الثلاثاء, 29 أبريل 2025 10:27 PM

الموت يتربص على ضفاف الفرات: عبارات الموت الخيار الوحيد لأهالي دير الزور بعد تدمير الجسور

الموت يتربص على ضفاف الفرات: عبارات الموت الخيار الوحيد لأهالي دير الزور بعد تدمير الجسور

علي البكيع – دير الزور

على امتداد نهر الفرات في مدينة البوكمال بشرقي دير الزور، شرقي سوريا، تتصاعد أصوات السكان المبحوحة، لتختلط بصدى كوابيس الغرق التي تطاردهم ليلًا ونهارًا. ثماني سنوات عجاف مرّت منذ أن أصاب الشلل شريان حياتهم الوحيد بعد انهيار الجسر الذي كان يربط ضفتي دير الزور، الجزيرة (شرقي نهر الفرات) والشامية (غربي نهر الفرات). اليوم، تحول هذا المعبر الحيوي إلى رمز لمعاناة يومية، حيث تستنزفهم العبارات البديلة بأثمانها الباهظة وحوادثها المروعة، وتزيد من عزلتهم عن العالم الخارجي.

غرقى في النهر

يقول يعقوب الحماد، من قرية السكرية بريف البوكمال، لنورث برس، إنه كان شاهدًا على فاجعة غرق سفينة قضى ثلاثة أشخاص على متنها. ويضيف: “وفي حادثة أخرى، فقدنا سبعة آخرين في مياه النهر القاتلة، حتى سياراتنا مُنعت من العبور، وأصبح الوصول إلى أبسط الضروريات، كالمستشفيات والأطباء، رحلة عذاب محفوفة بالمخاطر. نعيش على وقع خوف دائم، لا نعلم متى نكون الضحايا القادمين في هذا النهر الغادر”.

فيما يطالب خالد محمد العلي، بصوت يغلبه الأسى بصيانة الجسر، ويقول: “هو ليس مجرد معبر، بل هو صلة الوصل الوحيدة التي تربط أوصال هذه المنطقة”. ويضيف: “بغيابه، تتوقف الحياة، خاصة في الحالات الإنسانية والإسعافية التي لا تحتمل التأخير. أما العبارات (سفن صغيرة للنقل) إنها حل مرّ، وأحيانًا قاتل. أتذكر تلك السيارة التي انقلبت في الماء، وكيف فقدت ابن خالي أمام عينيّ في لحظة مروعة”.

فيما يرسم أبو محمد، من ريف البوكمال، صورة قاتمة للعزلة المفروضة على السكان، قائلاً: “نعاني الأمرين بسبب انقطاع الجسر، حتى نقل  موتانا أصبح رحلة شاقة ومذلة”. ويضيف أن “السفن الصغيرة لا تتسع لعدد المعزين، ويُمنع عبورنا إلا بأعداد قليلة. نطالب بحقنا الإنساني في جسر آمن… لم نطلب معجزة، بل حقًا بسيطًا يضمن كرامتنا وأمننا”.

جزيرتان منفصلتان

يقول إبراهيم الخليل، من سكان بلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي، لنورث برس، إنه في الليل يصبح المرض خطرًا مضاعفًا مع إغلاق المعبر. ويضيف أن “الجسر الوحيد البديل يبعد عنا مسافات طويلة (..) لا تتركونا نواجه مصيرنا وحدنا”.

ومع حلول الظلام، يزداد شعور سكان البوكمال بالعزلة، حيث إغلاق المعبر في ساعات الليل يحول ضفتي النهر إلى جزيرتين منفصلتين، ويضاعف من خطر الحالات الطارئة التي تستدعي نقل المرضى إلى المستشفيات البعيدة عبر طرق بديلة تستغرق ساعات، وقد تكلف حياة إنسان.

فيما تزيد تكاليف العبور المرهقة عبر العبارات من أعباء الحياة على كاهل السكان المثقلين أصلًا بالظروف الاقتصادية الصعبة، فالكثيرون منهم لا يملكون المال الكافي لدفع أجرة العبور المتزايدة، ليجدوا أنفسهم محاصرين بين ضفتي النهر، محرومين من الوصول إلى أبسط مقومات الحياة.

وبدأت المعابر النهرية بالظهور بشكل أكبر على ضفتي نهر الفرات بمحافظة دير الزور كبديل عن الجسور المدمرة التي كانت تربط منطقة “الشامية” بـ”الجزيرة”، إذ تعرضت ستة جسور على الأقل لغارات جوية قيل إنها لطائرات روسية وطائرات التحالف الدولي، أثناء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مساحات واسعة في دير الزور.

وأواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلنت الإدارة الذاتية بمقاطعة دير الزور عن البدء بمشروع إعادة تأهيل الجسر “الحربي” الذي يربط بين ضفتي نهر الفرات. ويقع الجسر بين بلدة الحسينية ومدينة دير الزور، وهو واحد من بين 3 جسور تربط شرق الفرات وغربه في المدينة.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: