الأحد, 14 سبتمبر 2025 11:30 PM

تراخيص الصرافة الجديدة في سوريا: تعزيز المنافسة أم فوضى السوق؟

تراخيص الصرافة الجديدة في سوريا: تعزيز المنافسة أم فوضى السوق؟

عنب بلدي – وسيم العدوي - شهد قطاع الصرافة والحوالات المالية في سوريا، بعد أحداث معينة، عملية إعادة تنظيم من قبل مصرف سوريا المركزي. تم ذلك عبر منح تراخيص جديدة لشركات ومكاتب صرافة، بهدف استعادة السيطرة على سوق القطع الأجنبي والحد من نشاط السوق السوداء.

أثار إعلان المصرف المركزي في آب الماضي عن منح تراخيص لـ 40 شركة صرافة، قلقًا بين أصحاب الشركات المرخصة سابقًا، خوفًا من استحواذ الشركات الجديدة على الجزء الأكبر من القطع الأجنبي. في المقابل، رأى آخرون أن زيادة عدد شركات الصرافة يمثل وضعًا صحيًا يساهم في إنهاء الاحتكار والتحكم بالعملات الأجنبية.

توزعت تراخيص المصرف المركزي على قائمتين: الأولى تضم 14 شركة ومكتب صرافة مرخصة ومسجلة بالفعل، والثانية تضم 26 شركة حصلت على ترخيص مبدئي، وكانت ولا تزال تعمل في مناطق الشمال السوري (المحرر سابقًا).

بهدف استطلاع آراء مالكي شركات الصرافة والحوالات حول التراخيص الجديدة، قام مراسل عنب بلدي بجولة في المنطقة التجارية بالعاصمة السورية، من الحريقة إلى ساحة المحافظة، مرورًا بشارع 29 أيار وصولًا إلى السبع بحرات، حيث يقع مقر مصرف سوريا المركزي ووزارة المالية السورية.

اعتبر البعض أن الحكم على تجربة زيادة عدد الشركات لا يزال مبكرًا، بينما أعرب آخرون عن استيائهم من هذا العدد الكبير من الشركات، ورفض قسم كبير منهم الإدلاء بتفاصيل حول أعمال شركاتهم.

حوالات بـ2.5 مليار دولار سنويًا

أفاد أحد العاملين في سوق الصرافة، والذي يمتلك شركة صرافة مرخصة منذ ما قبل عام 2010، بأن حجم الحوالات الخارجية السنوية قبل الأحداث كان يتراوح بين مليارين و2.5 مليار دولار.

وأضاف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن الحصة السوقية لشركات الصرافة المرخصة (40 شركة) لا تتجاوز 30% من حجم العملة الصعبة المتداولة يوميًا، بينما تستحوذ المكاتب غير المرخصة على حوالي 70% من التداول اليومي للقطع الأجنبي، مما يعكس هيمنة واضحة للسوق السوداء.

ويرى المصدر أنه على الرغم من قدرة الشركات المرخصة على التعامل مع الحوالات الخارجية والتحويلات البنكية، إلا أن السوق المحلية والمضاربة تهيمن عليها المكاتب غير المرخصة.

غياب الرقابة وتضارب جهات الإشراف

أشار نفس المصدر إلى أن من أبرز سلبيات الترخيص لـ 26 شركة صرافة جديدة هو أن هذه الشركات كانت تخضع سابقًا لـ "الحكومة المؤقتة" أو حكومة "الإنقاذ" ومرخصة من قبلها، ثم انتقل ترخيصها إلى "المركزي"، مما يخلق تضاربًا في الجهة الإشرافية الرقابية القانونية عليها، وربما يسمح لها بارتكاب مخالفات في السوق المحلية لتحقيق أرباح إضافية دون رقيب.

كما أشار إلى أن دخول شركات من مناطق "الشمال المحرر" (سابقًا) أدى إلى حالة من الفوضى في الأسواق بسبب تعدد سعر صرف الدولار والمضاربات بين الشركات الجديدة.

عنب بلدي استطلعت آراء خبيرين اقتصاديين وأكاديميين، وناقشت معهما القضايا المتصلة بالصرافة والحوالات المالية، لتقييم أثرها الاقتصادي على الأسواق.

تعزيز التنافس

قدم خبير الإدارة المالية والتدقيق البنكي الدكتور علي محمد، قراءة متفائلة حول الوضع الراهن لشركات الصرافة والحوالات، واعتبر خطوة "المركزي" بزيادة عدد هذه الشركات مؤشرًا إيجابيًا يعزز التنافس ويمنع الاحتكار.

وقال إن ذلك يؤدي إلى تنويع الخدمات وزيادة جودتها، ويمنح الفرصة لشركات جديدة لتقديم خدمات متميزة، لأن وجودها يقلص من هيمنة السوق السوداء، ويوسع الخيارات أمام المواطنين.

ويتفق مع ذلك الأكاديمي المختص بالاقتصاد المالي والنقدي الدكتور ياسر المشعل، بأن التراخيص الجديدة تسهم في تنظيم السوق، ولكن مع التحذير من عودة السوق السوداء إذا لم تكن الأسعار واقعية.

ويرى المشعل أن زيادة الشركات ضرورة، معتبرًا في الوقت ذاته أن التوزيع لهذه الشركات غير متوازن، مما يهدد بتركز القوة الاقتصادية في مناطق محددة.

السوق السوداء والرقابة

أكد خبير الإدارة المالية والتدقيق البنكي الدكتور علي محمد أن التوسع في ترخيص الشركات يقلل من السوق السوداء ويزيد من الشفافية، إذا ترافق برقابة فعالة، وهذا يُعتبر أحد الأهداف الرئيسة من الترخيص، وذلك يعني أن الكتلة النقدية المتمثلة بالقطع الأجنبي ستكون موزعة بين عدد أكبر من الشركات، مما يقلل من هيمنة الشركات الكبرى على السوق.

وأضاف الخبير أنه يمكن للشركات المرخصة أن تسحب جزءًا كبيرًا من العملاء الذين كانوا يتعاملون مع السوق غير الرسمية، مما يحد من عمليات المضاربة.

وكشف أنه منذ حوالي الشهر تم إلغاء ترخيص ثلاث شركات صرافة موجودة في السوق من قبل "المركزي"، بسبب ارتكاب مخالفات.

وأكد الدكتور محمد أهمية دور مصرف سوريا المركزي في مراقبة سوق الصرف، فهو يرى أن الرقابة الفعالة تتطلب زيادة في الكوادر البشرية والفنية لدى البنك المركزي، ويجب أن تشمل جميع الشركات والمكاتب المرخصة، إذ إن الرقابة على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ستكون عنصرًا أساسيًا في ضبط السوق.

وهو ما أشار إليه الأكاديمي المختص بالاقتصاد المالي والنقدي الدكتور ياسر المشعل، بأن الشركات المرخصة الجديدة يمكن أن تقلص من السوق السوداء، وزيادتها ضرورة اقتصادية، لكن فقط إذا قدمت أسعار صرف مرنة قريبة من السوق غير الرسمية وسهّلت إجراءات التصريف، مركزًا على أن سوء الرقابة يمكن أن يخلق ثغرات للاستغلال والفساد.

المشعل يرى أيضًا أن زيادة الشركات قد تسهم في زيادة الفوضى إذا لم يتم تحديد رقابة صارمة على الأسعار والشروط، مؤكدًا أنه لا يمكن القضاء على السوق السوداء بشكل كامل، بل يمكن فقط تقليص تأثيرها إذا كانت الشركات المرخصة تقدم أسعارًا تنافسية وتخضع لرقابة فعالة.

هذه الرقابة تتطلب وجود نظام رقابة إلكتروني صارم مرتبط بالبنك المركزي وضرورة الالتزام بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT)، وهي عملية شاملة لمواجهة الجريمة المالية، وضمان سلامة الأسواق المالية واستقرارها، بحسب المشعل.

ويرى أن عدم وجود شفافية قد يؤدي إلى استغلال السوق من قبل جهات غير رسمية، ويؤثر على قدرة البنك المركزي على إدارة السوق بفعالية، وفي حال لم تتمكن الشركات من تقديم خدمات سهلة وآمنة، فإن العملاء سيفضلون السوق السوداء كخيار أسرع وأكثر مرونة.

سعر صرف الليرة السورية

أوضح الدكتور المشعل أن الشركات المرخصة ستكون أكثر قدرة على تحقيق استقرار سعر الصرف، إذا كانت تتبع أسعار صرف مرنة وقريبة من السوق السوداء، مضيفًا أن هذا سيسهم في تقليل التلاعب بالأسعار ومنع المضاربات التي قد تضر بالليرة السورية.

كما أشار إلى أن وجود عدد أكبر من شركات الصرافة قد يسهم في استقرار السوق عبر عرض أدوات مالية متنوعة تساعد على استقرار العملة المحلية.

ويرى الدكتور محمد أن زيادة عدد الشركات يساهم في استقرار سعر الصرف، إذا تم ربط هذه الشركات بنظام رقابي قوي، فهو يرى أن زيادة الكفاءة في سوق الصرف ستسهم في تقليل التقلبات الحادة بسعر الليرة السورية، مع تحسين شفافية التدفقات المالية التي تصب في البنوك والشركات المرخصة.

ورغم دعمه لإعادة تنظيم القطاع، لفت الدكتور علي محمد إلى أن غياب الشفافية في إحصائيات حجم الحوالات أو حجم السوق قد يعرقل الفهم الصحيح لأداء السوق، وأكد أهمية نشر تقارير دورية من البنك المركزي ليتمكن الخبراء والمواطنون من تتبع نشاطات السوق وتقييم فعالية الشركات المرخصة.

وكشف الباحث محمد أنه لا يوجد تقدير واضح لحجم الحوالات حاليًا، لكن التقديرات في عام 2024 قبل الأحداث، تشير إلى أنها كانت يوميًا بحدود ثلاثة إلى سبعة ملايين دولار وسطيًا، ترتفع في آخر الشهر وفي الأعياد الدينية (المسيحية والإسلامية)، وخلال شهر رمضان إلى 15 مليون دولار يوميًا، أي أن حجم الحوالات السنوية يبلغ نحو 2.5 مليار دولار.

وتشير التقديرات لحجم سوق صرافة العملات الأجنبية في دمشق وحلب يوميًا إلى أنه يستحوذ على نحو 3.5 مليون دولار من سوق الصرف.

وحول انعدام الشفافية العملياتية المالية، أشار الدكتور المشعل إلى أن الفساد قد يصبح من أخطر القضايا إذا لم يكن هناك نظام رقابي صارم، فوجود شركات صرافة غير شفافة قد تكون واجهة لجهات غير رسمية، مما يؤدي إلى تكرار أخطاء السوق السوداء، مثل غسل الأموال أو تمويل الأنشطة غير المشروعة.

الانتشار الجغرافي لشركات الصرافة

أشار الدكتور محمد إلى أن العدد الكلي لشركات الصرافة في سوريا (ما بين الترخيص النهائي والمبدئي) هو عدد مناسب نسبيًا، لكنه أكد على أهمية التوزيع الجغرافي للشركات لضمان توفر الخدمة في جميع المناطق، وأوضح أن توزيع الشركات لا يجب أن يكون متركزًا في مدينتي دمشق وحلب فقط، بل يجب أن يشمل مناطق أخرى مثل دير الزور والرقة لضمان العدالة الاقتصادية.

وهو أيضًا ما ينتقده الدكتور المشعل بأن تركّز شركات الصرافة بدمشق والشمال السوري، يؤدي إلى اختلالات اقتصادية تصب في مصلحة المناطق الكبرى، بينما تعاني المناطق الأخرى من نقص في الخدمات المالية، ولذلك يجب على الدولة أن تسعى لخلق توازن جغرافي بين المناطق لضمان تلبية احتياجات جميع المواطنين.

مشاركة المقال: