يشهد ملف عقوبات "قيصر" المفروضة على سوريا منذ عام 2020، جدلاً واسعاً وتحولات في المواقف بين الأطراف السورية المختلفة. فبينما تسعى بعض الجهات إلى رفع العقوبات بشكل نهائي، تضغط أطراف أخرى لإبقائها، في ظل مساعي الحكومة السورية لرفع قانون "قيصر" بشكل كامل.
في هذا السياق، تبرز جهود منظمات الجالية السورية في أمريكا، مثل "المجلس السوري- الأمريكي"، التي تطالب برفع العقوبات بشكل كامل. في المقابل، تعمل "رابطة العلويين" في الولايات المتحدة على إبقاء العقوبات، مبررة ذلك بضرورة "ضمان المساءلة وحماية حقوق الإنسان في سوريا".
تسلط عنب بلدي الضوء على هذا التناقض، وتستعرض الجهود المبذولة لرفع عقوبات "قيصر" والجهود المضادة لإبقائها، خاصة في ظل الانفتاح والدعم الأمريكيين لسوريا، والذي تجسد في لقاءات ثنائية بين الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ووزيري خارجية البلدين.
تعديلات "غراهام"
في 15 أيلول الماضي، قدم عضوا الكونجرس الأمريكي ليندسي غراهام وكريس فان هولن تعديلًا على قرار تعليق قانون عقوبات "قيصر" على سوريا. وبحسب موقع الكونجرس الأمريكي، ينص تعديل غراهام على أن "التعليق لن يكون مطلقًا"، بل مشروطًا بالتزامات صارمة تُفرض على الحكومة الانتقالية وتُتابع دوريًا. وتشمل هذه الالتزامات:
- الانضمام رسميًا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة".
- الالتزام بمحاربة "الإرهاب"، وحماية حقوق المكونات الدينية والإثنية وضمان مشاركتها السياسية.
- الحفاظ على علاقات سلمية مع دول المنطقة بما فيها إسرائيل.
- وقف دعم أو إيواء التنظيمات المصنفة "إرهابية".
- إخراج المقاتلين الأجانب من مؤسسات الدولة والأمن.
- محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات منذ كانون الأول 2024، ولا سيما بحق المكونات الدينية.
يقترح التعديل أن يرفع الرئيس الأمريكي تقريرًا إلى الكونجرس كل 120 يومًا لتقييم مدى التزام دمشق بالشروط. وفي حال الإخفاق مرتين متتاليتين، تُعاد العقوبات تلقائيًا وتبقى سارية.
في 22 أيلول الماضي، أرسلت "رابطة العلويين" في الولايات المتحدة رسالة إلى عضوي الكونجرس غراهام وفان هولن، أعربت فيها عن دعمها القوي للتعديل، معتبرة أنه خطوة أساسية لضمان المساءلة وحماية حقوق الإنسان في سوريا، من خلال ربط قانون "قيصر" بالتزامات يمكن التحقق منها من قبل الحكومة السورية. وأكدت "الرابطة" أن مهمتها هي "الدعوة لحماية حقوق وكرامة الأقلية العرقية والدينية العلوية في سوريا"، مشيرة إلى أنها واجهت "الاضطهاد والتمييز" طوال فترة الصراع في سوريا.
عضو "المجلس السوري- الأمريكي" علاء غانم، علّق على الرسالة عبر حسابه بمنصة "إكس"، في 1 تشرين الأول الحالي، واصفًا "الرابطة" بأنها "لوبي لا لمساعدة السوريين بل لإبقاء العقوبات عليهم". وأشار إلى أن المادة الأصلية التي طرحها المشرّعان، والتي تدعمها "رابطة العلويين"، "تؤبّدُ (قيصر)"، بمعنى أنها لو أجيزت لبقيت عقوبات "قيصر" للأبد.
تواصلت عنب بلدي مع رئيس "رابطة العلويين" في الولايات المتحدة، مرهف إبراهيم، للتعليق على الرسالة وسبب دعم إبقاء العقوبات، لكنه امتنع عن الرد.
تأسست "رابطة العلويين في الولايات المتحدة" في 1 شباط الماضي، وتقول إن رسالتها هي "الدفاع عن الأقلية العرقية والدينية العلوية السورية، وصون كرامتها وحقوقها".
يرى رئيس "الرابطة"، مرهف إبراهيم، أن فكرة تأسيس الرابطة جاءت بعد موجة طائفية استهدفت أبناء الطائفة العلوية داخل سوريا وفي المهجر، عقب سقوط نظام الأسد، الذي عمل على سحق أي تمثيل مستقل للعلويين في الداخل والخارج.
عراقيل بوجه رفع "قيصر"
يرى عضو مجلس إدارة "المجلس السوري- الأمريكي" زكي لبابيدي أن "رابطة العلويين" ليست العقبة الأساسية أمام رفع عقوبات قانون "قيصر". ويعتبر لبابيدي أن "رابطة العلويين" مؤسسة حديثة وليس لها نفوذ في واشنطن، كما أنها لا تملك أصدقاء في مجلسي الشيوخ والنواب.
ويؤكد لبابيدي أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والبيت الأبيض يريدون رفع العقوبات ويضغطون في هذا الاتجاه، معتبراً أن التوازنات السياسية في الولايات المتحدة ستحدد رفع العقوبات من عدمه.
في 13 أيار الماضي، نقلت صحيفة "العربي الجديد" القطرية عن مصدر مطلع قوله، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طلب خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، في نيسان الماضي، من الرئيس دونالد ترامب، إبقاء العقوبات الأمريكية على سوريا، وعدم دعم الاستقرار في سوريا، مرجعًا ذلك إلى تخوّفه من "تكرار ما حدث في 7 أكتوبر 2023".
في بيان نُشر في 15 أيار الماضي على صفحة "رابطة العلويين" في "فيسبوك"، رفضت "الرابطة" جميع أشكال التعصب والكراهية، بما في ذلك "معاداة السامية"، وقالت إنها "تدرك الأثر الكارثي الذي تسببت به التنظيمات المتطرفة والجهادية في المنطقة".
فسر لبابيدي بيان "الرابطة" على أنه استغلال من قبلها لنيل دعم إسرائيلي، معتبراً أن هذا يدل على "خيانة هذه الرابطة لبلدها، في الوقت الذي تضرب إسرائيل سوريا".
جهود حكومية
طالب الرئيس السوري، أحمد الشرع، خلال كلمته في الجمعية العامة بالأمم المتحدة، في 24 أيلول الماضي، برفع العقوبات بشكل كامل حتى "لا تكون أداة لتكبيل الشعب السوري ومصادرة حريته من جديد".
المستشار السابق في الخارجية الأمريكية، حازم الغبرا، قال في وقت سابق، إنه لا عودة إلى العقوبات وخصوصًا قانون "قيصر"، إذ إن هذا الأمر جرى طيّه من قبل الكونجرس الأمريكي، وأصبح منوطًا بوزارة الخارجية.