السبت, 9 أغسطس 2025 05:50 AM

الإخوان المسلمون تدعو لدولة مدنية وانتخابات في سوريا: هل تتصدع الأحزاب الإسلامية؟

الإخوان المسلمون تدعو لدولة مدنية وانتخابات في سوريا: هل تتصدع الأحزاب الإسلامية؟

في خطوة لافتة للنظر، يُنظر إليها على أنها محاولة لإعادة التموضع في المشهد السياسي السوري الجديد، أصدر مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين بيانًا يوضح موقفه من المرحلة الانتقالية، داعيًا إلى بناء دولة مدنية حديثة بمرجعية إسلامية وسطية. هذه الخطوة تعيد طرح التساؤلات حول هوية ومستقبل التيارات الإسلامية في سوريا.

يأتي هذا البيان في وقت تشهد فيه العلاقات بين التيارات الإسلامية توترًا متزايدًا، خاصة بين الجماعة والسلطة القائمة، مما يثير تساؤلات جوهرية حول ما إذا كان هذا الموقف يمثل انفصالًا تدريجيًا عن النهج الحالي، أو مجرد تكتيك لإعادة التموضع قبل تهميش الجماعة نهائيًا.

أكد المجلس على وحدة الأراضي السورية، ورفض أي تغيير ديموغرافي، وشدد على ضرورة تمتع جميع المكونات بحقوق المواطنة الكاملة. وأعلنت الجماعة أنها ستكون "داعمًا ناصحًا أمينًا" لعملية بناء الدولة المدنية الحديثة، مؤكدة أن نجاح الثورة يتطلب سد الثغرات وتحقيق التوازن بين المبادئ والواقع السياسي.

كما أكد المجلس على أن العدالة الانتقالية شرط أساسي للسلم الأهلي والاستقرار، ودعا إلى إشراك جميع المكونات السورية في بناء الدولة ضمن برنامج سياسي تعددي، ينتهي بانتخابات نيابية حرة ونزيهة. وشدد البيان على ضرورة تبني خطاب العيش المشترك، والابتعاد عن التحريض الطائفي، والدعوة إلى إعادة بناء جسور الثقة عبر ثقافة مشتركة تعزز السلم الأهلي.

أشاد البيان بـ"السوريين الواعين" الذين رفضوا الانجرار إلى الفتنة الطائفية، وحذر من استخدام "حماية الأقليات" كذريعة للتدخلات الخارجية. وأعلن المجلس أنه أقر وثيقة تعكس رؤية الجماعة للعيش المشترك، تتضمن مبادئ ضامنة للسلم الاجتماعي، دون المساس بالهوية والتاريخ السوري.

أكد البيان على "الاستقلال الوطني للجماعة، وسياستها الإسلامية الوسطية"، مع إدانة "العدوان الإسرائيلي المستمر على سوريا"، وتحذير من محاولات إيران "العبث باستقرار البلاد" ودعمها لفلول النظام السابق.

وجه المجلس الشكر لتركيا وقطر والسعودية والأردن على دعمها الإنساني والسياسي للشعب السوري، في خطوة يُنظر إليها على أنها محاولة لكسب شرعية إقليمية وتوسيع دائرة التحالفات.

قال مراقبون وسياسيون لـ"يورونيوز" إن البيان "حمّال أوجه" ويحمل دلالات متعددة، ولا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق السياسي الدقيق الذي تمر به سوريا اليوم. وأشار أحد المراقبين إلى أن "التركيز على مصطلح الدولة المدنية والتعددية السياسية والانتخابات الحرة يأتي في وقت لم تُجرَ فيه أي استشارات وطنية حقيقية حول مستقبل النظام السياسي، بل على العكس، تم تشكيل هيئات برلمانية من قبل الجهة الحاكمة دون تمثيل حقيقي لقوى المعارضة أو التيارات السياسية الأخرى".

وتساءل: "كيف تؤيد الجماعة التعددية والانتخابات الحرة، بينما البرلمان تم تشكيله بقرار مركزي؟ أليس هذا تناقضًا صريحًا؟" وأضاف: "التحية المفرطة للدول الداعمة، خصوصًا تركيا وقطر والسعودية، تُقرأ على أنها محاولة لكسب الشرعية الدولية، وربما تمهيد لدور مستقبلي في المشهد السياسي، لكن التاريخ القريب يُظهر أن الإخوان المسلمين والسلطة الحالية يشتركون في جذور أيديولوجية وتنظيمية مشتركة، ما يجعل مصداقيتهم كـ'بديل' مشكوكًا فيها".

التوقيت، بحسب المراقبين، هو العامل الأبرز الذي يثير الشكوك. فإطلاق بيان بهذا الحجم، وبهذه الصيغة، يأتي بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق، ما يوحي بأن هناك تنسيقًا غير معلن، أو على الأقل رغبة في إرسال رسائل متعددة الأهداف: للداخل، للإقليم، وللشريك التركي.

وأوضح أحد المحللين: "السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا الآن؟ هل لأن الجماعة شعرت بانحسار نفوذها؟ أم لأنها تسعى لإعادة التموقع قبل أن تُهمش نهائيًا؟" وأضاف: "قد يكون هذا البيان محاولة للانسلاخ عن الصورة النمطية للإخوان، أو حتى 'تبييض الصفحة'، والظهور كطرف مسؤول وواعٍ، في مواجهة سلطة يُراد تصويرها على أنها تنهار من الداخل. لكن هل يُصدق السوريون أن هناك فرقًا جوهريًا بين هذا الطرف وتلك السلطة، خصوصًا في المنهج والرؤية؟".

ورغم أن البيان لم يُصدر أي انتقاد مباشر للسلطة القائمة، ولا تضمن أي تباين فقهي أو سياسي صريح مع رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، إلا أن صيغته، وتوقيته، وطبيعة التحالفات التي رسمها، تفتح الباب أمام قراءات متعددة. فهل هو مجرد محاولة لكسب الوقت، كما يرى البعض؟ أم بداية لانفصال تدريجي بين التيارات الإسلامية في المشهد السوري؟ أم أن "السلطة" باتت أهم من "الدين" في أولويات الجماعة، كما يُفهم من محاولة التماهي مع الواقع السياسي القائم دون تغيير جوهري في الخطاب؟

(EURONEWS)

مشاركة المقال: