القاضي السابق: حسين حمادة
تمهيد:
- لا استقرار وطني دون تطبيق مبدأ العدالة.
- لا إصلاح سياسي بلا إصلاح قضائي.
العدل أساس الملك، وإذا اختل هذا الركن تداعت بقية أركان الدولة، وعمّت الفوضى وانتشر الفساد وغاب الأمن والأمان. لذا، فإن إصلاح القضاء يمثل الحجر الأساس في أي مشروع وطني لإعادة بناء الدولة واستقرار المجتمع.
لقد عانت السلطة القضائية في سوريا، خلال العقود الماضية، من تهميش ممنهج واختلالات بنيوية وهيكلية شملت تشكيل مؤسساتها وآليات تعيين القضاة وتشكيل مجلس القضاء الأعلى، حيث خضعت لأهواء السلطة السياسية التي أفرغتها من دورها الطبيعي كضامن للحقوق والحريات، عبر منظومة قانونية متشابكة أسهمت في الحد من صلاحياتها وتعزيز تبعيتها للسلطة التنفيذية.
سورية اليوم، أحوج ما تكون إلى إعادة بناء السلطة القضائية على أسس جديدة تعيد لها اعتبارها ومكانتها، تؤهلها لتكون الركن الحصين في مشروع الدولة القانونية الديمقراطية. إن إصلاح السلطة القضائية لا يمكن فصله عن عملية التحول السياسي الشامل، بل يشكل أحد أعمدته الأساسية إلى جانب إصلاح السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبناء منظومة متكاملة قائمة على فصل السلطات وتوازنها، وسيادة القانون، واحترام الحقوق والحريات العامة.
تأسيسا عليه اقترح : تشكيل لجنة وطنية عليا لإصلاح القضاء تضم قضاة مشهودًا لهم بالكفاءة والخبرة، وممثلين عن نقابة المحامين ومنظمات المجتمع المدني، تتولى إعداد خطة علمية وزمنية لبناء سلطة قضائية مستقلة وفاعلة، تُرسّخ سيادة القانون، وتحمي الحقوق والحريات، وتكون الضامن الأول لتحقيق العدالة في دولة مدنية ديمقراطية.
وفق الأهداف الاستراتيجية للإصلاح القضائي التالية :
- استقلال السلطة القضائية استقلالًا تامًا عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، من حيث الهيكلية والإدارة والتمويل.
- اعتبار القضاء الضامن الأساسي لاستقرار المجتمع وأمنه، والمسؤول الوحيد عن فضّ النزاعات وتطبيق العقوبات وفقًا للقانون.
- تحييد القضاء عن النشاط السياسي كليًا، ومنع القضاة من الانخراط في العمل الحزبي أو الترشح للمناصب السياسية، مع ضمان حقهم في الاقتراع ضمن ضوابط يحددها مجلس القضاء الأعلى.
- إسناد الإشراف على العمليات الديمقراطية والانتخابية إلى السلطة القضائية لضمان نزاهتها واستقلالها.
- تنظيم العمل القضائي عبر مرجعية موحدة وهيكلية متماسكة تربط الدوائر القضائية ببعضها لتحقيق الانسجام والشفافية.
- إصلاح المنظومة القانونية وتحديث التشريعات بما يتوافق مع مبادئ العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان.
- تفعيل الرقابة والمساءلة داخل الجهاز القضائي دون المساس باستقلال القاضي.
- رفع كفاءة القضاة عبر التدريب والتأهيل المستمر.
- تبسيط إجراءات التقاضي وضمان سرعة البت في القضايا.
- تحقيق العدالة الانتقالية من خلال إنشاء دوائر متخصصة بجرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة.
- النص في الدستور على الاستقلال المطلق للسلطة القضائية وعدم جواز تدخل أي جهة في أعمال القضاء.
- إلغاء تبعية مجلس القضاء الأعلى لوزارة العدل وجعل تشكيله قضائيًا بالكامل وفق معايير موضوعية تراعي التراتبية والقدم الوظيفي.
- تعديل قانون السلطة القضائية بما يضمن أن يكون التعيين والترقية والعزل على أسس مهنية لا سياسية.
- مراجعة شاملة لهياكل المحاكم والنيابات العامة بما يحقق الكفاءة والتوزيع المتوازن.
- تعيين عدد كافٍ من القضاة وفق الآلية المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية رقم 98 لعام 1961 وتعديلاته.
- إنشاء فرع للتفتيش القضائي يتألف من قضاة متفرغين للنظر في الشكاوى ومراقبة الأداء وتقييم القضاة وفق معايير الكفاءة والنزاهة.
- تحديث مناهج المعهد القضائي السوري لتواكب المعايير الدولية ومبادئ دولة القانون وحقوق الإنسان.
- إعداد برامج تأهيل متخصصة للقضاة وأعضاء النيابة العامة في مجالات العدالة الانتقالية والقانون الدولي الإنساني.
- تعزيز التعاون القضائي الدولي وتبادل الخبرات مع الأنظمة القضائية في الدول الديمقراطية.
- إنشاء محاكم أو دوائر خاصة بجرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة وفقًا للمعايير الدولية.
- تفعيل دور النيابة العامة في الإشراف على السجون ودور التوقيف ضمانًا لحقوق الموقوفين ونزاهة الإجراءات.
- تعيين أعضاء نيابة في فروع وأقسام الشرطة لمراقبة الضبوط وتنفيذ الإجراءات القانونية السليمة.
- إنشاء نيابات متخصصة مثل: نيابة مكافحة الفساد، ونيابة الجرائم الاقتصادية، ونيابة العدالة الانتقالية.
- تمكين المواطنين من متابعة قضاياهم إلكترونيًا وتقديم الشكاوى والطعون عبر منصات رسمية، تعزيزًا للشفافية وسهولة الوصول إلى العدالة.
خاتمة:
إن بناء دولة القانون يبدأ من قاعة المحكمة، حيث يقف القاضي حرًا، لا سلطان عليه إلا ضميره والقانون ، فمن دون قضاء مستقل، لا عدالة، ولا استقرار، ولا دولة.
مع تحياتي للجميع
(أخبار سوريا الوطن2-صفحة الكاتب)