الأحد, 20 يوليو 2025 06:57 AM

الزعرور في اللاذقية: كنز طبيعي يعزز صحة القلب ويحيي الطب الشعبي

الزعرور في اللاذقية: كنز طبيعي يعزز صحة القلب ويحيي الطب الشعبي

في أحضان الريف الجبلي لمحافظة اللاذقية، حيث تتداخل أشجار السنديان والصنوبر مع رذاذ الصباح، يبرز نبات الزعرور كجوهرة طبيعية، غالباً ما يتم تجاهلها، على الرغم من قيمتها الدوائية العالية وتأثيرها الراسخ في ممارسات الطب الشعبي. تنمو أشجار الزعرور بين ثنايا الصخور وعلى أطراف الغابات، محافظة على مكانتها في ذاكرة الريف، وتُجمع ثمارها الحمراء القاسية مع نهاية فصل الصيف، عندما يصبح الطقس لطيفاً وتزداد الجبال نقاءً.

إرث شعبي واعتراف علمي

عرف السكان المحليون الزعرور لأجيال عديدة، ليس فقط كنبات بري، بل كعلاج موثوق لأمراض القلب والجهاز الهضمي والقلق، مستمدين هذه المعرفة من التراث الطبي التقليدي الذي تناقلوه عبر الأجيال. واليوم، يعود الطب الحديث لتقدير هذه العشبة، حيث كشفت الدراسات العلمية أن خلاصة الزعرور تمتلك خصائص علاجية فعالة في تحسين وظائف القلب، وتنظيم ضغط الدم، وخفض مستويات الكوليسترول، بالإضافة إلى تأثيراتها المهدئة للجهاز العصبي.

دعم للقلب وليس بديلاً من الدواء

أوضح الدكتور إدريس سليمان، الاختصاصي في الأمراض الداخلية، لصحيفة "الحرية" أن الزعرور يحتوي على مركبات الفلافونويد والبروأنثوسيانيدين، وهي مواد تعزز تدفق الدم وتقوي عضلة القلب وتخفف من أعراض قصور القلب الخفيف إلى المتوسط. وأشار إلى أن الزعرور لا يعتبر بديلاً عن العلاج الدوائي، ولكنه يمكن أن يضاف إليه بعد استشارة طبية دقيقة.

مضادات أكسدة وأمل واعد

أكد الدكتور خالد بركات، المتخصص في النباتات الطبية والغذائية، في حديثه لـ "الحرية" أن نبات الزعرور السوري، وخاصة النوع المعروف بـ "Crataegus monogyna"، غني بمضادات الأكسدة الطبيعية التي تساهم في حماية الأوعية الدموية، مبيناً أن الأبحاث الحديثة أظهرت قدرته على تثبيط الإنزيمات المسؤولة عن ارتفاع ضغط الدم وتنظيم ضربات القلب.

تزايد الطلب وتجارب مجتمعية

أكد العطار أبو عماد، الذي يمارس العطارة في سوق العطارين باللاذقية، أن الزعرور يحظى بطلب متزايد في السنوات الأخيرة، خاصة بين كبار السن الذين يستخدمونه على شكل مغلي أو منقوع لتقوية القلب وتحسين الهضم. وأضاف أن أوراق الزعرور تخلط أحياناً مع أعشاب مهدئة كالبابونج والمليسة لعلاج الأرق والتوتر.

تجارب حيّة مع الزعرور

في خضم الحديث العلمي والطبي، لا يمكن تجاهل أصوات الناس العاديين الذين اختبروا فوائد الزعرور في حياتهم اليومية. تقول السيدة أم وليد، من سكان قرية بيت جبور في ريف الحفة، إنها اعتادت غلي ثمار الزعرور المجففة لزوجها الذي يعاني من ارتفاع ضغط الدم، موضحة أنها لاحظت تحسناً في نومه وانتظاماً في نبضه بعد أسابيع من الاستخدام المنتظم. وتضيف: "كنت أسمع من أمي وجدتي أن الزعرور يقوي القلب، واليوم أرى ذلك بعيني". من جهته، يروي الشاب أحمد قسومة، وهو في الأربعينيات من عمره ويعمل في مجال البناء، أنه لجأ إلى شرب منقوع الزعرور بعد نوبات قلق وأرق تكررت لديه في السنوات الأخيرة، قائلاً: "لم أعد أحتمل المنومات، فنصحني أحد كبار السن بشرب الزعرور مع المليسة مساءً، ومنذ ذلك الحين لم أعد أستيقظ مفزوعاً كما في السابق". وأشارت السيدة نوال إبراهيم، وهي معلمة متقاعدة من بلدة صلنفة، إلى أنها تستخدم الزعرور المجفف بشكل يومي تقريباً، إما كمغلي صباحي أو ضمن خلطات عشبية، مشيرة إلى أنها بدأت بتناوله للوقاية بعد سماعها عن فوائده القلبية من برنامج إذاعي متخصص، وأضافت: "الطبيعة أعطتنا هذا الكنز مجاناً، فكيف نهمله؟".

تحذيرات ضرورية

غير أن بعض التحذيرات تفرض نفسها في ظل الاستخدام العشوائي. فقد نبه الدكتور إدريس من إمكانية حدوث تداخل دوائي بين الزعرور وبعض العقاقير القلبية مثل الديجوكسين أو مضادات التخثر، وهو ما يتطلب إشرافاً طبياً دقيقاً لتفادي أي مضاعفات محتملة، خصوصاً لدى المرضى المزمنين أو من يستخدمون أكثر من دواء في آن واحد.

جسر بين الماضي والمستقبل

يبقى الزعرور في اللاذقية، كما في سائر المناطق الجبلية السورية، نبتة تجمع بين الجمال والفائدة، تتمايل أغصانه في مهب الرياح كأنها تهمس بحكمة الأجداد، وتذكرنا بأن الطبيعة لا تزال تحمل في طياتها علاجاً لأمراض العصر. وبين طب شعبي يستقي من الجذور، وطب حديث يؤكد تلك الفوائد بالأرقام، يبدو الزعرور أقرب إلى أن يكون جسراً بين الماضي والمستقبل.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: