الخميس, 30 أكتوبر 2025 08:05 PM

سوريا والعراق: تحفظات تعيق إعادة العلاقات رغم فرص التعاون

سوريا والعراق: تحفظات تعيق إعادة العلاقات رغم فرص التعاون

تشهد العلاقات بين العراق وسوريا بعد فترة حكم الأسد تعقيدات ناتجة عن تراكمات الماضي ومخاوف أمنية، بالإضافة إلى فرص التعاون الاقتصادي والتحديات الجيوسياسية. وفقًا لدراسة صادرة عن مركز "حرمون للدراسات"، تتأثر سوريا بعلاقات العراق المتنامية مع إيران، التي تعتبرها تهديدًا، بينما يواجه العراق ضغوطًا جيوسياسية تفرض عليه موازنة علاقاته مع إيران والحفاظ على علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة، وتجنب أن يصبح ساحة صراع بين القوى الإقليمية.

التأثير الإيراني في القرار العراقي

تمارس إيران نفوذًا في القرار السياسي العراقي من خلال "الإطار التنسيقي"، الذي يضم أحزابًا شيعية موالية لإيران وتمثيلًا سياسيًا للميليشيات المدعومة منها، مثل "قوات الحشد الشعبي". وبالرغم من تراجع هذا النفوذ، إلا أنه لا يزال يؤثر في القرار العراقي، مما يجعل حسم موقف العراق تجاه العلاقة السياسية مع الحكومة السورية الجديدة أمرًا صعبًا، خاصة وأن إيران كانت من أكبر الداعمين للنظام السوري السابق.

يرى المحلل السياسي معن طلاع أن على العراق قراءة التوجه الأمريكي الجديد في المنطقة، الذي يهدف إلى تمكين التعامل مع الدول وإقصاء "فواعل ما دون الدولة". ويشير إلى دعوة وزير الخارجية ماركو روبيو للعراق بضرورة نزع سلاح "الحشد الشعبي" كدليل على ذلك. ويضيف أن إيران تنظر إلى بغداد كخاصرة تساعدها في ترتيب أوراقها في المنطقة، في حين يجب أن تكون العلاقة العراقية مع إيران قائمة على الندية وليس التحكم.

في المقابل، لا يعتقد الباحث القانوني فراس حاج يحيى أن النفوذ الإيراني يشكل عائقًا أمام بناء علاقة سورية-عراقية جديدة قائمة على المصالح المباشرة. ويتفق معه الباحث السياسي أيمن الدسوقي، الذي يرى أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يحاول تعزيز دور بغداد كوسيط إقليمي وتعزيز بعده العربي، مما يمنح العراق إمكانية لعب أدوار أكثر استقلالية تجاه سوريا.

يرى معن طلاع أن تطور العلاقات السورية-العراقية يرتبط بثلاثة مؤشرات: وضوح مكافحة الإرهاب، ووضوح مؤشرات الدولة المركزية، وتجاوز الخطاب الأيديولوجي.

ضبط الحدود هواجس الطرفين

تمتلك سوريا حدودًا مشتركة مع العراق بطول 618 كيلومترًا. وينفذ العراق مشروع بناء جدران "كونكريتية" على الحدود مع سوريا. لدى الطرفين مخاوفهما الخاصة المتعلقة بالحدود، حيث تخشى سوريا من الميليشيات المدعومة من إيران ومن ضباط وجنود سوريين هربوا إلى العراق. بينما يخشى العراق من استغلال تنظيم "الدولة الإسلامية" للوضع الأمني الهش في سوريا، بالإضافة إلى مخاوف متعلقة بتهريب المخدرات.

سعى الطرفان إلى تعزيز التنسيق الأمني لضبط ملف الحدود. وكشفت مصادر دبلوماسية تركية عن اتفاق بين تركيا وسوريا والعراق والأردن على تشكيل آلية للتحرك المشترك ضد تنظيم "الدولة".

يقول خبير الشؤون الميدانية نوار شعبان إن الوضع على الحدود السورية-العراقية لا يزال غير مستقر، وإن أدوات إيران لا تزال موجودة في العراق وتشكل تهديدًا لسوريا، مما يتطلب جهدًا أمنيًا واسعًا من الحكومة السورية لمراقبة وضبط الحدود.

"تحالف الضرورة"

يؤمن البلدان بضرورة تسوية الخلافات القديمة والتطلع إلى المستقبل. وتبادل مسؤولو البلدين تصريحات إيجابية. ففي لقائه مع الرئيس السوري، قال رئيس المخابرات العراقية حميد الشطري إن بلاده لم تقف دائمًا مع نظام الأسد. وتوقع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من الإدارة السورية الجديدة تجاهل أخطاء الماضي. وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إن أمن سوريا والعراق مشترك. وفي اجتماع رعته دولة قطر بين الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ناقش الطرفان ملف أمن الحدود المشركة.

يرى الباحث القانوني فراس حاج يحيى أن هناك رغبة حقيقية لدى الحكومتين في طي صفحة الفتور السابق. كما أن التعاون الأمني والاقتصادي أصبح ضرورة ملحة للطرفين. وتمثل الزيارات المتبادلة بين الطرفين "تحالف ضرورة" قد يتطور لاحقًا إلى شراكة اقتصادية حقيقية. ويرى المحلل السياسي معن طلاع أن العقل السياسي العراقي لا يزال يعول على تغيير أو تحول في سوريا، وبالرغم من الزيارات المتبادلة بين الطرفين، فإنها لا تشي بعد بالذهاب نحو الانخراط في علاقات استراتيجية سياسية.

ومن المفترض أن تسارع الدولة العراقية نحو التوصل إلى تفاهمات أمنية واقتصادية مع الجانب السوري، لأن الطابع العام للمنطقة اليوم هو الاستقرار والتنمية، بحسب طلاع.

مشاركة المقال: