حين تتقاطع الحاجة مع الإبداع، تنشأ حلول تفتح الأبواب المغلقة. هذا تمامًا ما فعلته التكنولوجيا المساعدة، إذ تحوّلت إلى جسر حقيقي يربط الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بعالم أكثر انفتاحًا، تتيح فيه الأدوات الذكية إمكانيات لم تكن ممكنة من قبل، وتعيد تعريف ما يمكن إنجازه.
من أبرز هذه التقنيات الحديثة، برزت نظارة “راي بان” الذكية، ثمرة التعاون بين شركة “ميتا” وشركة “إيسيلور لوكسوتيكا”EssilorLuxottica الإيطالية المتخصصة في صناعة النظارات. تجمع هذه النظارات بين إمكانات الذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع المعزز، لتفتح آفاقاً جديدة أمام المستخدمين، ولاسيما منهم المكفوفين أو ضعاف البصر.
ميزات تكنولوجية متقدمة لتمكين المستخدم تتضمن هذه النظارات كاميرا وميكروفونات مدمجة، إلى جانب مساعد ذكي قادر على التعرف على الأشياء والإجابة عن الأسئلة. وتعمل هذه المكونات بتناسق لتقديم تجربة تفاعلية مبنية على تحليل المحيط وتوصيل المعلومات صوتياً الى المستخدم.
رغم أن النظارة لم تُصمَّم خصيصاً للأشخاص ذوي الإعاقات البصرية، فإن العديد من المستخدمين من هذه الفئة وجدوا فيها أداة فعالة تسهّل حياتهم اليومية.
وظائف متعددة لخدمة المستخدمين ذوي الإعاقة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي والرؤية الحاسوبية، تستطيع النظارة:
- التعرف على العناصر والأشخاص المحيطين.
- تقديم وصف سمعي دقيق للمشاهد.
- تحويل النصوص المكتوبة إلى صوت.
- توفير توجيهات صوتية للمساعدة في التنقل.
فعلى سبيل المثال، يمكن للنظارة أن تشرح ما تراه الكاميرا بعبارات مثل: “هناك شجرة على اليمين، وطفل يلعب بالكرة على اليسار”. وتتيح خاصية الأوامر الصوتية التفاعل مع النظارة من دون لمسها، مما يعزز استقلالية المستخدم.
كما أنها تستطيع قراءة اللافتات، القوائم، الوثائق، وإبلاغ المستخدم بمكان العقبات أو الإرشادات مثل: “يوجد درج أمامك” أو “كرسي يبعد مترين إلى اليسار”. كذلك، يمكنها التعرف على إشارات المرور، والمساعدة في التعرف على الوجوه المعتادة والتفاعل الاجتماعي، مثل: “سارة تقترب منك”.
قراءة المحتوى النصي وتحليله من خلال تقنيات التعرف الضوئي على الحروف (OCR)، يمكن للنظارة قراءة الكتب والفواتير والقوائم، ما يسمح للمستخدمين بالحصول على المعلومات المكتوبة بسهولة ومن دون مساعدة خارجية.
في المتاجر، بإمكانها التعرف على المنتجات والأسعار، وعرض معلومات عن الخفوضات. وفي المطاعم، يمكنها قراءة القوائم وتقديم توصيات بناءً على تفضيلات المستخدم.
الواقع المعزز: تجربة حسية أعمق تعتمد “راي بان” الذكية على تقنيات الواقع المعزز التي تدمج البيانات الرقمية بالمشهد الواقعي، إذ تقدم وصفًا سمعيًا للأثاث، الشوارع، والإشارات، وتساعد على تمييز الألوان والنصوص.
فعندما تُوجَّه النظارة إلى شارع مزدحم، فإنها تعرض معلومات مثل: حالة إشارات المرور، عدد الأشخاص، والاتجاهات المناسبة للسير. وتُساهِم هذه التقنية في تعزيز إدراك المستخدم لبيئته، وبالتالي تعزيز قدرته على الاعتماد على نفسه.
الذكاء الاصطناعي لفهم المحيط تقوم النظارة بتحليل المشهد من خلال الكاميرات والميكروفونات، وتتعرف على الوجوه، وتُميّز الكائنات، وتحول النصوص إلى صوت.
يمكن للمستخدم أن يطلب من النظارة قراءة لافتة أو تحديد موقع معين كأن يسأل: “أين الباب؟”، لتستجيب فوراَ. كما أنها تتيح الترجمة الفورية للنصوص وتتكامل مع تطبيقات مثل “Be My Eyes” لمساعدة المستخدمين عبر بث مباشر.
أثناء التنقل أو السفر، تقدم النظارة إرشادات دقيقة عن الشوارع والمواصلات، مما يعزز الثقة بالنفس لدى المستخدم.
تحديات تواجه النظارة رغم مزاياها العديدة، لا تخلو “راي بان” من بعض الصعوبات. فظروف الإضاءة السيئة قد تؤثر في قدرتها على التعرف البصري، وبعض المهمات تستغرق وقتًا أطول من المتوقع. كما أن الاستخدام المتواصل للكاميرا والميكروفون يثير مخاوف تتعلق بالخصوصية والأمان الرقمي.
كذلك، يُعد استهلاك البطارية من التحديات التقنية التي تسعى “ميتا” إلى تحسينها لجعل النظارة أكثر ملاءمة للاستخدام اليومي.
المستقبل: مزيد من الذكاء والتكامل تُظهر الاتجاهات الحالية أن النظارة ستشهد تطورات نوعية مستقبلًا، مثل التحكم بالأوامر الذهنية، والتكامل الأوسع مع الأجهزة الذكية، إلى جانب تصميمات أكثر راحة وإدخال ميزات مثل الإحساس بالمسافة من خلال الاهتزاز.
نحو استقلالية أكبر تُعد نظارة “راي بان” الذكية نقلة حقيقية في مسار تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة، بحيث توفر أدوات دقيقة لمساعدتهم على فهم العالم المحيط والتفاعل معه بسهولة.
ومع التقدم المتسارع في الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز، من المنتظر أن تلعب هذه الأجهزة دورًا متزايدًا في تحسين جودة الحياة، وتمكين الأفراد من الاعتماد على أنفسهم بصورة أكبر.