الإثنين, 6 أكتوبر 2025 12:30 AM

تحقيق يكشف عن اختلاسات بمليارات الليرات في "السورية للطيران" عبر تذاكر وهمية

تحقيق يكشف عن اختلاسات بمليارات الليرات في "السورية للطيران" عبر تذاكر وهمية

عنب بلدي – وسيم العدوي – كشفت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش عن قضية فساد مالي ضخمة في "السورية للطيران"، سبق أن اكتشفها وكلاء من الجهاز المركزي للرقابة المالية قبل نحو تسعة أشهر من سقوط النظام السابق. القضية تتعلق باختلاس ما يزيد على 13 مليار ليرة سورية من خلال إصدار تذاكر سفر وهمية وتسديدها بطرق غير قانونية، وذلك بالتواطؤ بين مكاتب حجوزات "السورية للطيران" ومديرية الشؤون التجارية والتسويق بالمؤسسة.

أكد مصدر مطلع لعنب بلدي (تحفظ على نشر اسمه) أن فريقًا مختصًا في الهيئة بدأ تحقيقاته في القضية، وباشر سماع بعض الشهادات. وأشار إلى أن التحقيقات تصدرت مشهد عمل الهيئة بعد حصول الفريق على وثائق تكشف شبكة منظمة داخل "السورية للطيران" استغلت الصلاحيات الإلكترونية في النظام المركزي للحجوزات والإصدار لاختلاس المليارات من العملات السورية والأجنبية.

وكشف مدير سابق في الشؤون التجارية والتسويق بـ"السورية للطيران" لعنب بلدي (تحفظ على نشر اسمه) أن الهيئة استدعت مديرين اثنين سابقين للمؤسسة ومديرًا فنيًا للاستماع إلى شهاداتهم بخصوص القضية.

كيف بدأ الفساد

تتكشف تفاصيل أوسع حول القضية وهوية المتورطين فيها وحجم المبالغ المختلسة من خلال وثائق حصلت عليها عنب بلدي. وتضمنت الوثائق كتابًا مرسلًا من الجهاز المركزي للرقابة المالية إلى رئاسة مجلس الوزراء في 10 تشرين الأول 2024، مرفقًا بتقرير تحقيقي صادر في 2 تشرين الأول 2024، يتضمن نتائج التحقيق النهائية في المخالفات المرتكبة من قبل مؤسسة الخطوط الجوية السورية، وموجه إلى المحامي العام الأول في القصر العدلي بدمشق.

وفقًا للتقرير، كشف وكلاء الجهاز المركزي للرقابة المالية بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات في نيسان 2024، خيوط شبكة معقدة من الموظفين والمسؤولين التقنيين في الطيران، ممن تلاعبوا بالنظام المحوسب وأعادوا تعريف صلاحيات "الأدمن" لإنشاء مكاتب وهمية وحسابات مزيفة، وهو ما يشكل إحدى أكبر قضايا "الفساد الرقمي" في سوريا.

حسابات "Airline tickets" مزورة

تعود الخيوط الأولى للقضية إلى عام 2023، حين بدأ المدير السابق للشؤون التجارية والتسويق في الخطوط الجوية السورية (س. ا.) باستغلال صلاحياته كمدير للنظام الإلكتروني (COMDIR) لإنشاء حسابات مزورة ضمن نظام الحجز والإصدار، وتم تعريف مكاتب وهمية غير معتمدة للقبض (مثل: FARE SECTION، SALES SECTION، TEST OFFICE، وغيرها). وجرى ربط هذه الحسابات بأسماء حقيقية لموظفين حاليين أو سابقين في المؤسسة، ما صعّب اكتشاف العملية لفترة طويلة، وكانت مكاتب الحجز تصدر التذاكر وتُحصل قيمتها نقدًا أو خارج الصناديق الرسمية، دون أن تدخل سجلات المؤسسة المالية.

إدارة فساد موازية داخل "السورية للطيران"

كشفت تحقيقات الجهاز عن ضلوع عدد من المسؤولين البارزين داخل الخطوط الجوية السورية، من بينهم: "س. أ. ا." العقل المدبر، ورؤساء ثلاثة من مكاتب حجوزات السورية للطيران (ت. ح.) و(ي. ش.) و(و. ف.)، إضافة إلى "ي. ف." من شعبة تدقيق المبيعات الداخلية، و"أ. ن." من دائرة الأنظمة والتجارة الإلكترونية.

وبحسب التقرير، فقد أنشئت حسابات متعددة بأسماء (مثل BUSHRA، AKBIK SAEDABDALAL، MODAR، DARWICH، SUPPORT) وغيرها، وقُدمت صلاحيات واسعة لأشخاص غير مصرح لهم بالوصول أو الحجز.

حسابات إلكترونية مزيفة

التحقيق الفني الذي أعدّته وزارة الاتصالات، عبر تحليل السجلات الرقمية، أكد أن الحسابات المزيفة أنشئت من داخل المؤسسة نفسها، بواسطة صلاحيات إدارية عليا، وتم تحديد العناوين الرقمية (IP addresses)، ومواعيد الدخول، ومطابقتها مع سجلات أنظمة العمل.

تقرير الخبرة الفنية النهائي أشار أيضًا إلى أن أنشطة الحجز والإصدار تمت فعلًا من خلال هذه الحسابات بين عام 2023 ونيسان 2024، مما يجعلها أفعالًا جرمية موصوفة ومثبتة رقميًا لا جدال فيها.

الأثر المالي: أكثر من مجرد أرقام وفق التقرير النهائي، بلغت السرقات الناجمة عن هذه المخالفات: 10.8 مليار ليرة سورية. 105,967 دولارًا أمريكيًا. 880,000 روبل روسي. 123,722 درهمًا إماراتيًا. 8,068 ريالًا قطريًا. 136,340 جنيهًا مصريًا.

وبحسب التقرير، فإن أحد المتورطين (أ. ن.) قام بتسديد المبلغ المترتب عليه فقط، والذي بلغ نحو 237 مليون ليرة سورية، دون أن يتم ذكر ما إذا رفض المتورطون الآخرون تسديد المبالغ المترتبة بذمتهم، أو ما إذا كان الجهاز أو المؤسسة طالبا أساسًا بهذه المبالغ.

توجيه التهم والمحاكمة

بناء على نتائج التحقيق، أحيل كل المتورطين باستثناء "أ. ن." إلى القضاء المختص بتهم "اختلاس المال العام، وإساءة الائتمان، والاحتيال المعلوماتي، وانتحال حسابات رقمية"، بموجب قانون العقوبات الاقتصادية رقم "3" لعام 2013، وقانون الجرائم المعلوماتية رقم "20" لعام 2022. وتم فرض الحجز الاحتياطي على أموالهم وأموال أزواجهم المنقولة، كضمان لسداد المبالغ المختلسة.

مدير سابق في الشؤون التجارية والتسويق (طلب عدم الكشف عن اسمه) أكد لعنب بلدي أن جميع المتورطين في قضية الفساد تم كف يدهم، وهم متوارون عن الأنظار منذ نيسان 2024.

توصيات ما بعد اختراق النظام الإلكتروني

التحقيق لم يتوقف عند الجناة الرئيسين، بل حمّل مسؤولية الإهمال الإداري لكل من "ب. ع." و"أ. ق." في مديرية الشؤون التجارية والتسويق بـ"السورية للطيران"، بسبب تقصيرهما في متابعة الإشعارات الأمنية، وعدم إجراء جرد دوري للتواقيع الرقمية، ما سمح بتمرير الحسابات الوهمية.

وخلص التقرير التحقيقي الصادر عن الجهاز المركزي للرقابة المالية، إلى عدد من التوصيات الرسمية، بهدف إصلاح شامل للنظام الإلكتروني:

  • إجراء جرد شامل ودوري لجميع التواقيع والصلاحيات على نظام الحجز والإصدار.
  • التأكد من وجود موافقات خطية وموثقة قبل منح أي صلاحيات.
  • مراجعة جميع المكاتب المعرفة على النظام، والتأكد من شرعيتها.

السجلات القضائية مفقودة

لمعرفة المحكمة الناظرة في قضية الفساد، أو ما إذا تم التمهل في النظر بها أسوة بالعديد من الجرائم المرتكبة زمن النظام السابق، قامت عنب بلدي بمراجعة ديوان النيابة العامة في القصر العدلي بدمشق، وتبين أن عددًا من سجلات البريد عن عام 2024 وأعوام أخرى "مفقودة"، ومن ضمنها السجل المتضمن تاريخ ورود التقرير التحقيقي للجهاز المركزي للرقابة المالية بقضية تذاكر "السورية للطيران"، وإلى أي قاضي تحقيق مالي تم تحويل الملف.

وأفاد المحامي "ع. ن." لعنب بلدي أن فقدان السجلات من ديوان النيابة حصل خلال حالة الفوضى التي عمت العاصمة دمشق، عقب سقوط النظام السابق، ورافقها خروج جميع السجناء من السجون، والسطو على العدليات في دمشق وريفها وتخريبها، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن المحاكم قامت بالتريث في تحريك مذكرات البحث بحق المتورطين بالجرائم المالية وعدد من الجرائم عقب سقوط النظام، مع البت في الدعاوى الجاهزة للفصل.

العدل: نشرات شرطية بحق المطلوبين

وزير العدل السابق في حكومة تصريف الأعمال السورية، شادي الويسي، أصدر، في كانون الثاني الماضي، تعميمًا دعا فيه جميع المحاكم ودوائر التحقيق والإحالة والنيابة العامة إلى ضرورة متابعة محاكمة المتورطين في القضايا التي لا تزال قيد النظر أمام المحاكم، وإصدار نشرات شرطية بحق المطلوبين استنادًا إلى ملفاتهم القضائية، والقبض على الفارين وإعادتهم إلى مراكز التوقيف.

وبحسب التعميم، فإن عمليات التحرير التي أطلقت سراح المعتقلين السياسيين أدت إلى فرار بعض الموقوفين والمحكومين بجرائم عادية، بعضها يتعلق بحقوق شخصية لمتضررين، إذ شدّد وزير العدل على أنه لا يجوز السماح للمجرمين بالاستفادة من "منجزات الثورة السورية أو التغطية تحت ستارها"، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على الحقوق الشخصية للمتضررين.

مشاركة المقال: