الأربعاء, 17 سبتمبر 2025 08:16 PM

تقرير حقوقي يكشف: انتهاكات إسرائيلية واسعة النطاق في جنوب سوريا تشمل تهجيرًا قسريًا وجرائم حرب

تقرير حقوقي يكشف: انتهاكات إسرائيلية واسعة النطاق في جنوب سوريا تشمل تهجيرًا قسريًا وجرائم حرب

أفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بارتكاب القوات الإسرائيلية، المتوغلة في جنوبي سوريا منذ كانون الأول 2024، انتهاكات جسيمة ضد السكان المحليين، تصل إلى حد جرائم الحرب. وتشمل هذه الانتهاكات التهجير القسري، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي، والاعتقالات التعسفية.

التقرير الصادر يوم الأربعاء 17 من أيلول، استند إلى مقابلات أجرتها المنظمة بين حزيران وأيلول الحاليين مع ثمانية من السكان المحليين. من بين هؤلاء، خمسة من أهالي قرية الحميدية الذين هُدمت منازلهم، وناشط ومحامٍ احتُجز لفترة قصيرة، وأحد الأعيان، وأحد سكان جباتا الخشب بريف القنيطرة، الذين مُنعوا من الوصول إلى أراضيهم الزراعية. كما قامت المنظمة بتحليل صور وفيديوهات حصلت عليها من الشهود، بالإضافة إلى صور أقمار صناعية، لتوثيق مواقع بناء المنشآت العسكرية وتحديد حجم الدمار.

ودعت المنظمة الحقوقية الحكومات إلى تعليق أي دعم عسكري لإسرائيل قد يسهّل هذه الانتهاكات، وفرض عقوبات على المسؤولين عنها، والضغط من أجل المساءلة أمام القضاء الدولي.

شهادات عن التهجير

منذ سقوط النظام السوري السابق في كانون الأول 2024، وسّعت إسرائيل وجودها العسكري داخل المنطقة منزوعة السلاح الخاضعة لمراقبة الأمم المتحدة، بين مرتفعات الجولان المحتلة وأجزاء من محافظة القنيطرة. وأقامت القوات الإسرائيلية تسعة مواقع عسكرية تمتد من جبل الشيخ وصولًا إلى ريف درعا الغربي، وكثّفت غاراتها الجوية على البنية التحتية العسكرية السورية، بحسب التقرير.

أحد سكان قرية الحميدية قال للمنظمة، إن منزله جُرف بالكامل مع الأشجار المحيطة: "لم يتبق شيء. نعيش في ظروف صعبة للغاية منذ أن فقدنا منزلنا وأرضنا". وفي جباتا الخشب، منعت القوات الإسرائيلية المزارعين من الوصول إلى أراضيهم بعد إنشاء موقع عسكري جديد مطلع العام الحالي، وجُرفت مساحات واسعة من الغابات والأراضي الزراعية. وأكد تحليل صور الأقمار الصناعية الذي أجرته المنظمة بدء بناء المنشآت العسكرية أوائل كانون الثاني الماضي، على بعد أقل من كيلومتر واحد من أطراف القرى.

ووثقت المنظمة اعتقال 20 شخصًا، بينهم طفل يبلغ 17 عامًا، منذ كانون الأول 2024. وتم الإفراج عن معظمهم بحسب التقرير. وراسلت المنظمة الجيش الإسرائيلي مطلع أيلول حول هذه الحالات، وردّ الأخير بأن عملياته في جنوبي سوريا تهدف إلى "حماية مواطني إسرائيل".

واتهمت "هيومن رايتس ووتش" القوات الإسرائيلية بارتكاب انتهاكات واسعة في بلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة، شملت اقتلاع أشجار مثمرة وتجريف أراضٍ زراعية ومنع السكان من الوصول إلى مصادر رزقهم، إلى جانب اعتقالات تعسفية ونقل مدنيين سوريين قسرًا إلى داخل إسرائيل. ووصفت شهادات نازحين من جباثا الخشب كيف عُزلوا عن أراضيهم الزراعية التي كانت تعيل أسرهم، بعد أن جرفت القوات الإسرائيلية مساحات واسعة أو أحاطتها بسواتر ترابية وأسلاك شائكة، وبحسب أحد أصحاب الأراضي، الذين تواصلت معهم "هيومن رايتس" قام الجيش الإسرائيلي بتجريف كامل الأرض المحيطة بمنزل العائلة بالإضافة للمنزل، ولم يبقَ لهم شيء. وأكدت شهادات أخرى من سكان المنطقة منع الأهالي من الرعي في الأراضي الزراعية، ما أجبر كثيرين على بيع مواشيهم، بينما اقتُلعت أشجار تعود لعقود في المنطقة. وقدّر أحد وجهاء القرية أن نحو سبعة آلاف دونم من الأراضي الزراعية و"المشاعية" المزروعة بالزيتون والتفاح والكرز، أُحيطت بالأسلاك الشائكة أو حُولت إلى مناطق عسكرية، ما أدى إلى خسائر اقتصادية فادحة، وانقطاع ما يقارب نصف دخل المزارعين، بحسب التقرير.

خرق للقانون الدولي

وصفت "هيومن رايتس" الأفعال الإسرائيلية الأخيرة في الجنوب السوري بأنها خرق للقانون الدولي. فبحسب المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، يُحظر التهجير القسري للمدنيين من الأراضي المحتلة إلا في حالات استثنائية وطارئة، إذا فرضت "أسباب عسكرية ملحّة" ذلك، أو كان التهجير ضروريًا لأمن السكان أنفسهم. كما يُشترط أن تُنفذ أي عملية إخلاء وفق ضمانات إنسانية صارمة، تشمل توفير سكن مناسب، وضمان سلامة المدنيين وعودتهم بمجرد أن تسمح الظروف. ويُعتبر أي تهجير غير مبرر في أراضٍ محتلة جريمة حرب.

وتحظر الاتفاقية نفسها أيضًا نقل المعتقلين خارج الأراضي المحتلة إلى داخل إسرائيل، أيًا تكن التهم الموجهة إليهم، كما تمنع تدمير الممتلكات المدنية ما لم يكن ذلك ضروريًا بصورة مباشرة لعمليات قتالية جارية، لا استنادًا إلى اعتبارات استراتيجية أو أمنية طويلة الأمد.

وزعم الجيش الإسرائيلي بتواصله مع "هيومن رايتس" أن عملياته "تتوافق مع القانون الدولي"، وأن عمليات الهدم في الحميدية كانت "إجراءات عملياتية ضرورية" في مبانٍ "خالية من المدنيين"، بينما برر الاعتقالات والنقل إلى إسرائيل بأنها "مبنية على معلومات استخباراتية وتخضع لمراجعة قضائية". إلا أن المنظمة أكدت أن الوقائع الميدانية تناقض هذه المزاعم، وتشكل خرقًا واضحًا لقوانين الحرب.

وترى "هيومن رايتس" أن القوات الإسرائيلية لم تكن تواجه تهديدًا مباشرًا في القرى التي داهمتها وهجرت سكانها، بل سعت إلى تثبيت وجود عسكري طويل الأمد عبر تدمير منازل وإقامة بنى تحتية ثابتة، وفرض قيود تحول دون عودة السكان في المدى المنظور، ما يقوض أي ادعاء بأن التهجير كان "مؤقتًا".

دعوات للمحاسبة

دعت "هيومن رايتس ووتش" الحكومات إلى تعليق أي دعم عسكري لإسرائيل طالما تواصل قواتها ارتكاب انتهاكات جسيمة، بما فيها جرائم حرب، دون محاسبة. كما طالبت بمراجعة أشكال التعاون الثنائي، ووقف التجارة مع المستوطنات، بما فيها المقامة في الجولان السوري المحتل. وحثت المنظمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودولًا أخرى على الدفع نحو المساءلة من خلال قضايا "الولاية القضائية العالمية" ودعم إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، وفرض عقوبات محددة على المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في الانتهاكات، بما في ذلك منع عودة السوريين المهجرين.

وأكدت أن هذه العقوبات يجب أن تبقى سارية حتى اتخاذ خطوات ملموسة تضمن عودة النازحين بشكل آمن وطوعي وكريم.

توغلات متكررة

تستمر عمليات التوغل والمداهمات الإسرائيلية في جنوب سوريا، وآخرها كان اليوم الأربعاء 17 من أيلول، بعد أن توغلت قوة ضمت أكثر من 15 آلية للجيش الإسرائيلي، في بلدة جباتا الخشب و قرية أوفانيا و بلدة خان أرنبة، في القنيطرة جنوبي سوريا، لعدة ساعات وبعدها انسحبت من المنطقة. وقال الناشط في مدينة القنيطرة أحمد أبو زين، لعنب بلدي، إن القوة الإسرائيلية توزعت في جباتا الخشب وأوفانيا وخان أرنبة، واعتقلت أربعة أشخاص قبل انسحابها من المنطقة. ووجهت القوة الإسرائيلية عبر مكبرات الصوت إنذارات للأهالي بعدم مغادرة منازلهم لحين مغادرة القوات المداهمة، وفق أبو زين.

وتوغلت القوات الإسرائيلية، في 15 من أيلول، في بلدات الرفيد وعين زيوان في ريف القنيطرة، واعتقلت أحد شبان المدينة واقتادته إلى قاعدتها في تل أحمر غربي. وفي 14 من أيلول، توغلت قوات الجيش الإسرائيلي، في ريف درعا الغربي، ونفذت عمليات تفتيش داخل الأحياء السكنية. وأفاد مراسل عنب بلدي في درعا حينها، أن القوة المتوغلة مؤلفة من 18 آلية عسكرية داهمت منازل القاطنين في قرية صيصون، ونفذت عمليات تفتيش بحثًا عن السلاح، دون أن تكون هناك حالات اعتقال. وأقامت القوات الإسرائيلية حواجز على مداخل القرية، وانتشرت آليات أخرى للاحتلال في محيط سرية جملة دون أن تتم مداهمتها و تفتيش منازلها. وفي أواخر آب الماضي، توغلت قوات إسرائيلية في قرية العشة بريف القنيطرة الجنوبي، وقامت بتفتيش منازل عدد من المواطنين"، وفق ما قالت وكالة "سانا" الرسمية. وأشارت الوكالة إلى أن قوة تابعة للجيش الإسرائيلي، مؤلفة من 30 آلية توغلت في قرية العشة، وقامت بتفتيش دقيق للمنازل، كما قامت بسرقة أموال من بعض المنازل خلال عمليات التفتيش.

تقول إسرائيل إنها تريد منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، منعًا لأي هجمات مستقبلية على أراضيها على غرار ما جرى في 7 من تشرين الأول 2023، وفق حوار لوزير الخارجية الإسرائيلي مع صحيفة "جيروزاليم بوست" في 28 من كانون الأول 2024.

مشاركة المقال: