الثلاثاء, 21 أكتوبر 2025 12:08 PM

الخلافات الجمركية بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية: انعكاسات على حياة السكان واقتصاد المنطقة

الخلافات الجمركية بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية: انعكاسات على حياة السكان واقتصاد المنطقة

زانا العلي – الرقة

توقّف عماد عن إكساء شقته الواقعة في أطراف مدينة الرقة، بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار مواد البناء وتكاليف الأيدي العاملة. عماد عبد الله، البالغ من العمر 32 عامًا، والذي قضى السنوات الست الأخيرة في الرقة بعد نزوح قسري من مدينته تل أبيض إثر العملية العسكرية التركية، تمكن بعد سنوات من العمل من شراء شقة صغيرة في حيّ شارع القطار شمالي المدينة، أملاً في التخلص من أعباء الإيجار. العودة إلى مسقط رأسه تبدو صعبة في الوقت الراهن، لكن طموحه في الانتقال إلى مسكنه الجديد اصطدم بواقع ارتفاع الأسعار وعدم قدرته على إكمال التشطيبات.

لا يقتصر تأثير ارتفاع الأسعار على مواد البناء فحسب، بل يمتد ليشمل معظم السلع الأساسية، وهو ما يرتبط بشكل كبير بالتباين في السياسات الجمركية بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية.

نظام المنسق العام

يرى خبراء أن الجمارك تمثل ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني، لكن التباين الكبير في السياسات الجمركية بين دمشق والرقة يثير الانتباه. حصل معدّ التقرير على بيانات من المنسق العام للجمارك التابع للحكومة السورية، المعدلة بتاريخ 1 أيلول/سبتمبر 2025، من أحد مخلصي الجمارك في معبر باب الهوى، وذلك بهدف مقارنة الرسوم المفروضة على 15 مادة أساسية يشكو السكان من ارتفاع أسعارها، وتشمل الأدوية والمواد الغذائية كالسكر والشاي والخضروات وحليب الأطفال، بالإضافة إلى مواد البناء كالحديد والإسمنت و PVC.

تظهر البيانات اختلافات كبيرة في الرسوم الجمركية بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية في معبر سيمالكا، وهو المعبر الخارجي الوحيد للإدارة الذاتية.

في قطاع الأدوية والمواد الطبية، على سبيل المثال، تفرض الحكومة السورية رسمًا جمركيًا على لقاحات الطب البشري يبلغ 5013 دولارًا للطن الواحد، وعلى الأدوية التي تحتوي على الإنسولين لمرضى السكري 500 دولار للطن. بينما تبلغ رسوم أدوية الالتهابات (الكورتيكوستيرويدات) 3007 دولارات، والمضادات الحيوية والفيتامينات 500 دولار لكل صنف. تعكس هذه الأرقام السياسة الجمركية للحكومة السورية، والتي تؤثر بشكل مباشر على أسعار السلع في الأسواق المحلية، وتنعكس على القدرة الشرائية للمستهلكين وحركة التجارة.

هل ألغت الإدارة الذاتية الجمارك؟

في المقابل، تتبع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا سياسة جمركية مختلفة. ففي الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر الماضي، أصدرت التعميم رقم /32/ القاضي بإلغاء الرسوم الجمركية على البضائع الداخلة والخارجة من مناطقها إلى داخل سوريا، مبررة القرار بـ "الحرص على وحدة الأراضي السورية، وتماشياً مع التغيرات التي حدثت في البلاد".

تدير الإدارة الذاتية حالياً معبراً خارجياً واحداً هو معبر سيمالكا مع إقليم كردستان العراق، بينما تُعد نقاط العبور مع الداخل السوري نقاط مراقبة فقط. وفقاً لهيئة المالية العامة في الإدارة الذاتية، شهدت عائدات الإدارة الذاتية من الجمارك انخفاضاً كبيراً بنسبة نحو 46.4٪ خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وبلغت عائدات الإدارة من الجمارك منذ بداية العام وحتى نهاية الشهر التاسع نحو 59,209,093 دولاراً، مقارنة بـ 110,473,568 دولاراً خلال الفترة نفسها من العام الماضي. بحسب هيئة المالية.

أما في معبر سيمالكا، فتُظهر المقارنة مع الرسوم الجمركية المعمول بها لدى الحكومة السورية أن الإدارة تعتمد نظام إعفاء مختلف. فوفقاً للمنسق العام للجمارك وبناءً على معلومات حصلت عليها نورث برس من هيئة المالية، تُعفى جميع أنواع الأدوية من الرسوم الجمركية بعد التنسيق مع هيئة الصحة، إضافة إلى إعفاء حليب الأطفال، وذلك بموجب قانون الجمارك المعتمد. ولدى الإدارة الذاتية، قوائم تتضمن أسماء أدوية محددة تظهر فيها نسب وأرقام رسوم، عزها مسؤول في الجمارك بأنها لأغراض ضبط التهريب فقط، إذ تُستخدم هذه الأرقام لفرض الغرامات عند المخالفة، بينما تُعتبر الأدوية معفاة فعلياً وفق أحكام القانون.

فروقات في الرسوم

تُظهر البيانات التي حصلت عليها نورث برس من الحكومة السورية والإدارة الذاتية فروقات واضحة في الرسوم الجمركية على المواد الغذائية، إذ تبلغ رسوم استيراد زيت دوار الشمس 300 دولار للطن الواحد لدى دمشق و20 دولارًا للكمية نفسها لدى الإدارة الذاتية، وكذلك 300 دولار للطن الواحد من الشاي لدى الحكومة السورية بالمقابل هي 3.16 دولارات لدى الإدارة الذاتية. وتفرض الحكومة 300 دولار أيضا على الطن الواحد من السمن بالمقابل تفرض الإدارة 21.2 دولارًا على الكمية نفسها من المادة. أما الأرز فتبلغ رسومه 12.48 دولارًا للطن الواحد لدى الإدارة بينما تفرض الحكومة 27 دولاراً، والخضروات مثل البندورة والبطاطا والباذنجان 10.72 دولارات لدى الإدارة و53 دولاراً لدى الحكومة.

ويلاحظ أن رسوم الموز لدى الإدارة اعلى من الحكومة حيث تفرض 53 دولاراً للطن بينما تفرض الحكومة 25.92 دولاراً للطن، أما بالنسبة للتفاح تفرض الإدارة 100 دولار للطن الواحد بالمقابل تفرض الحكومة 9.6 دولار للكمية نفسها.

أما في مواد البناء، فتصل رسوم PVC إلى 33.4 دولارًا للطن، والحديد إلى 7 دولارات، والإسمنت إلى 4.02 دولارات، لدى الإدارة الذاتية. قبل سقوط نظام الأسد كانت الإدارة الذاتية تفرض رسوماً جمركية على البضائع العابرة من مناطقها نحو مناطق الحكومة السورية، لكن بعد سقوط النظام أُلغيت الجمارك على حركة البضائع نحو الداخل السوري، وفقاً للتعميم رقم 32.

رغم وضوح النصوص القانونية، إلا أن واقع السوق أكثر تعقيداً. فبحسب عدد من التجار الذين تواصلت معهم نورث برس في مناطق الإدارة الذاتية، لا يطّلع معظمهم على نسب الرسوم الجمركية بشكل دقيق، بل يتعاملون مع مخلصين جمركيين سواء في معبر سيمالكا أو في معابر الحكومة السورية، ما يضيف تكاليف إضافية على المستهلك.

يقول أحد التجار والذي فضل عدم ذكر اسمه إن الإدارة الذاتية ألغت الجمارك مع الداخل السوري، لكنها حالياً "تتقاضى مبالغ من السيارات التي تنقل البضائع، تحت بند مخالفة الأنظمة والقوانين. فمثلًا، تُفرض 100 دولار على سيارة من نوع H100، و200 دولار على نوع “إنتر”، و400 دولار على القاطرة"، بحسب قوله. ويضيف لنورث برس، أن هذه المبالغ وإن كانت أقل من الرسوم الرسمية، إلا أنها ما تزال تُدفع بشكل "إلزامي".

وتبقى آثار هذه السياسات واضحة في حياة السكان اليومية، حيث يعجز كثيرون، مثل عماد عبد الله، عن تحمل تكاليف المعيشة أو استكمال منازلهم. وبينما تتباين السياسات الجمركية بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية، تبقى النتيجة واحدة: ارتفاع الأسعار وصعوبة تأمين أساسيات الحياة في ظل اقتصاد منقسم.

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: