الإثنين, 15 سبتمبر 2025 08:56 PM

نسكافيه في سوريا: سلعة مهربة رائجة ورمز للصمود في وجه الحرب

نسكافيه في سوريا: سلعة مهربة رائجة ورمز للصمود في وجه الحرب

في خضم دمار الحرب وتفاقم الفقر في المجتمع السوري، أصبح مسحوق القهوة الفورية «نسكافيه» من بين أكثر السلع التي يتم تهريبها وتداولها على نطاق واسع في البلاد. وعلى الرغم من انسحاب معظم الشركات العالمية من سوريا نتيجة للحرب والعقوبات الغربية، إلا أن هذا المنتج السويسري ظل حاضرًا على أرفف المتاجر وأكشاك الباعة المتجولين.

يسترجع كمال محمد حمادة، البالغ من العمر 60 عامًا، ذكريات شبابه عندما كان يُلقب بـ «ملك التهريب». كان يعبر الجبال ليلاً على ظهر بغل، حاملاً على كتفيه أكياس السلع المهربة. ازدهرت أعمال عائلته، وامتلك ثلاث سيارات وفيلا، وكان متجره يعج بالبضائع المستوردة مثل شوكولا «ميلكا»، ومسحوق الغسيل «برسيل»، وأكياس «نسكافيه». أما اليوم، فلم يتبق في متجره سوى عدد قليل من العبوات المتناثرة، وهو يجلس خلف طاولة شبه فارغة ويندب حظه على ماضٍ ولى.

منذ سقوط بشار الأسد في ديسمبر 2024، يعيش السوريون بين الأمل في الانفتاح الاقتصادي والواقع الاقتصادي المتردي. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعد برفع العقوبات التي فرضت بسبب جرائم النظام، الأمر الذي أثار احتفالات واسعة في الشوارع. حلم السوريون بعودة الشركات الأجنبية وتحسن الأوضاع المعيشية، لكن العقوبات والفساد ما زالا يعرقلان تقدم البلاد. في ظل انهيار الاقتصاد، أصبح كل شيء يُهرّب: الوقود، والسيارات، والأسلحة، والمخدرات، وحتى السلع الاستهلاكية البسيطة. ومن بين هذه السلع، يبرز «نسكافيه» كمنتج لا غنى عنه.

  • يباع في أكياس «3 في 1» الشهيرة (قهوة، سكر، مبيض) التي يطلبها السوريون تحت اسم «تلاتة بواحد».
  • يقدم في المقاهي البسيطة وعربات الشاي والقهوة المتنقلة.
  • يتكدس في «سوق التهريب» وسط دمشق، وهو سوق معروف حتى على خرائط غوغل.

بالنسبة للكثير من السوريين، فإن كوب «نسكافيه» ليس مجرد مشروب، بل هو جزء صغير من حياة طبيعية مفقودة، وجرعة من «العادية» التي يفتقدونها منذ اندلاع الحرب.

كانت شركة نستله تمتلك مصنعًا بالقرب من دمشق يوظف مئات العمال. اليوم، لم يتبق منه سوى جدران محترقة وهياكل حديدية منهارة وعلب «ماجي» مبعثرة في الركام، إلى جانب بقايا أكياس «نسكافيه» حمراء ممزقة. سيطر بعض مقاتلي المعارضة على المصنع خلال الحرب، تاركين خلفهم شعارات «يسقط الأسد» مرسومة على الجدران وصواريخ بدائية الصنع في الساحة الداخلية.

يصف حمادة، مثل غيره من المهربين الصغار، نظام الأسد بأنه «أكبر عصابة» احتكرت تجارة المخدرات وخاصة «الكبتاغون»، بينما اضطر هو لدفع رشاوى عند الحواجز لتصريف بضاعته. ومن المفارقات أن الحرب ساعدت على ازدهار التهريب: فمن جهة، منعت السلطات المنتجات الأجنبية لحماية المصانع المحلية، ومن جهة أخرى، جعلت العقوبات تحويل الأموال صعبًا حتى بالنسبة للسلع غير الخاضعة للحظر المباشر.

اليوم، يظل «نسكافيه» حاضرًا في كل مكان: في البيوت، والأسواق، وحتى عربات الشارع. إنه مشروب ارتبط بالتهريب، ولكنه أيضًا رمز لصمود السوريين في مواجهة الحرمان، حيث يمنحهم طقسًا يوميًا صغيرًا يعيد إليهم الإحساس بأنهم جزء من العالم.

مشاركة المقال: