يشهد الاقتصاد السوري تحديات كبيرة، تبرز من بينها مشكلة تجميد السيولة النقدية في المصارف، والتي تعتبر من أخطر المشاكل التي تواجه الاقتصاد والمجتمع. يؤثر هذا الأمر بشكل مباشر على الإنتاج ومستوى الطلب وسلامة التجارة، بالإضافة إلى تأثيره على ثقة الناس في النظام المصرفي.
يواجه المودعون صعوبات في سحب أموالهم بسبب القيود المفروضة على السحوبات اليومية، أو رفض طلبات السحب بشكل كامل تقريباً. هذا يزيد من الركود في السوق ويقلل القدرة الشرائية للأفراد، ويؤدي إلى تباطؤ الحركة التجارية والسياحية والصناعية.
يعود سبب عجز المصارف عن توفير السيولة إلى تشدد مصرف سوريا المركزي في تزويدها بالنقد، مما يسبب مشاكل بين المصارف والمواطنين، ويخل بالعلاقة بين المودع والمصرف، وهي علاقة مبنية على الثقة والضمان.
تهدف هذه الإجراءات إلى تقليل حجم النقد المتداول وتقييد الطلب على العملات الأجنبية لتحقيق استقرار سعر الصرف. ولكن يجب ألا يكون هذا الهدف على حساب تعطيل الأنشطة الاقتصادية الأساسية أو إضعاف الاستهلاك النهائي، الذي يعتبر محركاً للنمو الاقتصادي.
السيولة المصرفية ليست مجرد أداة للتداول، بل هي محرك لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتنشيط الاقتصاد المحلي وتحقيق التنمية المستدامة، بما في ذلك دعم التوظيف وتحسين الخدمات العامة.
لا يتحقق التوازن النقدي عن طريق تقليل السيولة بشكل قسري، بل من خلال تعزيز الثقة وتوسيع الإنتاج وتحفيز الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي، مما يزيد الناتج المحلي الإجمالي ويقلل الحاجة إلى المضاربة بالعملات الأجنبية.
تقوية الاقتصاد الحقيقي من خلال دعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي، وتحريك عجلة التصنيع المحلي وتوفير بدائل للاستيراد، هو أفضل طريقة لتخفيف الضغط على العملات الأجنبية وتحقيق استقرار سعر الصرف.
أظهرت التجارب النقدية في الدول النامية أن معالجة المشاكل في سوق العملات تبدأ بتحسين أداء القطاعات الإنتاجية وتوسيع العرض وتوفير فرص عمل ذات دخل حقيقي، مما يحفز الطلب ويحقق التوازن بين العرض والطلب ويضبط الأسعار ويقلل التضخم. وهذا بدوره يعزز قيمة العملة الوطنية.
تعتمد التنمية المستدامة على استثمار الموارد البشرية والطبيعية والمالية بشكل متوازن، ويعتبر القطاع المصرفي أساسياً في تمويل مشاريع الطاقة المتجددة والتنمية الريفية والبيئة الحضرية والتعليم والصحة وريادة الأعمال.
عندما يتجه التمويل المصرفي إلى دعم الاقتصاد المعرفي، فإنه يساهم في بناء منظومة إنتاجية تعتمد على الابتكار والتقنيات الحديثة والبحث العلمي، مما يعزز القدرة التنافسية للمجتمع السوري ويعيد تشكيل بنية العمل.
لا يمكن فصل دور السيولة المصرفية عن بناء قاعدة قوية من الموارد البشرية القادرة على قيادة التحول الاقتصادي. فالمورد البشري المتعلم والمؤهل هو رأس المال الحقيقي في الاقتصاد المعرفي.
يجب أن يكون الانتقال إلى اقتصاد غير نقدي تدريجياً ومتوافقاً مع واقع السوق السورية، من خلال آليات تشريعية ومصرفية متكاملة تعتمد على الحوكمة والشفافية والتحفيز الإيجابي.
إن تدهور الثقة بين المواطنين والمصارف وتكرار المشاكل أمام فروع المصارف ينذر بعواقب اجتماعية واقتصادية وأمنية. يجب على الجهات المعنية، وعلى رأسها مصرف سوريا المركزي ووزارتا المالية والاقتصاد، معالجة هذا الوضع.
يبقى الأمل في تعافي الاقتصاد مرهوناً بإعادة الثقة وتوفير السيولة اللازمة. فالنقد لا قيمة له إذا لم يتحرك، والاقتصاد لا حياة فيه إذا تجمدت مكوناته الأساسية. نأمل أن تشهد المرحلة القادمة إصلاحات تعيد التوازن للاقتصاد وتعزز كفاءة النظام المصرفي وتعيد ثقة المواطن بوطنه.
بقلم: د. سلمان ريا
(موقع اخبار سوريا الوطن-1)