خيم الحزن على الأردنيين إثر الإعلان عن وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني في بيروت، حيث عبر العديد منهم عن صدمتهم وتأثرهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
على الرغم من أن زياد الرحباني لم يحيِ حفلات رسمية في الأردن، ولم تكن له علاقات واسعة في الوسط الفني الأردني، إلا أن أعماله تحتل مكانة خاصة في قلوب محبيه بالمملكة، خاصةً لكونه ابن السيدة فيروز، التي تحظى بشعبية جارفة بين الأردنيين.
"قلبي أوجعني"
المطربة الأردنية مكادي نحاس تحدثت بحزن لـ"النهار" عن وفاة الرحباني قائلة: "الخبر نزل عليّ كالصاعقة". وأضافت نحاس، التي تعتبر من أبرز رموز الأغنية التراثية، والتي سبق لها أن التقت الرحباني في منزله ببيروت عام 2000: "نحن جيل تربّى على موسيقى زياد وأعماله المسرحية، وظل يشكّل لنا حالة نعيشها ونتنفسها، كما شكّل وعياً وثقافة لا مثيل لهما".
وعلى الرغم من علمها بمرضه، قالت: "الخبر نزل عليّ كالصاعقة. قلبي أوجعني. برحيله انكسر خاطرنا، وغاب الأمل بأعمال فنية عظيمة، خصوصاً في ظل ما نحن فيه اليوم من انحطاط فني". وأشارت إلى أنها تعتبر نفسها "محظوظة" لأنها التقت به، مستذكرة: "عندما سألته إن كان بمقدوري أن أغنّي، قال لي: أنتِ اللي لازم تغنّي. وطبعاً تغيّرت حياتي منذ تلك اللحظة".
واختتمت حديثها بالقول: "زياد فنان شامل وعبقري، وكانت أعماله تتنبأ بالمستقبل، ولم يكن من الممكن فصلها عن السياسة، خصوصاً في بلد مثل لبنان الذي شهد حرباً أهلية، بالإضافة إلى الحرب الإسرائيلية، وكل الصراعات السياسية التي لا تزال قائمة إلى اليوم. وبرأيي، الفنان الحقيقي يجب أن يكون منخرطاً في السياسة، متابعاً لها، وأن يكون له موقف مما يحصل".
"ولد وفي قلبه موسيقى بحجم السماء"
من جهته، يرى رسّام الكاريكاتير ناصر الجعفري أن "الرحباني جسّد حالة نبوغ وإبداع استثنائية في عالمنا العربي؛ فهو موهبة عبقرية تفتّحت وأثمرت في سنٍ مبكرة للغاية"، مضيفاً: "من يترك لنا ’سألوني الناس’ وهو في السادسة عشرة، لا بدّ من أنه وُلد وفي قلبه موسيقى بحجم السماء".
ويتابع: "زياد، الذي صهر طبقات المجتمع بصوت فيروز، وجعل ’صبحي الجيز’ يخرج من حارات الفقر والحرمان ليعانق صفاء صوت سفيرة النجوم، لم يكن مجرد موسيقار، بل كان فناناً وموقفاً". ويقول الجعفري لـ"النهار": "كان زياد سيّد التجريب الموسيقي؛ مزج بين موسيقى الجاز والأنغام الشرقية بأسلوب عبقري أعاد تعريف هوية الأغنية العربية المعاصرة. لم تكن ألحانه مجرد أنغام، بل مشاهد درامية تنبض بالتمرّد، تكسر القوالب التقليدية، وتفتح أبواباً جديدة أمام المستمع".
ويضيف: "شخصيته الحوارية الساخرة كانت امتداداً لفنه؛ إذ أطلّ في مقابلاته بجرأة وذكاء، ليواجه الواقع بنقد لاذع وروح فكاهية جعلت منه صوتاً حراً وسط صخب السياسة والانقسامات". ويختتم بالقول: "برحيل الرحباني، خسر العالم العربي أحد آخر أعمدة الأغنية الراقية في زمن تتراجع فيه الكلمات والموسيقى أمام موجات الابتذال. الغياب اليوم أكثر وجعاً، لأننا فقدنا فناناً كان قادراً على جعل الفن مرآة حقيقية للحياة. زياد علامة ثبات سياسي وعبقرية موسيقية مشرقيّة رسمت ملامح لبنان الأجمل، لحناً وكلمة".
"عاش حياته كما يريد"
من جهته، يقول الكاتب والقاص نادر رنتيسي إن "زياد الرحباني كان موسيقياً استثنائياً بلا شك، ولا يمكن حتى لأشدّ المناوئين له سياسياً، والمختلفين الكثر معه، إلا الاعتراف بأنه أحد أعظم الأسماء الموسيقية خلال الخمسين عاماً الماضية".
ويضيف لـ"النهار": "كان يمكن لزياد أن يترك إرثاً موسيقياً أكثر كثافة، لكن السياسة المتقلبة، والحياة السينمائية التي فضّلها على الهدوء والاستقرار اللذين يحتاجهما الفنان، فضلاً عن مزاجه العاصف، كلّ ذلك للأسف أفقد الموسيقى العربية كماً مفترضاً كانت في أمسّ الحاجة إليه، خصوصاً في العقود الثلاثة الأخيرة التي شاع فيها التلوث والنشاز".
ويتابع: "لكن زياداً عاش حياته كما يريد، لا كما يعيشها الموسيقيون المعروفون بالانضباط والهدوء. عاش ناقماً، ساخطاً، لاذعاً، وبالطبع أخطأ كثيراً. لكن، من كان يجرؤ أن يدلّه على الصواب؟".