الأحد, 5 أكتوبر 2025 02:44 PM

فيلم "قتل معلن": صرخة سورية ضد زواج القاصرات وتداعيات الحرب

فيلم "قتل معلن": صرخة سورية ضد زواج القاصرات وتداعيات الحرب

علي المسعود

تتوالى آثار الحرب في سوريا، مخلفةً دمارًا لا يُحصى. فبينما يمكن ترميم المدن والقرى، يبقى ترميم النفوس ومعالجة التمزق الاجتماعي الذي عاناه السوريون على مدى سبع سنوات تحديًا كبيرًا. تتضاعف المعاناة لدى النساء السوريات، اللواتي يواجهن صنوفًا من الاضطهاد والظلم داخل الوطن وخارجه، بالإضافة إلى صعوبات الهجرة والإقامة في بلدان اللجوء، ليصبحن الحلقة الأضعف في القضية السورية.

تعود المخرجة السورية "واحة الراهب"، بعد فيلمها "رؤى حالمة"، بفيلم "قتل معلن" لتسليط الضوء على معاناة السوريات، خاصةً زواج القاصرات في ظل الحرب والنزوح والشتات. يعكس الفيلم واقع التشرد والضياع والفقر في مخيمات اللجوء، مما يزيد من اضطهاد المرأة والطفلة والإنسان السوري بشكل عام، وذلك من خلال قصة طفلة مهجرة.

تدور أحداث الفيلم حول لاجئ سوري (مكسيم خليل) وزوجته الحامل (نجلاء الخمري) يعيشان في خيمة مع أطفالهما الأربعة. يضطر الأب لتزويج ابنته الكبرى، وهي طفلة صغيرة، لابن جارتهم "أم جابر" التي تجسد دورها المخرجة "واحة الراهب"، وهو يكبرها بـ 25 عامًا، لتنتهي طفولتها بانتهاك في خيمة أخرى.

يبدأ الفيلم برسائل سريعة عن العنف، من القصف الجوي إلى منع الطفلة من اللعب بالدراجة، وصولًا إلى صورة "أبو بكر البغدادي" ومشهد امرأة تتعرض للضرب.

تم تصوير الفيلم في مخيم بمنطقة البقاع الأوسط في لبنان، وأصرت الراهب على التصوير داخل المخيم لإضفاء واقعية على الفيلم. يتقارب عنوان الفيلم مع رواية غابرييل غارسيا ماركيز "قصة موت معلن". أرادت المخرجة، الروائية أيضًا صاحبة روايات "مذكرات روح منحوسة" و"الجنون طليقًا" و"حاجز لكفن"، تشبيه اللاجئين السوريين بشخصية (سانتياغو نصّار) في رواية ماركيز.

حاز الفيلم على جائزة أفضل فيلم روائي قصير في مهرجان "كييف" السينمائي في أوكرانيا. تقول الراهب: "حين كسرنا حاجز الصمت والخوف مع اندلاع الثورة، تفجّرت أفكاري وصرت أعبّر عنها بحرية وجرأة، ووفرت لي الثورة الإلهام الإبداعي والواقعي لتحقيق أحلامي في إتمام كتابة رواياتي وصناعة الأفلام التي أحبّها".

تروي قصة الفيلم حكاية طفلة سورية في الحادية عشرة من عمرها تعيش مع عائلتها في مخيم للاجئين في لبنان، وتواجه كوابيس ومعاناة يومية. يضطر الأهل لتزويجها من رجل يكبرها بـ 25 عامًا بسبب الحاجة والديون، بعد إقناع الجارة لهم بأن سوريا لم تعد تحتمل العرسان الشباب بسبب الحرب.

يخوض الفيلم في أحلام الطفلة (ماري الصفدي) التي تشبه الكوابيس. وتسرد الراهب قصة أب شبه عاجز (مكسيم خليل) وأم (نجلاء خمري) تواجه ظروفًا قاسية أثناء الحمل. وأمام هذا الواقع، يضطر الأهل لتزويجها من رجل يكبرها في السن.

تكشف "واحة الراهب" أن فكرة الفيلم جاءت من المأساة اليومية المتعددة الأوجه، لتسليط الضوء على مظلومية المرأة. فالفيلم "قتل معلن" يجسد حال السوريين من تشرد وضياع وفقر في مخيمات اللجوء، وهو صرخة للتحذير من تفشي ظاهرة زواج القاصرات.

يهدف الفيلم إلى تعرية الوضع المتأزم الذي يعيشه السوريون في مخيمات اللجوء، وفضح زيف ما تقدمه منظمات الأمم المتحدة من مساعدات، والخطاب السياسي العنصري الذي يتعرض له السوريون.

تؤكد الراهب أن النساء السوريات اللواتي قدمن تضحيات كبيرة، هن الأكثر مصلحة في انتصار الثورة لتحقيق نظام مواطنة حر وعادل. وتضيف أن تجربتها في سوريا أثرت على وعيها النسوي، وأنها معنية بحمل هموم الأكثر مظلومية.

توضح الراهب أن فكرة الفيلم جاءت بعد ورشة عمل حول الفن وقضايا المرأة، وأن المنظمتين "مدني" و"سيرج" قدمتا دعمًا ماديًا لعدة أفلام حول هذا الموضوع. وتضيف أن فيلمها يلخص الكثير من قضايا المرأة، ويسلط الضوء على الانتهاكات التي تتعرض لها في طفولتها، ليس آخرها زواج القاصرات.

ولدت واحة الراهب في القاهرة عام 1964، وتحمل إجازة في الفنون الجميلة ودبلوم دراسات عليا في السينما. وهي متزوجة من المخرج السوري مأمون البني، وعمّها الروائي هاني الراهب. كتبت العديد من السيناريوهات وأخرجت مسلسلات، وشاركت في التمثيل في الدراما التلفزيونية. وكانت عضو لجان تحكيم في مهرجانات سينمائية وتلفزيونية عديدة.

حازت الراهب على جوائز وتكريمات عن أفلامها وكتاباتها. وكانت من أوائل من انتقد صورة المرأة النمطية، وأصدرت كتاب "صورة المرأة في السينما السورية".

يأتي فيلم "قتل معلن" بعد فيلمها الطويل "هوى"، وهو صرخة للتحذير من تفشي ظاهرة زواج القاصرات والوضع المعيشي السيئ للاجئين السوريين.

فيلم "الراهب" يجسد المآسي التي يتعرض لها الشعب السوري، ويعبر عن واقعهم المؤلم في مخيمات اللجوء. واختيار المخيم كان جزءًا أساسيًا من السيناريو للتعبير عن هذا الواقع.

واجهت الراهب صعوبات إنتاجية بسبب محدودية الميزانية، وتبرع بعض الفنانين بأجورهم للمساهمة في الفيلم. وتأمل أن يساهم فيلمها في إيصال صوت السوريين إلى العالم ودعم حملات التوعية لقضايا العنف ضد المرأة والحد من زواج القاصرات.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم

مشاركة المقال: