الثلاثاء, 3 يونيو 2025 11:11 AM

سوريا في مرحلة إعادة الإعمار: كيف يساهم الإعلام في بناء السلام وتجاوز آثار الحرب؟

سوريا في مرحلة إعادة الإعمار: كيف يساهم الإعلام في بناء السلام وتجاوز آثار الحرب؟

علي عيد: بعد انتهاء الحرب في سوريا وتلاشي معظم ارتداداتها، يبرز سؤال حول دور الإعلام في مرحلة السلام والبناء، وتأثير الإعلام السلبي على خطط الدولة وتطلعات المجتمع.

خلال 14 عامًا عصيبة، وظّف الإعلام مختلف الأدوات لمواكبة الحرب، بما في ذلك التحفيز والتعبئة والحرب النفسية، وحتى خطاب الكراهية. ومع ذلك، يبدو أن بعض وسائل الإعلام، خاصةً تلك التي تعتمد على الإثارة في وسائل التواصل الاجتماعي، لا تزال متمسكة بـ "الروشيتة" القديمة، وتسعى لتحقيق انتصارات وهمية، متجاهلةً حاجة البلاد إلى البناء والتعافي من آثار الحرب البشرية والاقتصادية والنفسية.

هناك فجوة واضحة بين الرسائل التي تسعى الحكومة لتوجيهها وتركيز "بعض" وسائل الإعلام على بقايا الصراع وتداعياته. هذا التباين مفهوم، فالصحافة غالبًا ما تنتقد السلطة في مختلف أنحاء العالم.

السؤال الذي يجب أن يطرحه الإعلاميون على أنفسهم اليوم هو: ما هو الدور الأخلاقي للإعلام في تجاوز الأزمات وترسيخ السلام؟ هل المطلوب تبني رؤية الحكومة، أم المواكبة بحذر، أم الاستمرار في سرديات الصراع؟

في ظل تركيز الإعلام الخارجي على المتغيرات السياسية والاقتصادية في سوريا، تنشط وسائل التواصل الاجتماعي في نشر رسائل تضعف الثقة داخل المجتمع. المؤسف أن بعض وسائل الإعلام المحلية، بما فيها الوطنية، تتبنى هذه الرسائل السلبية وتساهم في تعزيز الانقسام والاختلاف.

بعض الصحفيين، حتى العاملين في وسائل إعلام حكومية، يشاركون في خطاب الشحن الفوضوي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدون مواقف وانحيازات تدافع عن رؤية الحكومة بطريقة خاطئة. سواء كان ذلك بمبادرة شخصية أو بدعم من إداراتهم، فإن هؤلاء الصحفيين يسيرون عكس التيار، ويخالفون مبدأ حياد الصحفي.

يجب على هؤلاء الصحفيين أن يدركوا أن دورهم يقتصر على تيسير الحوار، وتعزيز الفهم، ونقل المعلومة، وبذلك يخدمون الحكومة والجمهور على حد سواء.

بالعودة إلى صحافة السلام، التي تسعى لحل النزاعات عبر الانتقال من التناقض نحو المشتركات، وفقًا لمراحل الحل العملية الثلاث التي وضعها عالم الاجتماع يوهان غالتونغ: بناء السلام، وصنع السلام، وحفظ السلام.

سوريا، حسب التحليل، في المرحلة الثانية: صنع السلام. فقد انتهت الحرب بمعظم جوانبها، وما تبقى هو اندفاعات محلية. السياق الدولي والإقليمي والمحلي يتطلب تغييرات جذرية، تبدأ من سياسات الإعلام الوطني الرسمي وتمتد إلى إعلام المناطق.

صنع السلام ليس مهمة الحكومة وحدها، فالمجتمع هو المتضرر والمستفيد الأول، ولكنه في الحالة السورية يواجه صعوبة في المواكبة بسبب الخطاب الحربي المستمر.

يجب على الإعلاميين أن يشعروا بالمسؤولية، وهذا لا يلغي حقهم في النقد وكشف الأخطاء. صنع السلام يستدعي إعادة صياغة الاستراتيجيات الإعلامية، وإعادة النظر في البرامج والسياسات.

على الصحفيين وصناع الرأي التفكير في المرحلة وبقايا النزاع وفقًا لأبعاد غالتونغ: التناقض، والمواقف، والسلوك. يمكن للإعلام تفكيك التناقض، ونقد المواقف، وتجنب دعم السلوك السلبي والعنفي، وهذا هو المفهوم الحقيقي لصنع السلام في الصحافة.

مشاركة المقال: