يشهد عالم التواصل الاجتماعي تدفقاً هائلاً من الأخبار والمعلومات بشكل يومي، مما يضع المستخدمين في مواجهة مستمرة مع كميات كبيرة من البيانات التي يصعب في كثير من الأحيان التمييز بين الصحيح والمزيف منها. وقد فرض هذا الواقع تحديات كبيرة على مصداقية الأخبار وأدى إلى تفاقم انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة، الأمر الذي يهدد السلم الاجتماعي ويثير القلق لدى الجمهور.
تصف سيدة الأعمال جميلة عبود تأثير هذا الواقع على عملها وتواصلها المهني قائلة: "أتابع مجموعات عديدة على الواتساب والفيسبوك، وغالباً ما تصلني أخبار تتعلق بسوق العمل أو تغيرات اقتصادية مفاجئة. وبحكم عملي، أسرع أحياناً بمشاركة هذه الأخبار مع شركائي أو الموظفين، لكنني أكتشف لاحقاً أنها غير دقيقة أو مضللة، ما يسبب إرباكاً وتأثيراً سلبياً على قراراتنا."
وتوضح عبود أن سرعة الانتشار وعدم وضوح المصادر، بالإضافة إلى التشابه بين الأخبار الحقيقية والكاذبة، يجعل الكثيرين، حتى من أصحاب الخبرة، يقعون في فخ نقل الشائعات من دون قصد، مما يضعف الثقة في بيئة الأعمال ويؤثر على الاستقرار العام.
وفي تفسيره لهذه الظاهرة، يقول الباحث الاجتماعي فادي كرمو: "نحن اليوم أمام بيئة إعلامية مفتوحة وشبه مجانية، حيث يمكن لأي شخص أن ينشر ما يريد من دون رقابة أو تحقق من الحقائق. هذه الحرية المصحوبة بعدم وجود أدوات تحقق فعالة تشجع على انتشار المعلومات غير الدقيقة أو الملفقة."
ويضيف كرمو: "البشر بطبيعتهم يميلون إلى تصديق الأخبار التي تتماشى مع معتقداتهم وأحاسيسهم، وهذا يزيد من فرصة إعادة نشر الأخبار من دون تمحيص، خاصة تلك التي تثير القلق أو الخوف، أو التي تدعم وجهات نظر مسبقة." ويشير إلى أن التأثير السلبي لا يتوقف عند الجانب المعلوماتي فقط، بل يمتد إلى التأثير النفسي والاجتماعي، حيث تسبب الشائعات حالة من الذعر والارتباك، وقد تؤدي إلى نزاعات وانقسامات داخل المجتمع.
ويؤكد كرمو أن "مواجهة هذه الظاهرة تحتاج إلى إستراتيجية شاملة تبدأ من التوعية الإعلامية المستمرة عبر التعليم والإعلام الرسمي والمجتمع المدني، وتعزيز مهارات التفكير النقدي لدى المستخدمين، بحيث يصبح الفرد قادراً على التمييز بين الأخبار الصحيحة والكاذبة."
وفيما يتعلق بدور الإعلام والمنصات الرقمية في مواجهة هذا المد المتزايد من المعلومات المضللة، يبرز دور الإعلام الرسمي بوصفه مصدراً موثوقاً لتصحيح المغالطات ونشر المعلومات الدقيقة، وذلك عبر تبني سياسات تحريرية تضع المصداقية في المقدمة، والانفتاح على الواقع الرقمي بأساليب حديثة تخاطب الجمهور بلغته.
في المقابل، تسعى بعض المنصات التقنية الكبرى مثل "فيسبوك" و"إكس" (تويتر سابقاً) إلى تطبيق تقنيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد الأخبار الكاذبة وتنبيه المستخدمين، وتفعيل آليات "التبليغ" و"التحقق من المحتوى" بالتعاون مع مؤسسات تدقيق مستقلة. غير أن فعالية هذه الأدوات تبقى مرتبطة بمدى وعي المستخدم، واستعداده للتفكير النقدي قبل التفاعل أو النشر.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن حوالي 60% من مستخدمي الإنترنت يتعرضون لأخبار كاذبة أو مضللة بشكل متكرر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعكس حجم التحدي الذي يواجه المجتمعات الحديثة في عصر المعلومات.
تمثل تجربة جميلة عبود، التي تكرر فيها الخلط بين الخبر الصحيح والزائف، نموذجاً واقعياً يلمس حال كثير من المواطنين، بمن فيهم أصحاب الأعمال، الذين يجدون صعوبة في التحقق وسط الزخم الهائل من المعلومات. في ظل هذا الواقع، يبرز دور الإعلام والمؤسسات التعليمية في تعزيز ثقافة التحقق من الأخبار، وكذلك مسؤولية الأفراد في التروي وعدم تداول أي معلومة قبل التأكد من مصدرها.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية