يشهد القطاع الزراعي في محافظة الرقة تدهوراً متسارعاً، حيث يتخلى المزارعون عن أراضيهم الزراعية بسبب الديون المتراكمة، مما يعكس أزمة اقتصادية واجتماعية تهدد استقرار المجتمع المحلي ومستقبل القطاع الزراعي. يواجه مزارعو الرقة ضغوطاً مالية كبيرة نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي وغياب الدعم الفعال من الإدارة الذاتية، مما يدفعهم لبيع أراضيهم لسداد الديون.
الزراعة في الرقة: مهنة لم تعد مجدية
يعتمد أكثر من 80% من سكان الرقة على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، مما يظهر أهمية هذا القطاع. ومع ذلك، فإن الارتفاع الكبير في أسعار البذور والأسمدة والمبيدات وأجور العمال، بالإضافة إلى غياب الدعم المؤسساتي، جعل الزراعة عبئاً ثقيلاً. وقد انخفضت أسعار الأراضي الزراعية نتيجة زيادة المعروض، حيث تراجع سعر الدونم الجيد من حوالي 3000 دولار قبل عام 2011 إلى حوالي 1500 دولار حالياً.
شهادات من المزارعين
قال المزارع محمد الخالد (47 عامًا) من قرية السلحبية لموقع "سوريا 24": "لم نعد قادرين على تمويل زراعة أراضينا، واضطررت للاستدانة لتوفير المستلزمات. ارتفاع الفوائد فاقم أزمتي، ولم أجد خيارًا سوى بيع جزء من الأرض."
أما المزارع فهد العيسى (41 عامًا) من قرية الكرامة، فقد رأى في بيع جزء من أرضه خيارًا صعبًا ولكنه ضروري: "بعت نصف أرضي لتسديد ديوني. كانت صفقة مؤلمة، لكنني فضّلت استقرار عائلتي."
وعبّر ماجد النايف (28 عامًا) من قرية الكسرة عن مخاوفه من المستقبل بعد بيع جزء من أرضه الموروثة: "الضغوط المالية أجبرتني على بيع جزء من أرضي. إن لم يتم تقديم دعم قريب، لا أعلم ما الذي ينتظرنا."
استغلال التجار وغياب الدعم
يعود الجزء الأكبر من ديون المزارعين إلى تجار المستلزمات الزراعية، الذين يفرضون أسعارًا مرتفعة بسبب غياب الرقابة والدعم الحكومي. ويضطر المزارعون للشراء بالدين على أمل تعويض الخسائر، وهو ما لا يتحقق في كثير من الأحيان. وأوضح مصدر في لجنة الزراعة التابعة للإدارة الذاتية لـ"سوريا 24" أن الدعم المقدم للقطاع الزراعي محدود بسبب ضعف التمويل ونقص الموارد الفنية، مؤكدًا أن هناك محاولات لتطوير برامج مساعدة.
دعوات للتحرك العاجل
أشار المهندس الزراعي رائد السالم إلى أن تراكم الديون وغياب الدعم يحولان الزراعة إلى مشروع غير مجدٍ، قائلاً: "من الضروري توفير قنوات تمويل ميسّرة للمزارعين، ودعم فني مستدام، لضمان استمرارية الزراعة."
التداعيات الاجتماعية
لا تقتصر تداعيات الأزمة على الجانب الاقتصادي، بل تمتد إلى البعد الاجتماعي، حيث يؤدي فقدان الأرض إلى خسارة مصدر العيش، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، والهجرة، مما يهدد النسيج الاجتماعي.
الحاجة إلى تدخل فوري
في ظل تفاقم بيع الأراضي الزراعية في الرقة، هناك حاجة ملحة لتدخل فوري وفعال من الجهات المعنية، من خلال تبني سياسات دعم واضحة للقطاع الزراعي، وإعادة تنظيم سوق المستلزمات الزراعية، وخلق فرص تمويل منصفة تضمن بقاء الأرض بيد أصحابها، وحماية الأمن الغذائي والاجتماعي.