الجمعة, 15 أغسطس 2025 12:46 PM

سوريا على مفترق طرق: بين الحكم المركزي واللامركزية في ظل تحولات إقليمية ودولية

سوريا على مفترق طرق: بين الحكم المركزي واللامركزية في ظل تحولات إقليمية ودولية

في أعقاب التغيير السياسي الذي شهدته سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، اتجهت العملية السياسية نحو ترسيخ نموذج حكم مركزي، وهو ما أكدته مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس السوري أحمد الشرع. وقد تم إعداد مسودة دستور مؤقت على هذا الأساس، وسط دعم دولي من تركيا وقطر والولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية لهذا التوجه.

لكن التطورات الأمنية في الساحل السوري خلال مارس/آذار 2025 عززت هذا الخيار داخلياً وخارجياً، في حين جاءت أحداث السويداء لتفتح الباب أمام نقاش جديد حول مستقبل النظام الإداري في البلاد. فقد أدت المواجهات بين الدروز والبدو، وما تبعها من تدخلات إسرائيلية، إلى تقوية موقف قوات سوريا الديمقراطية التي تطرح نموذجاً لا مركزياً للحكم، في مواجهة السلطة المركزية في دمشق.

تحولات في المواقف الإقليمية والدولية

أزمة السويداء دفعت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى تقارب في وجهات النظر بشأن مستقبل سوريا، رغم اختلافاتهما السابقة. وقد ساهم الدعم الإسرائيلي للدروز، وانسحاب الحكومة السورية من المنطقة، في تعزيز مطالب الحكم الذاتي في مناطق مثل الساحل والكردستان السوري.

مؤتمر الحسكة: خطوة نحو اللامركزية

في هذا السياق، نظمت قوات سوريا الديمقراطية مؤتمراً في مدينة الحسكة تحت عنوان “مؤتمر وحدة موقف مكونات شمال شرق سوريا”، بمشاركة أكثر من 400 شخصية من مختلف المكونات، بما في ذلك شخصيات تربطها علاقات تاريخية بالنظام السابق. شارك في المؤتمر الزعيم الدرزي حكمت الهجري ورئيس مجلس العلويين الشيخ غزال غزال عبر الإنترنت، إلى جانب ممثلين عن عشائر عربية وتركمانية ونشطاء محليين.

التحضيرات للمؤتمر شملت اجتماعات مكثفة في دير الزور والرقة، بهدف تعزيز الدعم الشعبي لمشروع اللامركزية، الذي تسعى “قسد” إلى طرحه كبديل شامل للنظام المركزي، معتبرة أنه النموذج الوحيد القادر على تلبية تطلعات السوريين.

أهداف المؤتمر ورسائله السياسية

أوضح جيفان ملا إبراهيم، عضو اللجنة التحضيرية، أن المؤتمر يهدف إلى توحيد موقف مكونات المنطقة وإيصال رسالة واضحة إلى الأطراف السورية والدولية بأن هناك إرادة جماعية لبناء دولة تعددية لا مركزية تضمن المساواة في الحقوق والواجبات.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة تحركات من قبل “قسد” لدفع زعماء عشائر عربية في الرقة ودير الزور نحو تبني مشروع الإدارة الذاتية، بغض النظر عن مستقبل وجود القوات في تلك المناطق. كما عقد مظلوم عبدي، قائد “قسد”، اجتماعات مع ممثلين محليين لبحث منح صلاحيات أوسع للسكان في إدارة شؤونهم بعيداً عن سلطة دمشق.

البيان الختامي: رؤية بديلة لسوريا

أكد البيان الختامي للمؤتمر على التزام المشاركين بمشروع وطني ديمقراطي قائم على التنوع والشراكة والمواطنة المتساوية. كما دعا إلى محاسبة المسؤولين عن الجرائم في السويداء واللاذقية، بغض النظر عن انتماءاتهم، في خطوة تهدف إلى زيادة الضغط على الحكومة السورية.

البيان شدد على أن نموذج الإدارة الذاتية هو السبيل الوحيد لضمان وحدة سوريا وسلامة أراضيها، واعتبره تجربة قابلة للتطوير تمثل نموذجاً للحكم الديمقراطي المجتمعي. كما أشاد بتضحيات “قسد”، واعتبرها نواة لبناء جيش وطني جديد يعكس البنية المجتمعية للبلاد.

موقف دمشق وزيارة هاكان فيدان

ردت الحكومة السورية بغضب على المؤتمر، واعتبرته انتهاكاً لاتفاق 10 مارس/آذار بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي. ونقلت وكالة “سانا” موقفاً غير رسمي لمسؤول حكومي، وصف المؤتمر بأنه محاولة لإعادة النظام السابق، واستضافة شخصيات انفصالية، ما يشكل تهديداً لمسار التفاوض.

وجاء هذا الرد بعد زيارة غير معلنة لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق في 7 أغسطس/آب، حيث التقى الرئيس الشرع في اجتماع مغلق استمر ثلاث ساعات. تناول اللقاء ملفات حساسة، منها مستقبل “قسد”، الهجمات الإسرائيلية، ودمج القوات في مؤسسات الدولة. وتشير مصادر إلى أن قرار دمشق بعدم المشاركة في اجتماع فرنسا جاء بناء على توصية مباشرة من فيدان.

هل تناسب اللامركزية الواقع السوري؟

تختلف أنظمة الحكم حول العالم، من الفدرالية الألمانية إلى النظام الرئاسي الأميركي، مروراً بالنموذج البريطاني متعدد الدول. لكن نقل هذه النماذج إلى بيئات مختلفة لا يضمن نجاحها، إذ يعتمد الأمر على السياق المحلي والتاريخ السياسي والاجتماعي لكل بلد.

في الحالة السورية، يرى كثيرون أن تطبيق اللامركزية في ظل غياب الاستقرار السياسي والأمني قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات. ويعتقد البعض أن الأولوية يجب أن تكون لترسيخ نظام مركزي قوي يضمن الأمن والاقتصاد، قبل التفكير في توزيع السلطات.

ومع ذلك، فإن القوى الدولية والفاعلين المحليين يحاولون استغلال نقاط الضعف في الحكم الجديد لدفع البلاد نحو نموذج لا مركزي، ما يجعل مستقبل سوريا السياسي مفتوحاً على احتمالات متعددة، في ظل استمرار الجدل حول شكل الدولة والنظام الأنسب لها.

الجزيرة

مشاركة المقال: