في ظل استمرار إسرائيل بمساعيها عبر مبعوثي الولايات المتحدة لإقناع دمشق بالسماح بفتح ما وصفته بـ "ممر إنساني" يبدأ من الحدود عند الجولان المحتل ويمتد إلى السويداء ومناطق سورية أخرى، هدد قائد منطقة الشمال أوري غوردين بمواصلة استخدام القوة والعدوانية تجاه سوريا، وخاصة المنطقة الجنوبية، بهدف "منع تنامي محور سني متطرف يشكل تهديداً على أمن إسرائيل وحدودها".
أوضح غوردين، الذي يقترب من إنهاء فترة ولايته كقائد لمنطقة الشمال، أن الجيش الإسرائيلي يواصل جهوده لمنع تطور أي تهديد على مختلف الجبهات، لا سيما الشمالية تجاه لبنان وسوريا.
ووفقاً لغوردين، يواصل الجيش تحركاته التي بدأها منذ انهيار نظام بشار الأسد للدفاع عن دروز سوريا، والسويداء تحديداً، مضيفاً: "على الرغم من أن إخواننا الدروز في إسرائيل يرون أن دعمنا جاء متأخراً، إلا أننا قمنا بالكثير من العمليات والتحركات لمنع إلحاق الضرر بدروز سوريا، والحقيقة أن السويداء بعيدة من هنا بصورة ملحوظة".
كما رأى أن إنجازات الجيش الإسرائيلي تجاه "حزب الله" في لبنان تنعكس أيضاً على الجبهة السورية، قائلاً: "لقد نجحنا في لبنان وسوريا في تحقيق إنجاز باهر بقطع المحور الشيعي بصورة كبيرة. هذا الأمر الجيد لا يجعل بالضرورة ميليشيات متطرفة أمراً جيداً من الجهة الأخرى، وهو ما يدفعنا إلى تكثيف نشاطاتنا تجاه سوريا بكثافة، ولكن في الوقت نفسه بحذر من ألا يتطور لدينا محور سني متطرف في هذه المنطقة يمكن أن يجلب تهديداً من نوع آخر باتجاه إسرائيل". وأكد أن "هذا يتطلب من إسرائيل كثيراً من العدوانية والحزم من أجل إبقاء هذا التهديد بعيداً، والأهم، أن يكون جنوب سوريا منزوع السلاح، وبالتأكيد من السلاح الثقيل".
في أعقاب التوتر والصدامات المستمرة بين الجيش الإسرائيلي وعناصر مقاتلة في جنوب سوريا بعد الأحداث العنيفة التي شهدتها السويداء، بحثت الأجهزة الأمنية بالتعاون مع القيادة العسكرية سبل استمرار "الدعم الإنساني"، كما تسميه إسرائيل، لدروز سوريا بأقل قدر ممكن من الاحتكاك داخل هذه المنطقة.
تم إعداد خطة لفتح "ممر إنساني" لنقل جميع متطلبات دروز السويداء من مساعدات إنسانية، بما في ذلك الدواء. وتتواصل إسرائيل منذ نحو شهر عبر طرف ثالث، وهو واشنطن، مع الحكومة السورية للسماح لها بفتح هذا الممر، لكن دمشق رفضت ذلك خشية استغلال الممر من قبل تنظيمات معادية للنظام لنقل أسلحة عبره، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين.
كان من المتوقع أن يبحث وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر هذا الأسبوع مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني والمبعوث الأميركي توم براك في باريس هذا المطلب مع جوانب أخرى، لكن اللقاء تأجل، وفقاً لمسؤول إسرائيلي كبير، لضرورة بلورة الوضع على هذه الجبهة بما يضمن موقفاً واضحاً لمختلف النقاط التي سبق وطرحت للنقاش وجرى تأجيلها في أعقاب أحداث السويداء.
يرى مراقبون أن فتح "الممر الإنساني" يشكل خطوة استيلاء جديدة على الأرض السورية، وتسعى إسرائيل من خلاله لتنفيذ مشروعها الجديد ضمن مشاريع أخرى تحت ذريعة التزام استمرار الدعم لدروز سوريا.
وبحسب سياسيين وعسكريين، تسعى حكومة بنيامين نتنياهو إلى إعادة بناء الثقة مع نظيرتها السورية، وهناك توقعات بأن يسهم الممر الإنساني من جهة في هذا الأمر، علاوة على الآمال المعقودة على لقاء ديرمر والشيباني، حيث تبذل الجهود لعقده الأسبوع المقبل، لدفع ترتيبات إضافية لتخفيف التوتر على هذه الجبهة التي شهدت تصعيداً أمنياً بعد الهجوم الذي تعرضت له السويداء، والمساهمة في تطبيع علاقات مستقبلية بين الطرفين.
كشف عسكريون عن أن إسرائيل بذلت جهوداً لنقل مساعدات إلى السويداء بواسطة الأردن، إلا أن الأخير رفض، مما دفع الجيش إلى إسقاط مساعدات من الجو، لكنها خطوة يرفض الجيش الاستمرار بها كما توصي أجهزة الأمن بعدم استخدامها لمنع احتكاك بين الجيش وعناصر سورية معادية.
تزامناً مع ذلك، وخلافاً لادعاءات الإسرائيليين بالعمل لتخفيف التوتر، يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته على الجبهة السورية ويركز نشاطه العسكري هناك، وذلك من خلال لواء غولاني بتنفيذ عمليات شبه يومية في جنوب سوريا تشمل اعتقالات بادعاء صلة العناصر الذين تقاتلهم بالإرهاب، كما يقوم اللواء بمصادرة أسلحة قتالية.
وهدد الجيش الإسرائيلي باستمرار هذه العمليات وتكثيفها بذريعة حماية أمن إسرائيل ومستوطنات الجولان، وهو ما يناقض كلياً جهود تخفيف التوتر على هذه الجبهة الشمالية وما يطلقه الإسرائيليون من تصريحات، خصوصاً هذه الأيام قبيل لقاء ديرمر والشيباني المتوقع قريباً.
في مقابل النقاش حول مدى أهمية استمرار الدعم للدروز، تسيطر على أبحاث الأمنيين تداعيات الوضع الداخلي في سوريا على إسرائيل لعدم وجود تنظيم واحد ونظام واحد، بل عدة تنظيمات وهي بمضمونها معادية لتل أبيب، كما أن نظام أحمد الشرع لا يقل خطورة عن هذه التنظيمات، وفق مسؤولين في حكومة نتنياهو.
ويقول المستشرق والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط حاييم غولدونفيتش إن المصلحة الإسرائيلية اليوم تتطلب الحفاظ على طرف مركزي واحد يسيطر على سوريا، مضيفاً: "الخطر اليوم أن الرئيس الشرع غير قادر على السيطرة على سوريا وهو بنفسه قال ذلك خصوصاً سيطرته على الفصائل المنتشرة في الجبال". ولفت إلى أن إسرائيل تدير اليوم مفاوضات بطريقة جيدة عبر أطراف أخرى للوصول إلى وقف إطلاق نار مع إمكان التطبيع مستقبلاً، لكنها حتى اليوم، "لم تحقق هذه الجهود نجاحاً، ومع هذا على إسرائيل أن تضع أمامها هدف الحفاظ على نظام الشرع، بغض النظر إذا نجحت الجهود في الاستمرار بدعم دروز سوريا، ففي نهاية الأمر هم ليسوا في إسرائيل وبعيدون منا، ونحن في حاجة أولاً ضمان مصلحة أمن إسرائيل وحدودها".
في حين تضع إسرائيل مسألة منع أي اعتداء على الدروز في سوريا ذريعة لتنفيذ أهدافها في السيطرة على سوريا، تحذر جهات أخرى من خطر التعامل مع نظام الشرع من منطلق ثقة.
وفي تصريحات إعلامية، حذر الباحث في شؤون الأقليات دولياً والأقلية الدرزية في الشرق الأوسط يعقوب حلبي من أن السكان في سوريا في خطر إبادة بعدما اتخذ الصراع طابعاً متطرفاً.
وقال إن الأحداث الأخيرة تضع الدروز في خطر إبادة جسدية حقيقية، فالأجواء العامة في سوريا التي سادت مع صعود الشرع إلى الحكم كانت أجواء نشوة، سرعان ما تحولت إلى أجواء كئيبة وقاسية لا تحتمل بالنسبة إلى الأقليات في سوريا.
وبحسب قوله، فإن "خشية الأقليات ليست فقط من سن قوانين الشريعة الأصولية، بل من الأيديولوجية المتطرفة السائدة بين الجماهير في سوريا، والتي تحرضهم ضد الأقليات، وبخاصة الدروز".
وعد حلبي التصريحات السياسية الإسرائيلية أسهمت في تفاقم الوضع، موضحاً أن "على إسرائيل أن توضح وتضغط على القيادة الدرزية في السويداء للتوصل إلى تفاهمات مع النظام الجديد. هذه القيادة رفضت المشاركة في مؤتمر عمان بسبب الغضب من المجزرة التي ارتكبها نظام الشرع ضد الدروز، لكن هذا الرفض من الدروز قد يجلب عليهم كارثة ومجزرة أخرى. على إسرائيل أن توضح لزعماء الدروز أنها تستطيع فقط أن تضمن إنشاء منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا، لكن فقط النظام يمكنه أن يضمن تنفيذ رفع الحصار عن السويداء، ووقف القتال مع البدو، وإعادة جميع المخطوفين بخاصة المخطوفات، وعودة الطلاب إلى الحرم الجامعي، وإعادة دمج الأقليات في حياة الدولة".
من ناحية أخرى، بادر الوزير الإسرائيلي السابق الدرزي أيوب قرا إلى حملة دولية ضد أحمد الشرع معلناً رفع دعوى قضائية في ألمانيا ضد الرئيس السوري.
وبحسب قرا، فإنه "بعد تحقيقات قانونية في دول أوروبية مختلفة ومنظمات حقوق الإنسان، بما فيها محكمة العدل الدولية في لاهاي، قررنا رفع دعوى قضائية قريباً في ألمانيا ضد الشرع وعصابته الإرهابية على جرائم الحرب التي ارتكبوها في السويداء، وضد الشعب السوري الذي يقدس الحياة لا الموت. كما سنبذل قصارى جهدنا لاستبدال زعيم سوري سني يؤمن بالحرية والديمقراطية بالشرع في أقرب وقت ممكن".
اندبندت عربية