الإثنين, 4 أغسطس 2025 09:25 PM

فلسطينيو سوريا يواجهون الإهمال وتراجع المساعدات وسط تحذيرات "الأونروا" من أزمة تمويل

فلسطينيو سوريا يواجهون الإهمال وتراجع المساعدات وسط تحذيرات "الأونروا" من أزمة تمويل

عنب بلدي – بيسان خلف – في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بدمشق، تتفاقم معاناة الفلسطينيين السوريين جراء الدمار والخوف من المستقبل، وذلك بعد سنوات من التهجير الداخلي والخارجي خلال الحرب في سوريا. ورغم مرور سنوات على سقوط النظام السابق، ما زالوا يدفعون ثمن الحرب، خاصة في ظل الإهمال المستمر من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي كانت مساعداتها تخفف جزءًا من أعبائهم المعيشية.

حسين عموري (33 عامًا)، وهو فلسطيني الجنسية، اضطر إلى ترك منزله المستأجر والانتقال للعيش مع عائلة زوجته، بعد أن أوقفت "الأونروا" الدعم المالي للعائلات الفلسطينية في سوريا. كان حسين ينتظر دفعة المساعدات المالية التي كانت تقدم كل ثلاثة أشهر، وتتراوح قيمتها بين 300,000 و500,000 ليرة سورية (ما يعادل 40 إلى 50 دولارًا) للفرد الواحد، لسداد إيجار منزله في صحنايا. ومنذ سقوط النظام السابق في 8 كانون الأول 2024، لم يتلق فلسطينيو سوريا أي مساعدات مالية باستثناء سلة غذائية واحدة في أواخر الشهر نفسه.

"تُركنا وحدنا"

يعتمد خالد خليفة (44 عامًا)، وهو المعيل لأسرة مكونة من خمسة أفراد، على "الأونروا" في توفير المواد التموينية التي تسد احتياجاتهم الشهرية، بالإضافة إلى المساعدة المالية لتغطية تكاليف علاج زوجته التي تعاني من اضطرابات في الجهاز العصبي. ومنذ إطلاق "الأونروا" لبرنامجها الإغاثي لتقديم المساعدات المالية والغذائية والخدمات الطبية للاجئين الفلسطينيين في سوريا، كان خالد خليفة يدخر المبلغ المقدم كل ثلاثة أشهر لتأمين مصاريف علاج زوجته. وبعد توقف المساعدات المالية، حاول خالد التواصل مع مستوصفات "الأونروا"، لكنها رفضت استقباله بحجة أنها لا تتكفل بعلاج الأمراض العصبية باستثناء الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط. واختتم خالد حديثه لعنب بلدي قائلًا: "لا أحد يقف إلى جانبنا، لقد تُركنا وحدنا في سوريا، دون مساعدات ودون النظر حتى إلى وضعنا".

وينتظر العديد من فلسطينيي سوريا دعم "الأونروا" المالي لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضها الواقع السوري بعد الحرب. ورغم انقطاع الدعم المالي عن فلسطينيي سوريا، وضعت "الأونروا" في لبنان والأردن برنامجًا لتوزيع المساعدات المالية لصيف 2025، دون أن تضع أي برنامج مماثل لسوريا. ويتلقى الفلسطينيون في لبنان والأردن مساعدات شهرية تتراوح بين 100 و150 دولارًا، أي ضعف المبلغ الذي كان يتلقاه فلسطينيو سوريا كل ثلاثة أشهر.

فلسطينيون يتسلمون مساعدات غذائية من مبنى الأليانس في دمشق – 24 آذار 2023 (الأنروا)

لا خدمات صحية

"نجلس على كراسي مستوصفات (الأونروا) لساعات، الأطباء يتحدثون معنا بطبقية، وفي النهاية نأخذ ربع حصتنا من الأدوية"، هكذا عبرت صبحة النادر، المسنة اللاجئة في مخيم "خان الشيح". لا تعرف صبحة ومعظم كبار السن الفلسطينيين سبب امتناع "الأونروا" عن تقديم الدعم الصحي لهم بعد سقوط النظام السابق. كانت صبحة تلجأ إلى مستوصف "الأونروا" في بلدة جديدة عرطوز لعلاج ضغط الدم، حيث كانت تجري فحصًا دوريًا وتتلقى دواء مجانيًا يكفي لمدة شهرين، أما الآن فالأدوية التي توزعها "الأونروا" لا تكفي لمدة شهر، بحسب قولها. كما تعتذر "الأونروا" أحيانًا عن عدم تغطية تكاليف العمليات الجراحية، بعد أن كانت تدفع للمستشفيات الخاصة المتعاقدة معها 60% من تكاليف عمليات المرضى المحتاجين. أما قسم العلاجات السنية فقد أغلق أبوابه في العديد من المراكز الصحية.

رغد عشماي، إحدى الموظفات في مستوصف لوكالة "الأونروا" في جديدة عرطوز، صرحت لعنب بلدي بأن المستوصف لا تصله أدوية، حيث خفضت "الأونروا" مساعدتها في المجال الصحي. وبحسب رغد، فإن "الأونروا" تتحجج دائمًا بالعجز المالي الذي تعاني منه، على الرغم من نشاطها المكثف في لبنان والأردن، والذي يفوق نشاطها في سوريا (البلد المنكوب) بأضعاف.

أوضاع إنسانية صعبة

يعاني الفلسطينيون في سوريا أوضاعًا إنسانية صعبة، كتدمير المخيمات على يد النظام السوري السابق، ويعيش معظمهم في بيوت مستأجرة تثقل إيجاراتها كاهلهم. حاولت عنب بلدي التواصل مع مكتب "الأونروا" الإقليمي في سوريا للاستفسار عن برنامج توزيع مساعداتها وسبب توقفها عن وضع برامج إغاثية في سوريا، لكنها لم تتلق ردًا حتى لحظة كتابة هذا التقرير.

وقال مسؤول المكتب الإعلامي في "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، فايز أبو عيد، لعنب بلدي، إنه منذ تصاعد الأزمة السورية، يعاني اللاجئون الفلسطينيون في سوريا من تراجع حاد في المساعدات المقدمة من "الأونروا". وفي الوقت الذي تواصل فيه الوكالة توزيع المساعدات المالية في لبنان والأردن، يشتكي الفلسطينيون في سوريا من غياب شبه تام لأي دعم مادي. وأوضح أبو عيد أن ذلك يعود إلى عدة عوامل متداخلة، أهمها الأزمة المالية الخانقة التي تواجهها "الأونروا"، حيث تم تقليص التمويل بشكل كبير من قبل الدول المانحة، ما أجبر الوكالة على تقليص برامجها في جميع مناطق عملها، مع تضرر سوريا بشكل خاص. وأشار أبو عيد إلى أن "الأونروا" تعلن باستمرار عن معاناتها من عجز مالي حاد، لكن في المقابل، ظهرت اتهامات متكررة من ناشطين ومنظمات حقوقية حول وجود فساد وسوء إدارة داخل مكاتب الوكالة في سوريا. وشملت الاتهامات:

  • شكاوى من توزيع مواد غذائية فاسدة أو عدم تمكن اللاجئين من تسلم منحهم المالية.
  • شراء معدات طبية رديئة الجودة.
  • توظيف غير مؤهلين بناء على المحسوبية.
  • تقارير عن استفادة مقربين من النظام السوري السابق من عقود مع وكالات الأمم المتحدة، ما يثير الشكوك حول نزاهة توزيع المساعدات، بحسب أبو عيد.

وأكد أبو عيد أنه رغم ذلك، يبقى العجز المالي هو السبب المعلن رسميًا لتراجع الخدمات، بينما تظل قضية الفساد بحاجة إلى تحقيقات مستقلة وشفافة.

عجز الدول المانحة

قال فايز أبو عيد، إن تدهور القطاع الصحي في مستوصفات "الأونروا" في سوريا يرجع إلى تدمير أو إغلاق العديد من المراكز الصحية بسبب الحرب، ما قلص عدد المستوصفات العاملة من 23 إلى 15 فقط، ونزوح وهجرة الكوادر الطبية المؤهلة، ما أدى إلى نقص حاد في الأطباء والممرضين، إضافة إلى انخفاض التمويل الدولي المخصص للقطاع الصحي، حيث لم يتم تأمين سوى ربع الاحتياجات المالية للقطاع الصحي في سوريا في السنوات الأخيرة. وأكد أنه في ظل هذا الواقع، تبرز أهمية دور "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" كصوت مستقل وحقوقي للدفاع عن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، إذ تقوم المجموعة برصد وتوثيق الانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، ونشر تقارير دورية حول أوضاعهم الإنسانية والمعيشية. وتسهم "مجموعة العمل" في إيصال صوت اللاجئين إلى المجتمع الدولي عبر حملات إعلامية وحقوقية، والضغط على الجهات الأممية والدولية لتحمل مسؤولياتها تجاههم، وفضح حالات الفساد وسوء الإدارة في المؤسسات الدولية والمحلية، والمطالبة بالشفافية والمساءلة في توزيع المساعدات، إضافة إلى تقديم منصة للمتضررين لنقل معاناتهم وشهاداتهم مباشرة من المخيمات والمناطق المنكوبة، ما يسهم في إبقاء قضيتهم حية على أجندة الرأي العام العالمي.

"الأونروا" تحذر

في 24 حزيران الماضي، قال رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني، إنه قد يضطر لاتخاذ قرار "غير مسبوق" بشأن الخدمات التي تقدمها الوكالة إذا "لم تعثر قريبًا على تمويل" لتخفيف أزمة التدفق النقدي التي تعاني منها. وبحسب ما نقلته وكالة "رويترز" عن لازاريني، فإن "الأونروا" تواجه عجزًا قدره 200 مليون دولار. وأضاف: "يتم إدارة التدفق النقدي أسبوعيًا، ودون تمويل إضافي، سأضطر قريبًا إلى اتخاذ قرار غير مسبوق يؤثر على خدماتنا للاجئين الفلسطينيين". وتقدم "الأونروا" المساعدات والخدمات الصحية والتعليمية لملايين الأشخاص في الأراضي الفلسطينية وللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والأردن.

مشاركة المقال: