نعيش في عالم كلّ ما حولنا فيه معطَر، من العطر إلى الشموع، ومنتجات التنظيف إلى مستحضرات التجميل والصابون والعناية الشخصية وغيرها، من مواد سامة مصنَّعة نستنشقها ونمتصها. هل فكرت يوما الى اي مدى هذه الروائح تضر بك تدخل بنفسك وببشرتك؟ إذ تُساهم المواد الكيميائية المُستخدمة في العطور، إلى جانب مُركّبات كيميائية أخرى موجودة في حياتنا اليومية، في ظهور أمراض خطيرة مثل أمراض القلب والربو والسرطان.
أفادت دراسة أجراها مركز أبحاث منتجات العناية الشخصية بعنوان ” Right to Know: Exposing Toxic Fragrance Chemicals in Beauty, Personal Care and Cleaning Products” على علامات تجارية لمنتجات العناية الشخصية والتنظيف، أن ثلاثة أرباع المواد الكيميائية السامة التي اكتُشفت في اختبارٍ لـ 140 منتجاً مصدرها العطور. وارتبطت المواد الكيميائية التي تم تحديدها بمشاكل صحية مزمنة، بما في ذلك السرطان.
وإلى جانب التأثيرات السلبية الشائعة للعطور، حيث يُبلّغ حوالي 35 في المئة من الناس عن صداع نصفي أو مشاكل تنفسية بسبب العطور بحسب دراسة بعنوان ” Fragranced consumer products: exposures and effects from emissions”، هناك مخاوف أكثر جدية. إذ يفيد تقرير صادر عن منظمة WVE بعنوان ” Unpacking the Fragrance Industry: Policy Failures, the Trade Secret Myth and Public Health”، أنّه وُصفت أكثر من 1200 مادة كيميائية عطرية مستخدمة حالياً بأنها “مواد كيميائية مثيرة للقلق” محتمَلة أو معروفة. وتشمل هذه المواد 7 مواد مسرطنة، و15 مادة كيميائية محظور استخدامها في مستحضرات التجميل في الاتحاد الأوروبي، وأخرى مدرَجة في قوائم تحذير دولية مختلفة.
وفي حديثها لصحيفة “واشنطن بوست”، تقول أستاذة علم الأدوية والسموم في جامعة تكساس في أوستن، والتي تدير مختبراً يدرس آثار المواد الكيميائية المُعطِّلة للغدد الصماء، لأندريا غور، أنّ الأضرار واضحة بما يكفي لتنصح الجميع بمحاولة تقليل تعرّضهم لهذه المواد، وخاصةً الآباء والأمهات الذين يُنشئون أسراً وأولئك الذين لديهم أطفال صغار، وتوصي بتجنّب العطور المضافة، واللوشن والشامبو المُعطَّر، وحتى المنظفات المُعطَّرة ومضادات التعرق.
وخلُصت دراسة بعنوان “Do Synthetic Fragrances in Personal Care and Household Products Impact Indoor Air Quality and Pose Health Risks؟”، إلى أنّ على الرغم من الآثار المفيدة للعطور والزيوت العطرية، إلا أنها قد تُلحق الضرر بصحة الإنسان، لا سيما لدى الفئات السكانية الحساسة. فالعطور وبعض مكونات التركيبات هي مركبات عضوية متطايرة، يُمكن أن تؤثر، وفقًا لتكرارها وكمية استخدامها ودرجة تبخرها وانتشارها، على جودة الهواء الداخلي.
وفيما الجميع تقريباً يتعرض لمواد العطور الكيميائية يومياً، إلّا أنّ النساء يتحملن عبءاً جسدياً أكبر، ويرجع ذلك أساساً إلى منتجات التجميل ومستحضرات التجميل التي تمتصها البشرة.
وتقول ألكسندرا سكرانتون، مديرة العلوم والبحوث في منظمة “أصوات النساء من أجل الأرض” (WVE)، في حديث لصحيفة “ذا غارديان”، أنّ “هناك مواد كيميائية في العطور تُسبب السرطان وتأثر على الإنجاب، وقد علمنا ذلك من الدراسات التي أُجريت على الحيوانات”.
ما هي هذه المواد الضارة؟
– الفتالات: موجودة في العطور الرائجة، وطلاء الأظافر، ومنتجات العناية بالشعر، ورُبطت بالعديد من الآثار الصحية الضارة، ومقاومة الأنسولين، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وضعف النمو العصبي. وجدت دراسة بعنوان ” Association of Exposure to Endocrine-Disrupting Chemicals During Adolescence With Attention-Deficit/Hyperactivity Disorder–Related Behaviors”، أنّ ارتفاع تركيزات الفثالات في البول من منتجات العناية الشخصية يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمشاكل فرط النشاط بنسبة 25 في المئة بين المراهقين.
– البارابين: مثل الميثيل، وبروبيل بوتيل، وإيثيل بارابين، التي تعمل كمواد حافظة في العطور، والشامبو، ومزيلات العرق، ومستحضرات التجميل، وتستخدم كمبيدات للفطريات والبكتيريا.
– المسك الصناعي، الذي يحاكي الهرمونات الطبيعية، مما يؤدي إلى تعطيل العمليات الغدد الصماء والبيولوجية الطبيعية.
مواد مُعطِّلة للغدد الصماء!
يتكون جهازنا الصماء من عدة غدد، منها الغدة الدرقية والغدة النخامية، تُنتج الهرمونات وتُنظِّمها، مُنظِّمةً كل شيء من النمو إلى التكاثر. توجد المواد الكيميائية المُعطِّلة للغدد الصماء، في المنتجات اليومية، ويمكنها أن تُحاكي هرمونات الجسم وتتداخل معها.
وفقاً لجمعية الغدد الصماء، قد تكون مئات المواد الكيميائية مُعطِّلة للغدد الصماء، إن لم يكن أكثر. وتُعتبر PFAS مجموعة معروفة من المواد الكيميائية التي تُعتبر مُعطِّلة للغدد الصماء، بينما توجد مواد أخرى، مثل الفتالات والباربين.
كيف تقلّل تعرّضك لهذه المواد؟
– قم بالتغيير قدر المستطاع في منتجات التجميل التي تستخدمها، وقلّل من استهلاك الأطعمة المعلبة والأطعمة فائقة المعالجة وتجنّب تسخين الأطعمة أو المشروبات في البلاستيك.
– استخدم منتجات خالية من الفتالات والباربين والعطور الاصطناعية.
– اختر عطوراً طبيعية.
– جرب عطر عضوي.
– استخدم مزيل عرق فعالاً وخالياً من السموم.
– لتنظيف منزلك، استبدل منتجات التنظيف التقليدية بمكونات تنظيف غير سامة مثل صودا الخبز، والخل، وعصير الليمون، والزيوت العطرية.
– لهواء نقي ومنعش في المنزل، افتح النافذة، ثم استخدم بخاخاً مصنوعاً من مكونات نقية وطبيعية مثل الزهور المجففة وإضافة بعض الحمضيات العضوية والتوابل الكاملة عليها، أو استخدم الزيوت العطرية العضوية باستخدام جهاز نشر أو رذاذ.