السبت, 12 يوليو 2025 12:09 AM

عودة قمر الدين الغوطة: الصناعة الذهبية تنبعث من جديد بعد سنوات من التحديات

عودة قمر الدين الغوطة: الصناعة الذهبية تنبعث من جديد بعد سنوات من التحديات

تعود صناعة قمر الدين، إحدى الصناعات الغذائية التقليدية العريقة في الغوطة الشرقية، لتتصدر المشهد الاقتصادي المحلي هذا العام، مدعومة بوفرة محصول المشمش وتحسن ظروف الإنتاج، بعد سنوات من الصعوبات التي فرضها نظام الأسد قبل تحرير المنطقة. هذا المنتج، الذي ارتبط اسمه بالغوطة وأصبح علامة مميزة على موائد رمضان في سوريا وخارجها، لا يزال يُصنع بأساليب يدوية تقليدية تحافظ على نكهته الأصلية وتجسد ذاكرة أجيال من الحرفيين.

صناعة يدوية تبدأ من البساتين وتنتهي في الأسواق

يُستخرج قمر الدين من ثمار المشمش الناضجة التي تُقطف في موسم قصير خلال الصيف، ثم تُغسل وتُصفى وتُفرد على ألواح خشبية مدهونة بزيت الزيتون لتجف تحت الشمس لعدة أيام، قبل تقطيعها وتغليفها وطرحها في الأسواق. على الرغم من ظهور تقنيات حديثة، تحافظ معظم ورش الغوطة على الطريقة التقليدية التي تمنح قمر الدين المحلي نكهته المميزة مقارنة بالأنواع التجارية المنتجة آليًا. كل لوح قمر الدين هو خلاصة جهد يدوي يمتد لأيام، ولكنه يحمل نكهة البستان والبيت معًا.

صعوبات الماضي بدأت تتلاشى

يقول عاطف سكر، وهو من أبناء مدينة عربين وصاحب معمل لصناعة قمر الدين، إن هذه المهنة متوارثة في عائلته منذ أكثر من 35 عامًا. ويروي كيف واجهت الصناعة صعوبات كبيرة خلال فترة سيطرة النظام، خاصة في الحصول على المواد الأساسية كالنكهات ومادة الجلوكوز، حيث كان يُطلب منه الحصول على موافقة أمنية أو دفع رشاوى للسماح بإدخالها. ويضيف: "كنا نضطر لمراجعة فروع الأمن فقط لإدخال مادة الجلوكوز، ومع ذلك كنا نُبتز ماديًا، مما رفع التكاليف كثيرًا. أما اليوم، بعد التحرير، فالأمور تغيرت بشكل كبير. تأمين المواد أصبح أسهل، والتكاليف انخفضت، وصرنا نوفر على أنفسنا دفع مبالغ في كل مرحلة". ويتابع بفخر: "كنت قد أنشأت معملي سابقًا في منطقة الحميرة بدير عطية أثناء حصار الغوطة، أما اليوم فأنا أستعد لإعادة افتتاح المعمل في مدينتي عربين من جديد. الحمد لله، هناك تفاؤل كبير بالمستقبل، والناس عادت تنظر إلى هذه المهنة كفرصة حقيقية للرزق".

موسم وفير… وتجارة رابحة

يؤكد المزارعون في الغوطة الشرقية هذا العام أن إنتاج المشمش كان وفيرًا، مما أنعش حركة تصنيع قمر الدين وخفف الاعتماد على ثمار المناطق الأخرى. ونتيجة لانخفاض تكاليف التصنيع مقارنة بالسنوات السابقة، عاد العديد من أصحاب الورش إلى الإنتاج بعد توقف قسري فرضته الحرب والحصار وتضخم الأسعار. يصل سعر اللوح الواحد من قمر الدين حاليًا إلى ما بين 15 و25 ألف ليرة سورية، بحسب الجودة والوزن، وهو سعر "معقول" حسب عاطف سكر، ويسمح بهامش ربح بسيط، لكنه أفضل من العزوف عن العمل. ويضيف: "هناك إقبال جيد على المنتج المحلي، خاصة مع بدء التجار في شراء الكميات من الآن لتسويقها قبل رمضان".

الغوطة… الاسم الذي صنع شهرة قمر الدين

لطالما كانت الغوطة الشرقية، وتحديدًا مدنها الزراعية مثل عربين، من أشهر مناطق إنتاج قمر الدين في سوريا. هذه الشهرة لم تأتِ من فراغ، بل من جودة ثمار المشمش المزروعة في تربة خصبة ومناخ ملائم، إلى جانب الخبرات الحرفية المتوارثة في طهي الثمار وتجفيفها وتغليفها. ويقول عاطف سكر إن "اسم قمر الدين الغوطة كان معروفًا في الأسواق اللبنانية والخليجية قبل الحرب، ويُعد من أجود الأنواع. واليوم، مع تحسن الوضع الأمني والإنتاجي، يمكننا إعادة بناء هذه السمعة، والعودة تدريجيًا إلى الأسواق". وفي ظل المساعي لإحياء الزراعة والصناعات الغذائية المحلية، يأمل العاملون في هذه الحرفة أن تساهم عودة قمر الدين إلى الأسواق في دعم الاقتصاد المحلي، وفتح فرص عمل، والحفاظ على تراث غذائي لطالما شكّل جزءًا من هوية الغوطة.

مشاركة المقال: