الإثنين, 21 يوليو 2025 02:14 AM

تجار دمشق وحلب يعترضون على لجنة "الفروغ" ويخشون تغييرات قانونية تهدد استثماراتهم

تجار دمشق وحلب يعترضون على لجنة "الفروغ" ويخشون تغييرات قانونية تهدد استثماراتهم

عنب بلدي | وسيم العدوي – محمد ديب

أثار إعلان وزارة العدل في 12 من حزيران الماضي، عن "تشكيل لجنة مختصة من القضاة والمحامين لدراسة الصكوك التشريعية والتعليمات النافذة المتعلقة بعقود الإيجار ذات التمديد الحكمي" (الإيجارات القديمة)، استياءً واسعًا بين التجار في مدينتي دمشق وحلب.

وقد احتج عدد من التجار أمام غرفتي التجارة في المدينتين، معربين عن مخاوفهم من تغييرات قانونية قد تؤثر على عقود قديمة جرت بموجب فروغ أو هبة، أو تلزمهم بدفع بدلات رجعية تفوق إمكانياتهم. في المقابل، رأى أصحاب العقارات الخاضعة للتمديد الحكمي أن اللجنة قد تنصفهم في رفع قيمة بدل الاستثمار السنوي.

رسالة من التجار لوزير العدل

وجه رئيس غرفة تجارة دمشق، عصام زهير الغريواتي، في 6 من تموز الحالي، رسالة باسم تجار دمشق إلى وزير العدل السوري، مظهر الويس، (حصلت عنب بلدي على نسخة منها) يعبر فيها التجار عن رفضهم لما وصفوه بـ"إضاعة حقوقهم وتجويع أطفالهم وأسرهم، هذه الحقوق التي مضى عليها عشرات السنين ولم يتم غصب أحد على التنازل عنها". وأكدوا أن "هرطقة إلغاء علاقة الفروغ بين مالك العين العقارية ومالك المتجر يجب أن تنتهي".

وأشار التجار إلى أن للمتاجر قيودًا في السجلات المالية كما للعقارات قيودًا في السجل العقاري، موضحين أن "لم يتنازل أحد يومًا عن عقاره هبة أو زكاة بل قبض عدًا ونقدًا بدل الفروغ، والذي تجاوز أحيانًا القيمة الحقيقية للعقار، كما أن التجار لم يتوجهوا إلى الدوائر المالية جبرًا أو غصبًا للتنازل عن حق الفروغ بالمحال التجارية بل توجهوا بكامل إرادتهم وأهليتهم وأقروا بهذا التنازل أمام الدوائر المالية".

مخاوف من إلغاء قانون الإيجار

عبر تجار دمشق في رسالتهم الموجهة لوزير العدل عن مخاوفهم من أن تقوم اللجنة المكلفة من قبل وزارة العدل لدراسة تعديل قانون الإيجار بإلغاء هذا القانون، مما قد يخلق واقعًا قانونيًا خطيرًا، معتبرين أن ذلك "سيضر بالاقتصاد الوطني ويخلق أزمة مجتمعية نهايتها كارثية".

وبحسب تجار دمشق، يقدّر عدد المحال التجارية الخاضعة للتمديد الحكمي في دمشق وحلب بمئات الآلاف، ويعتمد عليها ملايين المواطنين السوريين في كسب رزقهم، متسائلين: "هل سيرمى هؤلاء في عرض الشارع؟".

وطالب التجار وزير العدل بـ"إنهاء عمل اللجنة، ووقف النقاش البيزنطي حول قضية الفروغ والمتاجر، والبحث عن حل عادل بهدوء وروية ولو طال الزمن لأن القرار المتعجل نهايته وخيمة".

كما طلبت غرفة تجارة دمشق من وزارة العدل إضافة ممثل عنها للمشاركة في دراسة الموضوع من جميع جوانبه وإيجاد الحلول العادلة للجميع.

الفروغ التجاري عقد إيجار طويل الأمد

إبراهيم فتال، صاحب محل في جادة الخندق بحلب، أوضح أن القلق يكمن في إمكانية فرض ضرائب باهظة على عقارات استُثمرت بعقود رسمية، مشيرًا إلى أن معظم المستثمرين "لا يملكون عقود تمليك بل إيجارات طويلة الأمد"، وأن أي تعديل قانوني غامض "قد يستغل للابتزاز أو يزيد الأعباء المالية على الشاغلين".

واعترض فتال على تشكيل اللجنة من وزارة العدل دون إشراك ممثلين عن التجار المستثمرين للمحال التجارية، معتبرًا أن ذلك "يهدد استقرار السوق ويفتح باب نزاعات قد تُفقدهم محالهم".

وأشار إلى أن العديد من تجار أسواق حلب القديمة، كسوق "جادة الخندق" و"المدينة" وحتى حي الجميلية، يعتمدون على عقود تعود للسبعينيات والثمانينيات، وقد أنفقوا مبالغ كبيرة على ترميم المحال وسط ظروف حرب وخسائر كبيرة. وأكد أن أي تعديل مفاجئ قد يصب في مصلحة المالك فقط، دون توفير بدائل للمستأجرين الذين بنوا أعمالهم في تلك المحال عبر عقود، مطالبًا بإشراك التجار في نقاشات القانون وضمان انتقال قانوني "يراعي ما مر به القطاع من انهيارات".

مالكو المحال: الإيجار السنوي زهيد جدًا

في المقابل، قال محمد الآغا، مالك أحد المحال المؤجرة في البزورية بدمشق، إن والده قام منذ أكثر من 30 عامًا بمنح حق الفروغ لأحد التجار بنسبة 80% من قيمة المحل مع إبقاء نسبة 20% مقابل إيجار سنوي لا يتجاوز المليون ليرة، معتبرًا أن المبلغ زهيد جدًا مقارنة بإيجار محل تجاري في الأرياف.

ورأى أن تعديل قانون الإيجارات القديمة يمكن أن يحقق العدالة بين صاحب الحق بالفروغ ومالك العقار، لجهة زيادة بدل الإيجار السنوي، ولكنه أضاف أيضًا أن تعديل القانون بحيث يتم فسخ العلاقة الإيجارية بين الطرفين فيه ظلم كبير لصاحب الحق بالفروغ ولا سيما أنه دفع ما بين 70 إلى 90% من قيمة العقار المؤجر.

وظهرت مخاوف مشابهة، لكن من زاوية تتعلق بالعرف وترتبط بالفروغ التجاري، إذ اعتبر هشام عمار، أحد تجار سوق الحميدية، أن الفروغ يمثل "حقًا مكتسبًا" قائمًا على عرف ممتد منذ أكثر من قرن، حين كان أصحاب المحال يبيعونها مع احتفاظهم بالاسم في "الطابو"، مقابل إيجار رمزي دوري.

ومع تطور النظام القانوني، اعترفت الدوائر الرسمية بهذا النموذج، إذ باتت عمليات التنازل تسجل في المالية ويصرح بها كبيع وشراء، ما جعل الفروغ يعامل كملكية تجارية لها قيمة سوقية.

تجار: تجديد العقود مع الورثة أمر صعب

أشار التاجر عمار إلى أن تعقيدات الواقع القانوني تتجاوز العقود القديمة، إذ إن كثيرًا من المحال تعود ملكيتها الورقية لعشرات الورثة، ما يجعل التواصل معهم أو تجديد العقود أمرًا صعبًا، خصوصًا أن بعض الورثة يرفض البيع ويكتفي بالإيجار الرمزي.

وأوضح وجود خلط قانوني بين الإيجار السكني القديم المحكوم بقوانين التمديد، والفروغ التجاري، الذي يعتبره التجار "بيعًا موثقًا" لا يحق فسخه بسهولة، معتبرًا أن هذا الخلط هو ما دفع غرفة تجارة دمشق للتحرك، خشية أن يعامل الفروغ معاملة الإيجار السكني، ويهدد استقرار السوق ويفقد الناس ما يعتبرونه ملكيات موروثة.

وتناول عمار التحولات القانونية بعد عام 2015، والتي زادت المخاوف من استثمار الفروغ سياسيًا، وأشار إلى تشريع صدر حينها يمنح مالك الرقبة 10% من ثمن الفروغ عند بيعه، ما أدى إلى نشاط في سوق السمسرة العقارية، إذ بدأت بعض المكاتب بشراء حصص من ملكيات الرقبة لتقاضي النسبة لاحقًا، ما حوّل الفروغ إلى مصدر ربح غير تقليدي.

ويرى أن أي تشريع لا يراعي خصوصية الفروغ التجاري سيعد "اعتداء على ملكية عرفية قائمة ومثبتة"، ويهدد مصدر رزق آلاف العائلات، مشددًا على أن المسألة لا تقتصر على الجانب القانوني بل تتصل بـ"عدالة السوق واستقرار العلاقات التجارية".

قانون الإيجارات عام 1949 جائر

في السياق ذاته، اعتبر مفتي حلب، الشيخ إبراهيم شاشو، أن القضية المطروحة "معقدة ولا تحل بالقضاء حاليًا"، نظرًا إلى أنها نشأت عن "قانون جائر" صدر عام 1949، ويقصد به "قانون الإيجارات" الذي خصص آنذاك لحماية المستأجرين من الأزمات الاقتصادية والنزوح، وتحول مع مرور الوقت لواقع دائم، وأصبح يعرف بقانون "التمديد الحكمي".

وأضاف: "اليوم، الشاغل للمحل التجاري قد يكون الرقم مئة في سلسلة تنازلات بدأت قبل 75 عامًا، والذين قبضوا المال إما ماتوا أو هاجروا، ما يجعل الحل عبر المحاكم مستحيلًا"، معتبرًا أن أي حل عادل يتطلب حالة من الاستقرار تتيح لأهل العلم إصدار فتوى تراعي من دفع المال وتوارث الحق، ومن فقد ملكيته بسبب قانون التمديد.

ونوه شاشو إلى أن الوقت والدراسة الفقهية المتأنية ضروريان لإصدار حكم "يحفظ حقوق الجميع دون ظلم"، معتبرًا أن القضية تمس توازنًا دقيقًا بين العدالة الشرعية والواقع الاجتماعي.

إلغاء القانون سيشل الحركة الاقتصادية

شرح المحامي محمد شيخ أمين، أن النقاش يجب أن يميز بين "الفروغ" و"التمديد الحكمي"، ففي الحالة الأولى، دفع الشاغل مبلغًا كبيرًا لقاء حق الانتفاع، وكان المالك يتقاضى أجرًا رمزيًا سنويًا بعد حصوله على مبلغ الخلو، ما يعني أن العلاقة قامت على بيع ضمني للمنفعة. أما في حالة التمديد الحكمي، فقد أُلزم المالك بمتابعة عقد الإيجار دون إرادته، وبقيت الأجور منخفضة بشكل كبير، مع السماح برفع دعوى تخمين كل ثلاث سنوات لا تمنح أكثر من 7% من قيمة العقار، ما شكل إجحافًا بحق المالكين.

وأشار المحامي أمين إلى أن معظم هذه المحال تعود لتجار قدامى في مناطق حيوية، وأن أي إخراج مفاجئ لهم قد يعطل الحركة الاقتصادية، خاصة في ظل ضعف القدرة المالية بعد سنوات الحرب، معتبرًا أن إصدار تعديل تشريعي جذري دون مراحل انتقالية "سيربك السوق".

واقترح المحامي أمين حلًا توافقيًا، إما برفع تدريجي للإيجارات (مثلًا مضاعفة التخمين الحالي ثلاث مرات)، أو منح فترة انتقالية من 10 إلى 15 سنة، تُرفع خلالها الإيجارات تدريجيًا، قبل الوصول إلى صيغة توازن بين مصلحة المالك والمستأجر.

وزارة العدل لم تصدر قرارها

أكد وزير العدل السوري، مظهر الويس، خلال لقائه وفدًا من ممثلي تجار دمشق، في 7 من تموز الحالي، أن اللجنة المشكّلة لدراسة موضوع "التمديد الحكمي للإيجار" لا تزال في مرحلة الاستماع وتقييم الواقع، ولم تصدر أي قرارات نهائية بهذا الشأن، وفقًا لما أوردته الوكالة السورية للأنباء (سانا).

وكان رئيس اللجنة المكلفة بدراسة قانون الإيجار والتمديد الحكمي، القاضي أنس منصور السليمان، رئيس محكمة النقض، نفى، في 5 من تموز الحالي، الأنباء المتداولة عن صدور أي قرارات عن وزارة العدل أو عن اللجنة نفسها فيما يخص موضوع بدلات الفروغ.

مشاركة المقال: