الأحد, 26 أكتوبر 2025 09:20 PM

مشروع "حلب الكبرى": آمال وترقب بين سكان الأحياء الشرقية في ظل تحديات إعادة الإعمار

مشروع "حلب الكبرى": آمال وترقب بين سكان الأحياء الشرقية في ظل تحديات إعادة الإعمار

حلب – محمد ديب: تسعى محافظة حلب لتنفيذ ما تصفه بـ"الرؤية الشاملة للتنمية الحضرية"، وذلك ضمن مشروع "حلب الكبرى" الذي يهدف، كما يقول القائمون عليه، إلى تحقيق تنمية عمرانية متوازنة في المدينة بعد سنوات من الدمار والإهمال. يأتي هذا المشروع في وقت لا تزال فيه معظم الأحياء المتضررة، وخاصةً شرقي المدينة، تعاني من ضعف الخدمات الأساسية وغياب خطط واضحة لإعادة الإعمار، مما أثار تساؤلات السكان حول الأولويات التي تستند إليها هذه المشاريع.

بين الترقب والأمل

في الأحياء الشرقية، حيث لا تزال آثار الحرب واضحة في الأبنية المهدمة والبنى التحتية المنهكة، ينظر الأهالي إلى مشروع "حلب الكبرى" بالكثير من الترقب والحذر. فبحسب ما رصدته عنب بلدي، يرى عدد من السكان أن المشاريع المطروحة حتى الآن لا تلبي احتياجاتهم المباشرة، بل تتركز في مناطق تعتبرها الحكومة "واجهات" للمدينة.

أحمد مخزوم، من سكان حي صلاح الدين، يقول إن الوعود بإعادة الإعمار تتكرر منذ سنوات دون أي أثر ملموس في حيه، الذي لا يزال يفتقر إلى الكهرباء المنتظمة والمياه وخدمات الصرف الصحي. في حين يرى خالد طراب، من حي المشارقة، أن ما يُطرح من مشاريع "تنموية" يبقى بعيدًا عن واقع الناس الذين يحتاجون إلى فرص عمل حقيقية وخدمات أساسية قبل الحديث عن خطط عمرانية كبرى. بينما قال عبد الرحمن عامر، من سكان حي الهلك، إن الأهالي لم يلمسوا حتى الآن أي تحسن حقيقي في واقعهم الخدمي، معتبرًا أن معظم المشاريع التي يتم الحديث عنها "تُعرض على الورق أكثر مما تُنفذ على الأرض".

ورغم هذه التحديات، لاحظ بعض السكان إشارات للأمل من خلال الأعمال الصغيرة التي بدأت تظهر على الأرض، مثل تنظيف الطرق وإعادة تأهيل الحدائق، مما يمنحهم شعورًا بأن الجهود المبذولة قد تُحدث تغييرات ملموسة في حياتهم اليومية مع مرور الوقت. كما أكدوا أهمية متابعة المشاريع وإشراك المجتمع المحلي في تحديد الأولويات لضمان أن تتوافق الخطط المستقبلية مع احتياجاتهم اليومية.

استكمال لمخرجات ورشات التخطيط

من جانبها، أوضحت دائرة شؤون الإعلام في محافظة حلب، لعنب بلدي، أن المشروع يأتي استكمالًا لمخرجات ورشة التخطيط التشاركي التي نُفذت مؤخرًا في المدينة، مشيرة إلى أن المحافظة تعمل على إعداد خطة تنفيذية لمشاريع عمرانية وخدمية ذات أولوية خلال الأشهر المقبلة. وأضافت الدائرة أن الرؤية العامة للمشروع تهدف إلى تحقيق تنمية عمرانية واقتصادية متوازنة من خلال تحديث البنية التحتية، وإعادة تأهيل الأحياء المتضررة، وإنشاء مشاريع إسكان منظمة وفضاءات عامة خضراء تعزز جودة الحياة، مع الحفاظ على الطابع التاريخي لحلب، وتوظيف التقنيات الحديثة لضمان "استدامة حضرية شاملة".

وتشير المحافظة إلى أن المشروع لن يقتصر على المناطق الغربية أو المركزية، بل يشمل الأحياء الشرقية والريفية أيضًا، في إطار ما تصفه بـ"نهوض شامل للمدينة" بعد سنوات الحرب. ويأتي هذا المشروع بالتوازي مع مشروع آخر تنفذه جهات دولية ومحلية تحت عنوان "فرص العمل الخضراء"، الذي يهدف إلى دعم سوق العمل في القطاعات البيئية والبنية المستدامة، في محاولة لتخفيف معدلات البطالة المتزايدة وخلق فرص جديدة للشباب في حلب. وينفذ هذا المشروع من قبل وحدة دعم الاستقرار بدعم من منظمة العمل الدولية (ILO) بالتعاون مع محافظة حلب.

مراعاة الشمولية الاجتماعية

قال مدير وحدة دعم الاستقرار، منذر سلال، في حديث إلى عنب بلدي، إن مشروع "فرص العمل الخضراء" ينفذ من قبل وحدة دعم الاستقرار وبدعم من منظمة العمل الدولية، وبإشراف محافظة حلب ضمن حملة "لعيونك يا حلب". ويهدف المشروع إلى تأمين فرص عمل لشباب المدينة في أنشطة تتعلق بالبنية التحتية والخدمات العامة، مع مراعاة الشمولية الاجتماعية من خلال إشراك النساء والمهجرين وذوي الإعاقة، وفقًا لسلال.

ونوه إلى أنه سيستفيد من المشروع نحو 170 شخصًا من قادة فرق عمالية وعمال مهرة، موزعين على 17 مجموعة عمل، كل مجموعة تضم عشرة أشخاص. وبحسب ما أكده سلال، تم اختيار العمال بطريقة شفافة عبر إعلانات ومكاتب المخاتير، مع وضع معايير واضحة للتسجيل. يمتد المشروع على خمسة أشهر ونصف تقريبًا، منها حوالي 105 أيام مخصصة لأنشطة العمال الفعلية، بينما تُخصص بقية الأيام لتجهيز التوظيف والأدوات اللازمة للعمل.

ويعمل العمال في أربع مجموعات حاليًا، الأولى تهتم بالحدائق في قطاعات قاضي عسكر والراموسة، والثانية للأرصفة، والثالثة لأعمال الصرف الصحي، بالإضافة إلى مجموعة في معمل إعادة تدوير الأنقاض لتوفير المواد الأساسية للبلديات مثل البلاط والحجر وغيرهما. ولفت سلال إلى أن وحدة دعم الاستقرار وفّرت معدات الحدائق، ومعدات النظافة، وأدوات حماية وأمان، ومعدات الصرف الصحي لضمان قدرة العمال على تنفيذ مهامهم بفعالية.

وتشمل المناطق المستفيدة من المشروع الميسر، ظهرة عواد، الشعار، وكل ما يندرج ضمن قطاع قاضي عسكر. وتتراوح الرواتب بين 270 دولارًا للعامل العادي، وصولًا إلى 340 حتى 420 دولارًا للمهندسين وعمال الخبرة، مع متابعة يومية لسير العمل من قبل الفرق المشرفة. وأضاف سلال أن تحديد أولويات المشروع كان عبر التشاور مع مديري القطاعات والمخاتير وأهالي المنطقة، وركزت الأعمال على ثلاثة مجالات رئيسة، هي الحدائق والأرصفة والصرف الصحي، مع إعداد الموازنات وعروض الأسعار للمواد والمعدات اللازمة.

وأشار إلى بعض التحديات التي يواجهها المشروع في التنفيذ الميداني، منها تكرار تلف بعض الحدائق بسبب عدم وجود حراس، وتأجيل زراعة الأشجار إلى الشتاء لضمان نموها بشكل أفضل بسبب نقص صهاريج المياه. كما بيّن أن الحفاظ على نظافة مجاري الصرف الصحي يواجه صعوبة بسبب غياب أغطية مناسبة أحيانًا، مما يتطلب إعادة العمل أكثر من مرة، إلا أن النشاط يتقدم بشكل كبير على الأرض ويحقق أثرًا ملموسًا في تحسين البيئة المحلية.

وشهدت مناطق خارج الأحياء الشرقية في حلب خلال الفترة الأخيرة تنفيذ مجموعة من الأعمال الميدانية ضمن خطط تحسين البنية التحتية وشبكة الطرق. في 21 من تشرين الأول الحالي، تابع محافظ حلب، عزام الغريب، أعمال تعبيد وتزفيت طريق حلب- خان العسل الممتد حتى مدخل المدينة، وتشمل إعادة ترميم المقطع وتحسين حركة المرور. كما شهدت منطقة حلب الجديدة وتحديدًا عبر الطريق الممتد من دوار السلام حتى دوار جامع "عبد الله بن عباس"، تنفيذ مرحلة مد طبقة الأسفلت وصيانة الأرصفة والمنصفات في 5 من تشرين الأول، ضمن الجهود الرامية لتأهيل شبكة الطرق، بحسب ما أعلنت عنه محافظة حلب.

مشاركة المقال: