أثارت أزمة السويداء جدلاً واسعًا على المستويين الدولي والعربي حول مستقبل الحكومة السورية وقدرتها على تحقيق الاستقرار بعد 14 عامًا من الصراع. تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، أكدت دعم واشنطن للحكومة السورية الحالية، مشددًا على أنه "لا توجد خطة بديلة" سوى التعاون مع السلطات لتوحيد البلاد.
جذور التوتر وتداعياته في السويداء
شهدت محافظة السويداء اشتباكات عنيفة بين فصائل درزية ومجموعات بدوية، مما أسفر عن قتلى وجرحى، وأثار مخاوف من تصعيد يهدد الاستقرار. دعا المبعوث الأمريكي دمشق إلى ضبط النفس وتجنب استخدام القوة ضد المدنيين، مع رفضه وجود تشكيلات عسكرية خارج سيطرة الدولة. كما رعت الولايات المتحدة اتفاق وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل في 19 تموز/يوليو لاحتواء التوترات.
يرى المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة أن الولايات المتحدة تسعى لمنع تصعيد إقليمي، وتدعم نموذج "الاستقرار" من خلال حكومة مركزية متعاونة أمنيًا، مما دفعها للتوسط بين دمشق وإسرائيل لضمان التهدئة.
الحكومة السورية واختبار الشرعية
تواجه الحكومة السورية تحديًا في السويداء، التي تعكس قدرتها على إدارة التنوع المجتمعي وفرض سيادة الدولة. يرى المركز العربي أن استقرار المحافظة يتطلب خطوات سياسية جادة، مثل دمج السويداء أمنيًا وإداريًا في مؤسسات الدولة، وتعزيز تمثيل المكونات المحلية في مراكز القرار. نجاح الحكومة في الانتقال من "ضبط السلاح" إلى "بناء الشرعية" سيكون الفيصل في قدرتها على إرساء حكم عادل.
من المستفيد من الأزمة؟
تُظهر ديناميكيات الأزمة أن إسرائيل هي الطرف الأكثر حرية في الحركة العسكرية، بينما تعمل الولايات المتحدة على تنظيم التفاهمات لإدارة التوترات. تسعى الدول العربية لدعم وحدة سوريا، وتؤيد اتفاق وقف إطلاق النار، وتطالب بمحاسبة المسؤولين عن التجاوزات. تتخذ تركيا وروسيا موقفًا حذرًا يركز على تطويق الأزمة، بينما يقتصر دور الأوروبيين على تحليل التطورات.
قال فاروق بلال، رئيس المجلس الأمريكي السوري، إن المستفيد الوحيد حاليًا من الأزمة هو بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى من يحلمون بالانفصال عن الدولة السورية، وفلول النظام السابق، والدول التي كانت تدعم تلك الفلول. وتساءل عن موقف الحكومة السورية وخطتها لحماية السويداء ودرعا.
أطراف تسعى لفرض واقع جديد
يرى الناشط السياسي، رضوان الأطرش، أن هناك أطرافًا ترى في الأزمة فرصة لإعادة رسم المشهد السوري، وأن إسرائيل هي المستفيد الأكثر وضوحًا، حيث أن استمرار الفوضى في الجنوب السوري يضعف أي تواجد إيراني أو لحزب الله. وأضاف أن قوى داخلية درزية تطالب بإدارة ذاتية، وتسعى لنموذج محلي شبيه بتجربة قسد شمالًا.
تفاعل دولي وعربي: إدارة أم حل؟
أثارت أحداث السويداء تفاعلًا عربيًا ودوليًا، حيث أيدت معظم الدول العربية عودة مؤسسات الدولة. يرى المركز العربي أن اتفاق وقف إطلاق النار ليس سوى محطة مؤقتة، ما لم يُتبع بخطوات سياسية تعزز الاستقرار طويل الأمد. السؤال المطروح: هل ستتمكن الحكومة السورية من استغلال هذه الفرصة لترسيخ سيادتها؟
قال الكاتب والمحلل السياسي، حسن النيفي، إن المستفيد الأول مما يجري في السويداء هي إسرائيل، وإن الأحداث الجارية أتاحت لها التدخل واستهداف الرموز السيادية لدمشق. ورأى أن موقف واشنطن الإيجابي يمنح حكومة دمشق مزيدًا من الطمأنينة، ويجعلها أكثر شعورًا بالمسؤولية.
مستقبل السويداء وتحديات الدولة السورية
تبدو السويداء اختبارًا لقدرة الحكومة السورية على بناء نموذج حكم يتجاوز إرث الصراع. ومع استمرار التدخلات الخارجية، يتوقف نجاح دمشق على قدرتها على الاستجابة للمطالب المجتمعية، وتحقيق سيادة كاملة، وإرساء عدالة متوازنة تحظى بتأييد المجتمع الدولي.