الإثنين, 7 يوليو 2025 01:38 AM

زيادة الرواتب في سوريا: هل تنجح في مواجهة التضخم وتحسين المعيشة؟

زيادة الرواتب في سوريا: هل تنجح في مواجهة التضخم وتحسين المعيشة؟

نورمان العباس – دمشق

في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها سوريا، والتي تتضمن تدهور القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة، صدر مؤخرًا مرسوم رئاسي يقضي بزيادة رواتب العاملين في مؤسسات الدولة والمتقاعدين بنسبة 200%. وبينما رأى البعض في هذه الخطوة محاولة للتخفيف من الأزمة، أعرب آخرون عن قلقهم من تأثير هذه الزيادة على التضخم وارتفاع الأسعار، خاصة في غياب سياسات اقتصادية داعمة ورقابة فعالة على الأسواق. فهل ستصمد هذه الزيادة في وجه التحديات الاقتصادية الراهنة؟ وهل ستساهم حقًا في تحسين مستوى المعيشة أم ستزيد الأمور تعقيدًا؟

مطالبات بالرقابة

ترى مروة أحمد، طالبة ماجستير في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، في حديث لنورث برس، أن الزيادة يجب أن تشمل أيضًا موظفي القطاع الخاص، محذرة من ارتفاع محتمل في الأسعار. وتشير إلى أن كل زيادة سابقة في الرواتب تبعها ارتفاع مضاعف في الأسعار، مطالبة بتشديد الرقابة على الأسواق.

بينما تقول روشان العمري، طالبة في كلية الاقتصاد قسم المصارف والبنوك، لنورث برس، إن الزيادة مهمة للقطاع العام لتحسين دخل الأسر، مطالبة الحكومة باتخاذ قرار مماثل للقطاع الخاص.

وتشير ولاء القالش، طالبة في قسم المحاسبة بكلية الاقتصاد، إلى استغلال التجار لأي قرار زيادة لرفع الأسعار، مضيفة: "وكأننا لم نستفد من الزيادة".

هل الزيادة كافية؟

يقول الدكتور تيسير المصري، أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، لنورث برس، إن "زيادة الرواتب خطوة لمواجهة الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الموظف السوري". ويضيف أن رفع الحد الأدنى للأجور من 250 ألف ليرة إلى 750 ألف ليرة سورية "سيخفف من حدة الأزمة المعيشية بشكل جزئي، خاصة مع انخفاض قيمة الليرة الذي شهد تحسنًا طفيفًا مؤخرًا".

ويشير "المصري" إلى أن ضخ كميات نقدية كبيرة قد يحرك الأسواق ويحفز الطلب الداخلي، بشرط توجيه هذا الطلب نحو المنتجات الوطنية، مما ينشط الإنتاج المحلي بشكل جزئي. ويرى أن هذه الخطوة قد تحد من التوترات الاجتماعية وتعطي إشارة بأن الدولة تحاول التفاعل مع واقع الموظف في ظل الضغوط المتزايدة. ومع ذلك، يرى أن تأثير هذه الزيادة يعتمد على قدرتها على مقاومة التضخم، خاصة إذا ارتفعت الأسعار بسرعة أكبر من نمو الأجور، مما يجعل أي تحسن مالي مؤقتًا.

تحذيرات من موجات تضخم

في المقابل، يحذر الخبير الاقتصادي جورج خزام من التداعيات المحتملة لزيادة الرواتب بنسبة 200% في سوريا، مشيرًا إلى أنها قد تؤدي إلى ارتفاع كبير في الأسعار وتراجع القدرة الشرائية. ويضيف أن هذه الزيادة، "على الرغم من أهميتها للموظفين، قد تكون لها آثار سلبية إذا لم تصاحبها زيادة مماثلة في حجم الإنتاج".

ويشير "خزام" إلى أن تحقيق التوازن بين حجم الكتلة النقدية المتداولة بالليرة السورية وكمية البضائع المتوفرة في الأسواق أمر بالغ الأهمية للسيطرة على التضخم، موضحًا أن عدم وجود زيادة في الإنتاج المحلي سيجعل ارتفاع الأسعار أمرًا لا مفر منه. ويقول إن ارتفاع القدرة الشرائية سيؤدي حتمًا إلى زيادة الاستهلاك، وبالتالي ارتفاع الطلب على السلع، التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد أو على مواد أولية مستوردة، مما سيزيد الحاجة إلى الدولار ويرفع سعر صرفه.

شروط نجاح الزيادة

يقول "المصري" إن اقتصار الزيادة على موظفي القطاع العام دون القطاع الخاص قد يزيد من الاختلال الاجتماعي، حيث تظل أجور القطاع الخاص متأخرة أو متفاوتة بسبب تراجع القدرة على تحمل تكاليف التشغيل. وحتى لا تتحول هذه الزيادة إلى عبء إضافي، يرى "المصري" أن هناك شروطًا أساسية يجب أن ترافقها، وأهمها تحقيق توازن بين الكتلة النقدية والسلعية. ويضيف أن ذلك ممكن من خلال دعم القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة لتقليل الاعتماد على الواردات، التي تمثل حوالي 70% من السلع الأساسية في الأسواق السورية، مشيرًا إلى أن هذا سيعزز العرض الداخلي ويحد من الضغوط التضخمية التي قد تنتج عن زيادة الطلب. كما يتطلب الأمر تشديد الرقابة على الأسواق لكبح الاحتكار والتلاعب بالأسعار.

بينما يرى الدكتور عبد الرحمن محمد، نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة حماة، أن زيادة الرواتب "تمثل خطوة إيجابية لكنها لن تحقق نتائج ملموسة ما لم تكن جزءًا من استراتيجية اقتصادية شاملة تهدف إلى تحفيز النمو وتحسين بيئة الأعمال وتعزيز الإنتاج المحلي". كما يشير إلى أهمية تحقيق قدر من العدالة بين القطاعين العام والخاص، خاصة أن فجوة الرواتب بينهما بدأت تتسع وقد تخلق توترات اجتماعية إضافية. ويرى "محمد" أن الرهان على تحسين الواقع الاقتصادي لا يجب أن يقوم على الأرقام المجردة، بل على سياسات متكاملة تعالج مواطن الخلل البنيوي، من ضعف الإنتاج إلى التفاوت الاجتماعي والاختلال المالي.

ويرى خبراء اقتصاد أن زيادة الرواتب تمثل خطوة لافتة في مواجهة الأعباء الاقتصادية التي يرزح تحتها السوريون، لكنها تظل مجرد جزء من معادلة معقدة، لا يمكن أن تؤتي ثمارها دون رؤية اقتصادية شاملة توازن بين تحسين الدخل وكبح جماح التضخم.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: