الجمعة, 11 يوليو 2025 02:23 PM

حلب: صناعة البولمانات تتحدى الصعاب بخبرات محلية وإصرار على التميز

حلب: صناعة البولمانات تتحدى الصعاب بخبرات محلية وإصرار على التميز

صالح سليم – حلب

في منطقة الراموسة الصناعية بحلب، يرتفع هدير آلات اللحام والطلاء داخل ورشة تعج بالحركة. يقف عبد الرحمن بركات، الخمسيني، منهمكًا في الإشراف على فريقه وهم يضعون اللمسات الأخيرة على حافلة نقل ركاب (بولمان) جديدة. يمتهن بركات هذه الحرفة منذ أكثر من أربعة عقود، مقتفيًا أثر والده، إلا أن التحديات التي واجهته خلال سنوات الحرب لم تكن يسيرة، حيث يقول: "غادرت الأيدي الماهرة، لكننا بقينا نصنع ونعدل ونبتكر بموارد أقل وإصرار أكبر".

خبرة متراكمة رغم الظروف

يؤكد الصناعي عبد الرحمن بركات (50 عامًا)، الذي يعمل في هذا المجال منذ عام 1980، أن ورشته تجسد التطور المحلي، حيث تبدأ عملية تصنيع الحافلات بتصميم الهيكل المعدني وصولًا إلى اللمسات النهائية في الطلاء والديكور الداخلي، وفقًا للمواصفات الأوروبية. ويضيف بركات: "نستورد الشاسيهات (الهياكل) كاملة، ونركب عليها المحركات المناسبة، سواء كانت من نوع فنداي، أو سكانيا، أو مرسيدس، أو مان". ويشير إلى أن ورش الراموسة الصناعية تتميز بقدرتها على تصنيع وتحديث نماذج متنوعة من الحافلات الكبيرة والصغيرة، بما يواكب تطورات السوق. ويوضح أن تأمين قطع الغيار، خاصة التركية منها، كان يشكل صعوبة في السابق، لكن الأمور تحسنت بعد سقوط النظام أواخر العام المنصرم، مما ساهم في تعزيز قدرة الورش المحلية على التطوير والتحديث، على حد تعبيره. إلا أن التحدي الأكبر، بحسب بركات، يكمن في نقص الأيدي العاملة الماهرة، بعد هجرة العديد من الحرفيين إلى أوروبا وتركيا خلال سنوات الحرب، مشيرًا إلى أن "عودة الكفاءات أو توفير البدائل محليًا هو الدعم الأهم الذي يمكن تقديمه للصناعة الوطنية". ورغم الصعوبات، يرى بركات أن الوضع الحالي أفضل من ذي قبل، وأن الورش تبذل جهودًا مضنية للحفاظ على جودة الإنتاج وتلبية احتياجات السوق.

تكاليف أقل وجودة منافسة

ليست ورشة بركات الوحيدة، فالراموسة اليوم تعج بحرفيين ومهندسين يناضلون للحفاظ على نبض الصناعة في مدينة لطالما عُرفت بـ "عاصمة الاقتصاد السوري". من جانبه، يشير أيمن حياني (50 عامًا)، صاحب شركة نقل وسياحة في حلب، إلى أهمية الصناعة المحلية في دعم قطاع النقل، رغم استيراد شركته لحافلات حديثة من الصين. ويقول "حياني": "نؤمن بأن الخبرات السورية قادرة على تجهيز الحافلات بأعلى جودة، والتجهيزات المحلية لا تقل عن مثيلاتها المستوردة". وبين نقص الأيدي العاملة وارتفاع تكاليف الشحن، تقف صناعة الحافلات في حلب شاهدًا على قدرة السوريين على تحويل الركام إلى إنجاز، والإمكانيات المتواضعة إلى منتجات تضاهي المستورد. ويوضح "حياني" أن الحافلات الصينية المستوردة "غالبًا ما تحتاج إلى تعديلات إضافية لتناسب السوق السورية، وهو ما توفره الورش المحلية بكفاءة وبتكاليف معقولة"، على حد وصفه. ويضيف أن الحافلات المستوردة موديل 2023، "تتطلب تعديلات وتجهيزات إضافية لتلبية متطلبات السوق المحلي واحتياجات عملائنا وهنا يبرز دور الصناعة السورية حيث نستطيع بتكلفة معقولة جدًا إجراء التعديلات اللازمة وإضافة اللمسات التي تميز منتجاتنا". ويتابع: "بإمكاننا تصنيع نسخة مطابقة لحافلة مستوردة بكلفة تتراوح بين 70 و80 ألف دولار، في حين أن المستوردة تكلف 140 إلى 150 ألف دولار". ويلفت إلى أن ارتفاع تكاليف الشحن يمثل عاملاً إضافيًا لصالح التصنيع المحلي، إذ تبلغ كلفة شحن الحافلة الواحدة من الصين إلى سوريا حوالي 25 ألف دولار، وهو ما يعادل نصف تكلفة تصنيع حافلة كاملة داخل سوريا.

بيئة حاضنة ودعم

يقول الصناعي محمد بركات (42 عامًا) من منطقة الراموسة، إن عمليات تصنيع الباصات تبدأ بتجهيز الهيكل الحديدي، مرورًا بمرحلة تثبيت صفائح المعدن، ثم الإكساء، فالطلاء. ويضيف: "ننتقل بعدها إلى فرش الديكور الداخلي، وتركيب الزجاج، والتشطيبات النهائية، لتخرج الحافلة جاهزة تمامًا للنقل بين المحافظات". ويشير بركات إلى أن حلب ما تزال تحتفظ بكفاءات صناعية عالية، وأن تطوير هذا القطاع يتطلب فقط بيئة حاضنة ودعمًا مستمرًا للكوادر والورش العاملة. ويرى صناعيون في حلب، أنه رغم المصاعب التي تواجه قطاع الصناعة في حلب، من نقص الأيدي العاملة إلى تقلبات السوق وتكاليف الشحن، فإن ما يحدث داخل ورش الراموسة ليس مجرد نشاط اقتصادي، بل هو شكل من أشكال البقاء الذي تصنعه العزيمة والخبرة في مدينة أرهقتها الحرب. ورغم غياب الدعم المطلوب، فيما لا تزال بعض الأيدي تصرّ على الإمساك بالأمل، تلحم الحديد وتثبت الزجاج وتصقل الطلاء، لتُعيد للحافلات وللصناعة السورية قدرتها على المضي، ولو ببطء، في طريق التعافي.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: