الخميس, 23 أكتوبر 2025 05:42 PM

مجلس الأمن يفتح صفحة جديدة مع سوريا: من الوصاية إلى الشراكة

مجلس الأمن يفتح صفحة جديدة مع سوريا: من الوصاية إلى الشراكة

لم يكن اجتماع مجلس الأمن الدولي الأخير حول الأوضاع في سوريا مجرد إجراء دبلوماسي روتيني، بل كان بمثابة نقطة تحول سياسية مهمة في طريق عودة سوريا إلى دورها الإقليمي والدولي، بعد سنوات من الحرب والحصار والعزلة. بدا واضحاً أن المشهد الأممي هذه المرة يحمل ملامح مرحلة جديدة عنوانها "الشراكة مع سوريا"، بدلاً من "الوصاية عليها".

أهم ما ميز الجلسة هو التغيير في لهجة معظم الدول الأعضاء تجاه دمشق. اتفق المندوبون على ضرورة دعم العملية السياسية بقيادة وملكية سورية، وتخفيف العقوبات، وتسريع عودة اللاجئين، واحترام وحدة الأراضي السورية، مع إدانة واسعة للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي تمس السيادة السورية وتقوض الاستقرار الإقليمي.

يعكس هذا التحول إدراكاً دولياً متزايداً بأن الاستقرار في الشرق الأوسط يبدأ من استقرار سوريا، وأن سياسة العزل والعقوبات لم تسفر إلا عن المزيد من الأزمات الإنسانية. كما يبدو أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في البلاد لعبت دوراً محورياً في تغيير الصورة، حيث اعتبرها عدد من المندوبين، من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى باكستان وتركيا وروسيا، مؤشراً على حيوية سياسية داخلية ورغبة حقيقية في تجديد الحياة الدستورية ضمن مسار وطني جامع.

في كلمته، قدم مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة إبراهيم علبي خطاباً اتسم بالثقة والوضوح، مؤكداً أن سوريا اليوم "تكتب تاريخها بيدها"، وأنها دخلت مرحلة سياسية ومؤسساتية جديدة تستند إلى إرادة شعبية حقيقية. لم يخلُ خطابه من رسائل داخلية وخارجية، حيث شدد على مكافحة الإرهاب والمخدرات، ودعم محافظة السويداء، وعودة أكثر من مليون لاجئ، داعياً إلى شراكة دولية صادقة بعيداً عن الشروط المسبقة.

من جانبها، أعادت المجموعة العربية التأكيد على دعمها الكامل لسوريا ورفضها القاطع للانتهاكات الإسرائيلية، بينما شددت الجزائر على أن استقرار سوريا هو ركيزة استقرار الشرق الأوسط بأسره. أما المواقف الغربية، فقد بدت أكثر براغماتية من أي وقت مضى؛ حيث تحدث مندوب الولايات المتحدة عن رفع تدريجي للعقوبات، وأشاد بالتعاون السوري مع المنظمات الدولية، بينما أعلنت بريطانيا وفرنسا عن خطوات ملموسة نحو الانخراط الإيجابي ودعم مرحلة التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار. كما شددت روسيا والصين على ضرورة دعم المرحلة الانتقالية التي تشهدها سوريا وتحقيق شراكة سياسية بين أطياف السوريين.

اللافت كان الإجماع الواسع على البعد الإنساني في سوريا، حيث حذر مسؤولو الأمم المتحدة من استمرار تراجع التمويل الإغاثي، داعين إلى الانتقال من الإغاثة الطارئة إلى التعافي المبكر والتنمية المستدامة، وهو ما يتقاطع مع رؤية دمشق للحل: الانتقال من إدارة الأزمة إلى بناء الدولة، ما يشير إلى أن عودة السياسة السورية إلى موقع الفعل الدولي لم تعد مجرد طموح، بل واقع يتشكل بخطى ثابتة.

إن ما تحقق في مجلس الأمن أمس ليس مجرد نجاح دبلوماسي، بل هو تأكيد على أن سوريا التي صمدت في الحرب قادرة على صنع السلام بشروطها الوطنية، ومع اتساع دائرة الاعتراف الدولي بهذه الحقيقة، تمضي دمشق بثقة نحو استعادة عافيتها، وبناء مستقبلها كما أراده شعبها.

مشاركة المقال: