحدة صار 1200 غرام بدلًا من 1100، بعدد 12 رغيفًا بدلًا من 7، وسعر مبيع 4000 ليرة سورية بدلًا من 400.

هذه الزيادة في سعر الخبز تعد مرهقة إذا قورنت بمتوسط الأجور في سوريا، إذ يصل متوسط الأجور في سوريا إلى نحو 540 ألف ليرة سورية فقط، بحسب موقع “NumBeo“ المتخصص باحتساب تكاليف المعيشة.

في كانون الثاني 2025، بلغ متوسط ​​سلة الإنفاق الشهري الوطني الأدنى (MEB) لأسرة مكونة من خمسة أفراد حوالي 2.5 مليون ليرة سورية (حوالي 250 دولارًا بسعر صرف السوق السوداء)، بانخفاض يقارب 15% عن الشهر السابق، مسجلًا أدنى معدل له في عام واحد.

ويغطي الحد الأدنى للأجور، البالغ حوالي 280 ألف ليرة سورية شهريًا (28 دولارًا)، حوالي 18% فقط من المكون الغذائي لسلة الإنفاق الأدنى، مما أضعف بشدة القدرة الشرائية للأسر وأمنها الغذائي.

ويعود الانخفاض الطفيف في أسعار المواد الغذائية إلى انخفاض سعر الصرف المحلي في السوق الموازية، وتخفيف قيود الاستيراد التي زادت من إمدادات الغذاء، وإزالة الحواجز العسكرية على الطرق الرئيسة، مما سهّل تدفق البضائع بشكل أسرع وأسهم في خفض تكاليف النقل، وفق منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو).

الاستيراد من جهات متعددة

حول الحلول المطروحة لتغطية النقص، ذكر مدير مديرية الاقتصاد والتخطيط في وزارة الزراعة، سعيد إبراهيم، أن تغطية النقص ستجري عن طريق استيراد إما القمح الطري أو الطحين بشكل مباشر، ويجري العمل لتأمين هذه الاحتياجات، حيث زود الجانب العراقي بجزء من احتياجات سوريا من القمح، وتم الاتفاق مع الجانب التركي لاستيراد الطحين في الفترات المقبلة على عدة دفعات.

منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أشارت إلى أن من المتوقع أن تكون احتياجات استيراد القمح للعام التسويقي 2024-2025 أعلى بقليل من متوسط السنوات الخمس، نظرًا لانخفاض إنتاج القمح لعام 2024، ومع ذلك فإن حالة عدم اليقين الاقتصادي وتقلبات العملة الوطنية والاضطرابات الداخلية، تشكل تحديات أمام البلاد لتأمين واردات القمح في عام 2025.

في 20 من نيسان الماضي، أعلنت “الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية” استقبال أول باخرة محملة بالقمح منذ سقوط النظام في ميناء اللاذقية وعلى متنها 6600 طن من القمح، كما وقعت المؤسسة العامة للحبوب عقد استيراد 100 ألف طن قمح وهي قيد التوريد، دون الإفصاح عن جهة الاستيراد.

ونقلت وكالة الأنباء الروسية (تاس) التي نقلت عن تاجر كان ينظم إمدادات الحبوب إلى سوريا في عهد النظام السابق، أن سفينة “بولا مارينا” نقلت 6600 طن من القمح إلى ميناء اللاذقية السوري.

التاجر الذي لم تسمّه الوكالة، قال إن شركة روسية هي من نظّمت عملية التسليم.

وأضاف أن الشركة “لم تكن منخرطة سابقًا” في استيراد الحبوب الروسية إلى سوريا، وقال، “لا يوجد أي حديث عن استئناف إمدادات الحبوب المنتظمة من روسيا إلى سوريا حاليًا”، معتبرًا أن عملية النقل هذه كانت “استثنائية”.

خلال السنوات الماضية، لجأت حكومة النظام المخلوع إلى تأمين القمح من روسيا بطرق وأساليب متعددة، منها عبر اتفاقيات ثنائية نادرًا ما يتم الكشف عن أجزاء من تفاصيلها، أو عبر مناقصات تطرحها “المؤسسة العامة للحبوب” في سوريا لشراء القمح، أو ما ترسله روسيا من كميات وتسميه “مساعدات”، أو “سرقة” موسكو للقمح الأوكراني وإرسال قسم منه إلى سوريا، وفق ما كشفته شخصيات أوكرانية ووكالات أنباء، رغم نفي النظام لذلك.

إلا أن روسيا وبعد أيام من سقوط بشار الأسد علقت تصدير القمح إلى سوريا حتى إشعار آخر، بسبب “عدم اليقين بشأن السلطة الجديدة”، ولتأخير سداد المستحقات المالية السابقة.

مزارعون يحصدون محصول القمح جنوبي إدلب – 4 حزيران 2023 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)
مزارعون يحصدون محصول القمح جنوبي إدلب – 4 حزيران 2023 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

دول تبدي استعدادها

من جانبها، أبدت أوكرانيا استعدادها لتزويد سوريا بالقمح، بعد تعليق روسيا لإمدادات القمح.

وزير الزراعة الأوكراني، فيتالي كوفال، قال إن أوكرانيا وهي منتج ومصدر عالمي للحبوب والبذور الزيتية، مستعدة لتوريد الغذاء إلى سوريا بعد سقوط بشار الأسد، مضيفًا، “عندما يكون الأمر صعبًا يتعين علينا أن نكون هناك بغذائنا، نحن منفتحون على توفير غذائنا وإذا كانت سوريا بحاجة إلى الغذاء فإننا سنكون هناك”.

في شباط الماضي، قالت وزارة الخارجية البريطانية، إنها خصصت ثلاثة ملايين جنيه إسترليني لتمويل إمدادات القمح الأوكراني إلى سوريا، وذلك ضمن تنفيذ الالتزامات التي قطعها رئيس الوزراء، كير ستارمر، للرئيس لأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لتسليم الحبوب الأوكرانية وغيرها من المنتجات الغذائية إلى سوريا.

شركة “STG Engineerin”” الروسية أوقفت تصدير القمح إلى سوريا، لكنها أيضًا أبدت استعدادها لاستئناف التصدير أيضًا بعد التواصل مع حكومة دمشق المؤقتة.

وقال المدير العام للشركة، ديمتري تريفونوف، لوكالة “تاس” الروسية، في 30 من كانون الأول 2024، إن الشركة أوقفت التصدير إلى سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد المخلوع، لكنها مستعدة لاستئنافه بعد إقامة اتصالات مع السلطات الجديدة.

كما وصلت أول دفعة قمح مقدمة من الحكومة العراقية إلى سوريا، استئنافًا لمنحة سابقة جمدت مع سقوط نظام الأسد.

وتقدر الكمية التي سترسل بنحو 220 ألف طن، وذلك تحت إشراف وزارة التجارة العراقية ومؤسسة الحبوب العراقية ونظيرتها السورية، وسيوزع القمح بكل المحافظات، بحسب الاحتياج.

مدير المؤسسة العامة للحبوب، حسن العثمان، قال لعنب بلدي، في 22 من نيسان الماضي، إن التفاوض مع الحكومة العراقية  يجري على استئناف المنحة التي كانت مقدمة للشعب السوري قبل سقوط النظام، كما يجري التفاوض لشراء كميات من القمح العراقي المعروض للبيع تجاريًا عبر تجار سوريين، بحسب العثمان.

بدوره، أوضح الملحق التجاري للسفارة العراقية، نعيم المخصوصي، لعنب بلدي، أن لدى العراق فائضًا من إنتاج القمح، ويرغب بتصديره وتبلغ كميته مليون طن، وسيتم بيعه بحسب أسعار البورصة العالمية، ويحق للتجار السوريين عبر الشركات الخاصة أو المؤسسة العامة للحبوب أن تتقدم للشراء.

الحاجة إلى استراتيجيات طويلة الأمد

نتيجة الظروف المتعددة الأمنية والاقتصادية والمناخية، اضطر عدد من مزارعي محصول القمح في سوريا إلى هجرة مهنتهم، مدفوعين بعدة عوامل، منها يتعلق بتكاليف المحصول التي لم تعد تتناسب خلال السنوات الماضية مع أسعار المبيع التي كانت تحددها مختلف الجهات المسيطرة، إضافة إلى عوامل بيئية تتمثل بنشوب حرائق على مساحات واسعة تلتهم محصولهم، ما يجبرهم على التوجه نحو زراعات أقل تكلفة.

وتظهر بيانات “البنك الدولي” أن نسبة العاملين بالزراعة في سوريا بلغت في عام 2022 نحو 15.5% من مجمل نسبة العاملين في كل المجالات، بينما كانت عام 2000 تصل إلى 32.89%.

بحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، بلغ محصول القمح في سوريا لعام 2022 نحو مليون طن، بانخفاض 75% عن مستويات ما قبل 2011، في حين أن الشعير بات “شبه منعدم”.

وبلغ متوسط إنتاج المحصول منذ 1990 إلى 2010 أكثر من أربعة ملايين طن، وسجلت سوريا في 2006 أعلى رقم في إنتاجه بمقدار 4.9 مليون طن، وفق المكتب المركزي للإحصاء، كان متوسط الاستهلاك المحلي 2.5 مليون طن، ما أتاح فائضًا للتصدير يتراوح بين 1.2 و 1.5 مليون طن، وهي الأرقام التي لم نشهدها في محصول القمح منذ ذلك الوقت.

حول الخطط المقترحة لتحسين المحصول وتشجيع زراعته، وعودة سوريا لبلد مكتفٍ ذاتيًا بالقمح، أشار الدكتور في الاقتصاد الزراعي بجامعة “الزيتونة” الدولية سليم النابلسي، في حديث إلى عنب بلدي، إلى ثلاث خطوات أولية خلال الموسم الحالي والمقبل يجب الاهتمام بها تتمثل بما يلي:

  • دعم الإنتاج المحلي بشكل مباشر، بإجراءات مثل توفير المدخلات الزراعية الأساسية (البذور عالية الجودة، الأسمدة، المبيدات) بأسعار مدعومة عبر آليات شفافة لتجنب الفساد، وتعزيز الري الحديث في المناطق المتضررة من الجفاف (مثل الجزيرة السورية) عبر إعادة تأهيل شبكات الري وتقديم تقنيات الري بالتنقيط، وتوفير الوقود للمعدات الزراعية بأسعار مدعومة لتشغيل الآلات والمضخات.
  • استقرار سعر القمح للمزارعين: تحديد سعر ضمانة شراء من الدولة أعلى من السوق الحر لتشجيع المزارعين على زيادة المساحات المزروعة. توسيع دور المؤسسة السورية للحبوب في شراء المحصول مباشرة من الفلاحين، مع تحسين آلية التوزيع والتخزين.
  • التركيز على المناطق المُنتجة الرئيسة: دعم المحافظات مثل الرقة والحسكة ودير الزور عبر برامج إعادة تأهيل البنية التحتية الزراعية (السدود، الآبار، الطرق).

حول الاستراتيجيات المستقبلية طويلة الأمد، أوضح الدكتور سليم النابلسي ضرورة تعزيز الأمن الغذائي عبر التنويع، وتقليل الاعتماد على القمح كمحصول وحيد عبر تشجيع زراعة محاصيل استراتيجية أخرى (الشعير، الذرة) لتقليل الضغط على المياه، وتطوير محاصيل مقاومة للجفاف والتغير المناخي (مثل القمح العسيلي أو الأصناف المهجنة).

كما يجب إصلاح السياسات الزراعية، وإلغاء زراعة القمح في المناطق غير الصالحة (المستهلكة للمياه) واستبدالها بمحاصيل أقل استهلاكًا، فضلًا عن ضرورة إعادة النظر في قوانين الملكية الزراعية لتشجيع الاستثمار في الأراضي البور، خاصة عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

من الضروري، وفق النابلسي، الالتفات إلى الاستثمار في التكنولوجيا والبحث العلمي، ودعم مراكز الأبحاث الزراعية لتطوير أصناف قمح ذات إنتاجية عالية ومرونة مناخية، ونشر استخدام الطائرات المُسيّرة وتطبيقات الزراعة الذكية (مثل تحليل التربة عبر الذكاء الاصطناعي).

من الأهمية أيضًا بناء سلاسل إمداد فعّالة كتأهيل المصانع المحلية لإنتاج الدقيق والأعلاف لتقليل الاعتماد على الواردات وإنشاء منشآت تخزينية حديثة لتفادي الهدر (يُقدّر بنسبة 20% في بعض المناطق)، وتشجيع عودة المهندسين الزراعيين إلى العمل في المناطق الريفية عبر حوافز مالية.

وفي هذا الملف، من الضروري إلى جانب كل ما سبق التصدي للتغير المناخي وتبني سياسات مائية متكاملة (مثل إعادة تأهيل السدود وحفر الآبار الشمسية)، وتوعية المزارعين بفوائد ترشيد استهلاك المياه وتجنب الاستنزاف المفرط.

مشاركة المقال: