وقفت سعاد سليمان بجانب شجرة التين، ومدت يدها محاولة قطف ثمرة (شموط) ظنتها ناضجة. لكنها حين لمستها، وجدتها قاسية كأشعة الشمس التي تلسع ذراعها بقوة، وكأنها تمنعها من ذلك.
تركت الغصن وحبة التين الخضراء، وبحثت بعينين متعبتين من نور يملأ الكون نارا. كل الأغصان تحمل حبات تين قاسية، والورق يتطاير عند قدم الشجرة من وقع الأقدام. لا ريح تعبث، ولا نسمات تهب. كانت الأغصان العارية تتزين بمخلوقات تحتمي بدروع لامعة، تلتصق ببعضها كبنيان مرصوص. لا تين هذه السنة، ولا من يأكلون.
جلست بجانب قبور تثري الأرض هناك. صوت جميل لشيخ يقرأ سورة يوسف يصلها عبر التلال من مسجد القرية. وسنديان يرمي ظله ولطفه. "إني رأيت أحد عشر كوكبا، والشمس، والقمر رأيتهم لي ساجدين... لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا..."
صوت الشيخ، ونسيمات تلوح بأوراق الشجر العتيق، وقوة أيقظت روحها ودفعتها للسير. تسمع صوت عجوز تعاتب أخرى يخرج من نافذة عتيقة، وبكاء رجل ابتعد ابنه، ولا يعرف عنه شيئا. كل الثمرات تسقط قبل الأوان، وشمس آب تلهب المواجع، وصمت رهيب يرسم هيبته ساعة الظهيرة، ويشق عمال طريقا غير عابئين.
ويصل يوسف إلى الجب، وغياهب السجن. صوت الشيخ يغيب. كل الشجيرات التي كانت تنتظر خيرها، لتقطف منها حبة أو حبتين وتمضي، منذ الصيف الفائت مريضة، حتى تلك التي رفع صاحبها جدارا ووضع سورا حولها ليمنع المرتزقة مثلها، تقف بخجل عارية. (اخبار سوريا الوطن 2-صفحة الكاتبة)