السبت, 9 أغسطس 2025 09:01 PM

استثمارات بـ 14 مليار دولار: هل تفتح صفحة جديدة للاقتصاد السوري؟

استثمارات بـ 14 مليار دولار: هل تفتح صفحة جديدة للاقتصاد السوري؟

في تطور لافت للاقتصاد السوري، وقّعت الحكومة اتفاقيات استثمارية بقيمة 14 مليار دولار، تمثل أكبر حزمة مشاريع منذ بدء جهود إعادة الإعمار. وبين التطلعات والتحديات، ينتظر السوريون تحول هذه الوعود إلى واقع ملموس.

جرى التوقيع بحضور الرئيس أحمد الشرع والمبعوث الأمريكي توماس باراك، في خطوة تعتبر الأضخم في تاريخ الاستثمار السوري الحديث. تشمل الاتفاقيات 12 مشروعًا استراتيجيًا في قطاعات النقل، العقارات، البنية التحتية، والطاقة، وتعد بمثابة إعلان عن مرحلة اقتصادية جديدة، وسط ترحيب حذر من الخبراء الذين يرون أن الأمل ممكن، لكن التحديات لا تزال قائمة.

مشاريع ضخمة من دمشق: استثمار في البنية والتحوّل الحضري

تتضمن الاتفاقيات تطوير مطار دمشق الدولي (4 مليارات دولار)، إنشاء مترو دمشق (2 مليار دولار)، ومجمعات سكنية وتجارية كبرى مثل أبراج دمشق ومول البرامكة (2.5 مليار دولار). على الرغم من قيمة مؤتمر الاستثمار الأخير، ذكرت مصادر خاصة بمنصة سوريا 24 أن رئاسة الجمهورية تعتزم عقد مؤتمر استثماري خاص برجال الأعمال السعوديين 2 خلال الأيام القادمة، لعرض مشاريع عقارية وتنموية.

الخبير الاقتصادي مصطفى السيد وصف هذه الاتفاقيات بأنها "نقلة نوعية تعيد التموضع الاقتصادي لسوريا"، مشيرًا إلى أن الدعم الإقليمي والدولي – خاصة من الولايات المتحدة، السعودية، قطر، وتركيا – يعزز الثقة قبل انطلاق إعادة الإعمار. وأشار إلى عقبات تتعلق بالتمويل، والبيئة التشريعية غير المكتملة، وضعف البنية التحتية، موضحًا أن النجاح يتطلب «إدارة فعالة، وشراكات شفافة، ومنظومة قانونية تحمي المستثمر وتمنع عودة الفساد».

اختلال التوزيع الجغرافي… وقلق من تهميش المحافظات

أثار تركز الاستثمارات في دمشق جدلاً. الدكتور عبد المنعم الحلبي حذر من هذا التمركز، معتبرًا أن «مدينة مثل حلب، التي تحملت نصف أعباء الحرب، ما زالت مغيبة عن خريطة الاستثمار». وشدد على أهمية التوازن الجغرافي لإنجاح أي خطة اقتصادية وطنية، مطالبًا بإشراك المحافظات الأخرى وتوسيع خريطة المشاريع. وأكد على أهمية استيعاب العمالة السورية في المشاريع القادمة، بما ينعكس على تقليص البطالة وتنشيط القطاعات الصناعية، مشددًا على ضرورة سن قوانين تنظم نسب العمالة الأجنبية وتحد من الاستيراد العشوائي.

التنفيذ مرهون بالتشريعات والبنية التنظيمية

من جهته، رأى د. معروف الخلف، مدير البحوث الاستراتيجية بجامعة دمشق، خلال حديثه لمنصة سوريا 24 أن التمويل وحده لا يكفي، ما لم يُستكمل بإصلاحات تنظيمية وتشريعية. وأوضح أن كثيرًا من القوانين ما تزال قيد الإعداد، خصوصًا في ما يتعلق بملكية الأراضي وآليات التعويض والتراخيص. وأكد الخلف أن “النجاح مرهون بمدى قدرة الحكومة على المواءمة بين التشريعات الحالية والتزاماتها الدولية”، لافتًا إلى أن طبيعة دمشق التاريخية تفرض تحديات خاصة على المشاريع العمرانية الكبرى مثل المترو وأبراج دمشق.

الاقتصاد الأخضر يدخل خط الاستثمار: مشروع إدلب لإعادة التدوير

في خطوة لافتة، شملت الاتفاقيات مشروعًا لإعادة تدوير النفايات في إدلب، لتحويلها إلى كهرباء وغاز وأسمدة، بتمويل قدره 57.5 مليون دولار. واعتبر مصطفى السيد هذا المشروع «تحولاً استراتيجيًا نحو الاقتصاد الدائري»، مشيرًا إلى إمكانية استنساخ التجربة الألمانية في تحويل النفايات إلى موارد ذات قيمة اقتصادية.

حماة تدخل السباق بمشروع “الياسمين” السكني

خارج العاصمة، أعلنت ووايت روم عن إطلاق مشروع “الياسمين” في حماة لبناء 26 ألف وحدة سكنية. ويُعد هذا المشروع من أضخم المبادرات العقارية في المدينة، بكلفة تصل إلى 250 مليون دولار. وبحسب مصادر الشركة، فإنّ المشروع سينفذ من قبل تحالف شركتي وايت روم وغاما، وأنّ العمالة المحلية ستكون أولوية، في ظل ارتفاع أجور العامل من 5 إلى 15 دولار بعد التحرير. كما أن الأسعار المرتفعة في السوق العقاري بحماة – التي تجاوزت 300 ألف دولار للوحدة – تجعل من المشروع فرصة استثمارية، من شأنها تخفيف الضغوط السكنية وتحقيق استقرار اجتماعي. وبحسب المصادر فإنّ سعر الشقة السكنية في المشروع ستتراوح ما بين 80 إلى 100 ألف دولار، وأنّ الأرض التي سيقام عليها المشروع مفروزة كموقع للتطوير العقاري، لكن لم تمنح الشركة الرخصة التنفيذية بعد. وعُهد بمشروع “الياسمين” إلى شركة “وايت روم”، التي تأسست في إدلب عام 2017، ونفذت عددًا من المشاريع الإنشائية في المحافظة، كان آخرها تسليم 1500 شقة سكنية قبل شهر. وتشارك “وايت روم” في تنفيذ المشروع مجموعة غاما، والتي تضم شركتي غاما أسيس وغاما فون، وتستند إلى عدد من الصناديق الاستثمارية التي تعتمد على إيداعات من رجال أعمال متعددي الجنسيات، من بينهم مستثمرون قطريون، وسعوديون، وبحرينيون، وأستراليون، وآخرون. حيث من المقرر أن تعلن هذه الشركات عن إطلاق تحالف اقتصادي خلال الأيام القليلة القادمة.

عقبات التمويل: البنوك والعقوبات

رغم رفع بعض العقوبات الدولية في يونيو 2025، ما تزال التحويلات المصرفية تمثل عقبة رئيسية. وحذرت مصادر متقاطعة في شركات دخلت على سوق الاستثمارات في سوريا من أن غياب بنك أجنبي مباشر أو وكالة مصرفية لبنك محلي يبطئ تنفيذ المشاريع، ويزيد من تكلفة الوقت والمخاطرة، موصية بمنح ترخيص لبنوك أجنبية من أجل تسهيلات إجراءات الثقة مع البنوك الخارجية

توصيات الخبراء: الشفافية واللامركزية واستقلالية القرار

ويجمع عدد من الخبراء من بينهم السيد والحلبي على حزمة من التوصيات لضمان نجاح هذه الاستثمارات: “إصدار قوانين واضحة لحماية حقوق المستثمرين، تعزيز الشفافية عبر منصات إلكترونية مفتوحة للمعلومات، وتمكين إدارات المحافظات في الترويج للفرص الاستثمارية”. كما تضمنت التوصيات: “رفع يد الحكومة عن غرف التجارة والصناعة والسماح بتمثيل حقيقي للقطاع الخاص، وإشراك المجتمع المدني والكفاءات الوطنية المهملة في صنع القرار”.

فرصة سياسية واقتصادية… وسباق مع الزمن

وختم الصحفي مصطفى السيد بالتأكيد على أن سوريا تقف أمام لحظة فارقة: فـ”الاستثمارات الضخمة قد تعيد رسم خارطة الاقتصاد، لكن نجاحها مرهون بحسم التردد في القرار، ومواجهة قوى التعطيل، وتوفير بيئة آمنة وشفافة تحوّل التفاهمات إلى واقع فعلي”. وأكد أن إقصاء المشروع الإيراني من الداخل السوري فتح الباب أمام فرص سلام غير مسبوقة، لكن خطر العودة إلى منطق “الاستثمار في الخراب” لا يزال قائمًا ما لم يتحرك المجتمع الدولي بحزم، خصوصًا تجاه القوى اليمينية المتطرفة في المنطقة. رغم صعوبة الطريق وكثرة التحديات، يبقى الأمل معقودًا على أن تشكل هذه الاستثمارات انطلاقة حقيقية نحو تعافي سوريا وبناء اقتصاد أكثر عدالة وشفافية. إن تحويل الأرقام الكبيرة إلى منجزات ملموسة على الأرض لن يكون سهلًا، لكنه ممكن إذا توفرت الإرادة والتخطيط السليم. ومع انفتاح البلاد على شراكات إقليمية ودولية، تلوح في الأفق فرصة تاريخية لتجاوز آثار الحرب، وإعادة بناء وطن يحتضن جميع أبنائه ويوفر لهم مستقبلاً أكثر استقرارًا وازدهارًا.

مشاركة المقال: