الخميس, 24 أبريل 2025 11:04 PM

ألمانيا أمام خيارات صعبة: هل تعود الطاقة النووية لحل أزمة الطاقة؟

ألمانيا أمام خيارات صعبة: هل تعود الطاقة النووية لحل أزمة الطاقة؟

شرحت مجلة دير شبيغل الألمانية للأطفال من قرائها الأسبوع الماضي حالاً ناشئاً، فكتبت: "مع عودة دونالد ترمب إلى رئاسة الولايات المتحدة، أصبح الشخص القوي والموثوق به في الملعب فجأةً غير قابل للتنبؤ". هكذا يشعر جزء كبير من الطبقة السياسية في ألمانيا. إن خيبة أملهم من الولايات المتحدة تقارب خيبة أملهم من روسيا، وهم يحرصون على تقليل الاعتماد على كليهما. لكن فيما تُبذل جهود ملحوظة لتعزيز القدرات الدفاعية الألمانية، لا توجد خطط مماثلة للحد من نقاط ضعف البلاد في مجال الطاقة، فتبقى ألمانيا تعتمد على الآخرين كما كانت دائماً.

تستورد ألمانيا ما يقرب من 70% من حاجاتها من الطاقة، وترتفع هذه النسبة فيما يخص الشطر المتعلق باستهلاكها من الغاز الطبيعي إلى 95%. إن هذا وضع خطر بالنسبة لثالث أكبر اقتصاد في العالم، والجميع يعلم ذلك. لذا موقف برلين التفاوضي ضعيف، سواء عند إبرام صفقات جديدة للغاز الطبيعي المسال مع البيت الأبيض الذي يضع أمريكا في المقام الأول، أو عند العودة إلى الغاز الروسي كما يطالب كثير من قادة الصناعة الألمانية. كلا المسارين مكلف ولا يجلب أي منهما مزيداً من الاستقلال الجيوسياسي والاقتصادي.

ستُتاح للحكومة الألمانية الجديدة فرصة فريدة للتحرك في هذا الشأن. فبعد أن منحت نفسها حزمة استثمارية ممولة بالديون للبنية التحتية بقيمة 500 مليار يورو (567.9 مليار دولار)، يُمكنها صياغة استراتيجية جديدة للطاقة من الصفر، تُنوّع مشترياتها وتُتيح فرصاً للشركات الناشئة والاستثمار. مع ذلك، فإن خطط الطاقة للائتلاف المقبل تُشبه في الواقع خطط أسلافه: الاعتماد على الغاز الطبيعي كـ"تقنية جسرية" إلى أن تُصبح مصادر الطاقة المتجددة مجدية كمزود ​​وحيد، وهذا أمر يشي بمخيلة ضحلة بقدر افتقاده إلى الحكمة.

هذه هي استراتيجية الطاقة الألمانية منذ أقرّت حكومة المستشار غيرهارد شرودر قانوناً في 2002 للتخلص التدريجي من الطاقة النووية، وقاد هذا القانون ألمانيا بثبات إلى اعتماد متزايد على الغاز المستورد والفحم المحلي. في عهد شرودر، وفّرت المفاعلات النووية نحو ثلث كهرباء ألمانيا، وسرّعت أنغيلا ميركل مخطط التخلص من المحطات النووية، وأكمل أولاف شولتز ذلك التخلص في 2023، مخالفاً الرأي العام في ظل أزمة طاقة حادة. الآن، تواصل ألمانيا إنتاج أكثر من خُمس حاجتها من الكهرباء عبر محطات تعمل على الفحم، وهذا ضعف المتوسط السائد في ​​الاتحاد الأوروبي.

أوجدت هذه الاستراتيجية المغلوطة حاجةً ملّحةً للغاز ذات عواقب وخيمة. قبل غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا، كانت ألمانيا تستورد 55% من وارداتها من الغاز من روسيا. لم تتوقف الحياة حين توقفت ألمانيا عن شراء الغاز عبر خطوط الأنابيب من موسكو في أغسطس 2022. لقد تمكنت البلاد من التحول إلى موردين آخرين، أبرزهم النرويج، التي استحوذت على ما يقرب من نصف واردات ألمانيا من الغاز العام الماضي، والولايات المتحدة، مصدر 91% من واردات الغاز الطبيعي المسال الوارد عبر الموانئ الألمانية، بالإضافة إلى 16.5% من إجمالي واردات الغاز للاتحاد الأوروبي. كما تضاعفت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي بأكثر من الضعف منذ عام 2021.

في حين حُلّت المشكلة المباشرة، ظهرت مشاكل جديدة. وكان هناك أيضاً ثمن باهظ. تدفع ​​الأسر الألمانية العادية فاتورة طاقة تفوق ما كانت تدفعه قبل الحرب في أوكرانيا بمقدار الثلث. لا تُقدّم معاهدة ائتلاف الحكومة الألمانية العتيدة أي إجابات جديدة على معضلة الطاقة. فيما يتعلق بالغاز، تخطط الإدارة الجديدة لبناء محطات جديدة، لكن الغموض مطلق حيال المشتريات، إذ اكتفت بأن تعد بأن تسعى إلى إبرام "اتفاقيات لتوريد الغاز مع موردي الغاز الدوليين". إن هذا يترك الباب مفتوحاً أمام العودة إلى الغاز الروسي، وهو ما دعا إليه ساسة كثر دون توضيح ما ستفعله ألمانيا بشكل مختلف لتجنب اعتماد خطير على موسكو.

أما فيما يتعلق بمصادر الطاقة المتجددة، فتعهدت بمزيد من التوسع المدعوم من الدولة، على أمل أن يتمكن القطاع في نهاية المطاف من الاعتماد على نفسه في السوق الحرة. ظهرت مخاطر هذه الاستراتيجية جلية خلال فترات انعدام الرياح وغياب نور الشمس العام الماضي، فتسبب الانخفاض المفاجئ في إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بارتفاع حاد في أسعار الجملة للكهرباء، بالإضافة إلى توترات مع دول أوروبية أخرى اجبرت ألمانيا فجأةً إلى استغلال إمداداتها المحلية الأكثر استقراراً من الطاقة، ما سبب نقصاً وارتفاعاً في الأسعار في أماكن أخرى من أوروبا. كما يُشكل استقرار الشبكة مصدر قلق متزايد، إذ تشكو شركات ألمانية عديدة من زيادة انقطاعات التيار الكهربائي القصيرة.

تُقرّ الحكومة الجديدة بأنّ الوضع الراهن غير مستدام، لذلك تُريد العودة إلى استخدام المزيد من الغاز كمصدر احتياطي رغم التكلفة والمخاطر الجيوسياسية المُرتبطة بذلك. مع قلة الموارد الطبيعية في ألمانيا، فإنّ النهج الأكثر منطقية هو السماح بالعودة إلى الطاقة النووية للمساعدة في التخلص التدريجي من الفحم بسرعة أكبر، بالإضافة إلى توفير إنتاج مستقر من الكهرباء المحلية لدعم السوق. أشار الخبراء إلى أنّ إعادة تشغيل بعض المفاعلات القديمة في ألمانيا قد يستغرق ما يصل إلى خمس سنوات، وقد يستغرق بناء محطات توليد جديدة ما يصل إلى 15 عاماً. قد يبدو هذا وقتاً طويلاً، لكن مع التقدم في الذكاء الاصطناعي وزيادة كهربة النقل، ستزداد حاجة ألمانيا إلى إمدادات كهرباء ثابتة بلا انبعاثات بدل أن تتناقص.

لهذا السبب، تستثمر شركات تقنية مثل ”جوجل“ في مفاعلات نووية صغيرة. ويمكن لألمانيا أن تفكر في ذلك بالتعاون مع دول مجاورة مثل فرنسا، التي تستمد معظم طاقتها من محطات الطاقة النووية، وبولندا، التي تبني حالياً هذا القطاع لديها من لا شيء. يتفهم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي المحافظ بزعامة المستشار الألماني القادم فريدريش ميرتز هذه الفرص من حيث المبدأ، وصرح في بيانه العام الماضي بأنه “لا يمكننا استبعاد خيار الطاقة النووية”.

يرجع سبب عدم ذكر ذلك في معاهدة الائتلاف إلى ضغوط من الشريك الأصغر في الائتلاف، الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) ذي التوجه اليساري الوسطي بزعامة شولتز وشرودر، والذي يتمتع بتقليد طويل من المشاعر المناهضة للطاقة النووية. بعدما وعد بعدم العمل مع حزب البديل لألمانيا المناهض للهجرة، فإن الحزب الاشتراكي الديمقراطي هو الشريك الائتلافي الوحيد القابل للتطبيق لميرتز، ما يسمح له بفرض سيطرته على الحزب الأكبر في عدة قضايا. المعضلة أمام ميرتز كبيرة، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الألمان يريدون عودة الطاقة النووية. لقد خُصص تمويل للاستثمار في أحدث جيل من المفاعلات، ما يوفر وظائف بأجور عالية وفرص استثمار طويلة الأجل وحافزاً للخبرات النووية للبقاء في البلاد بعد إغلاق آخر المفاعلات في 2023. لكن من الناحية السياسية، فإن ميرتز مقيد بنموذج طاقة ابتكره وتمسك به حزب حصل على 16.4% من الأصوات في فبراير.

بالنظر إلى سياسة الطاقة الألمانية على مدى ربع قرن مضى، يتبادر إلى الذهن قول مأثور: تكرار شيء مراراً مع انتظار أن تختلف النتيجة هو تعريف الجنون. إن الطريق لتحرير ألمانيا من تبعياتها الخارجية وأزمتها الداخلية لا يمكن أن يكون بتكرار الشيء نفسه. يدرك الناخبون الألمان هذا، ولهذا السبب اختارت غالبيتهم التغيير في صناديق الاقتراع. الآن هو الوقت المناسب كي ينصت الساسة. (asharqbusiness)

مشاركة المقال: