الأحد, 22 يونيو 2025 12:44 PM

من 11 سبتمبر إلى غزة: كيف تشكل الحروب والأوبئة النظام العالمي للهيمنة؟

في زمن تهتز فيه الجغرافيا وتتداعى القيم أمام طمع الأسواق، يجب ألا نكتفي بتحليل الأحداث الظاهرة، بل يجب أن نركز على الأسباب الجذرية. الحروب التي نشهدها، من العراق إلى أوكرانيا، ومن اليمن إلى غزة، ليست مجرد مآسٍ تاريخية، بل أدوات في نظام اقتصادي عالمي يسعى للبقاء من خلال الأزمات.

السؤال المطروح: هل أصبحت الحرب أداة اقتصادية؟ وهل الكوارث ضرورية للهيمنة العالمية؟ منذ 11 سبتمبر 2001، تغيرت قواعد اللعبة، ولم يكن الأمر مجرد رد فعل أمني، بل بداية لـ "اقتصاد الكارثة". أصبحت الحرب ضرورة دائمة، والحرب على الإرهاب غطاءً لإعادة إنتاج الهيمنة. استُغلت تلك اللحظة لتبرير الاحتلالات، وإعادة رسم الخرائط، وإسقاط الدول، وتحويل الجيوش إلى مقاولين أمنيين في اقتصاد عالمي يقوم على تسليع الخوف.

يعاني النظام المالي العالمي القائم على الدولار، ومؤسسات مثل الفيدرالي الأميركي والبنك الدولي، من أزمات متراكمة. وعندما تشتد الأزمة، يلجأ إلى التصعيد: ضخ الأموال عبر الإنفاق العسكري، وتسليح الحلفاء وابتزاز الأعداء. الحرب تصبح وسيلة لإعادة إنتاج الطلب، والسيطرة على الموارد، وتصدير التضخم.

الحرب بين إيران وإسرائيل تندرج في هذا السياق، فهي ليست مجرد صراع عقائدي أو إقليمي، بل جزء من معادلة أكبر: الضغط على إيران لعرقلة الاندماج الآسيوي، ودفع المنطقة نحو تطبيع جديد بشروط أميركية، وخلق حالة فوضى تبرر الوجود العسكري الدائم وتمنع مشاريع الصين مثل الحزام والطريق. إسرائيل، في المنظور الغربي، هي رأس جسر للضغط والتدخل، وإيران تشكل عائقًا أمام مشروع الإخضاع المالي والسياسي.

الصين، بقوتها الصاعدة، ليست مهتمة بالتصعيد، لكنها ترى ما يحدث كحرب تطويق ضد مشروعها العالمي. روسيا تنظر للحرب في غزة ولبنان واليمن كفرصة لكسر المركزية الغربية، ونقل الحرب من أوكرانيا إلى مناطق أخرى. دول الجنوب تفهم أن ما يجري هو صراع بين المركز والهامش، والرأسمال والاستقلال النقدي.

حتى الأوبئة، مثل كوفيد-19، كانت جزءًا من هذا الإطار. إدارة الجائحة، وإغلاق العالم، ثم فتحه عبر أنظمة رقمية ومالية جديدة، يكشف عن البعد الوظيفي للأزمة في إعادة ضبط الاقتصاد العالمي. الأزمات في هذا النظام ليست أعطالًا، بل جزء من التصميم.

لا يمكن تجاهل ما جرى في غوانتانامو، حيث تشير تقارير إلى تدريب جماعات جهادية، خرج بعضها لاحقًا باسم "داعش". الإرهاب لم يكن دائمًا نقيضًا للمنظومة، بل أحيانًا أداة لخلق الفوضى، وتبرير التدخل، وتحويل الأوطان إلى أسواق سلاح، ومنع الاستقرار.

نحن أمام نظام عالمي يحكم من خلال التخريب، ويصدر الحروب والديون، ويوزع الفوضى والدولار. وعندما يقترب الانهيار الداخلي، يشعل الخارج. الحرب أصبحت "استثمارًا طويل الأجل" في هندسة الخوف والسيطرة.

إذا لم تنتج القوى الصاعدة، كالصين وروسيا ودول الجنوب، بديلاً اقتصاديًا وعدليًا، فإن النظام القائم سيعيد إنتاج نفسه بالحروب والمجاعات والأوبئة. أما الشعوب، فإما أن تبني وعيًا يعلو على الاستقطاب، أو تظل وقودًا يُحرق في مصانع الهيمنة.

في غزة، كما في بغداد، وفي دمشق كما في خاركيف، تتكرر المعادلة: يُدمّر الحجر ليُحفظ الدولار، وتُخنق الأرواح لتتنفّس الأسواق. لكن الخراب لا يدوم، وربما يكون في وعي الشعوب المستيقظة الجواب على سؤال العدالة.

مشاركة المقال: