يشكو سكان العديد من المحافظات السورية، وخاصةً في الساحل، من أزمة مياه الشرب المستمرة منذ سنوات، والتي تتفاقم بدلًا من أن تنحسر رغم الوعود والاستعدادات المعلنة. واللافت أن هذه الأزمة تشتد في الساحل السوري، المنطقة المعروفة بغزارة أمطارها على مرّ التاريخ.
يشهد العديد من قرى الساحل انقطاعات طويلة للمياه تصل إلى أشهر، بالإضافة إلى الانقطاعات الأسبوعية واليومية المتكررة. ويعجز الأهالي في بعض القرى عن الاستفادة من مياه الينابيع المحلية بسبب التلوث الناتج عن ضعف تنظيم مشاريع الصرف الصحي وسوء تنفيذ بعضها الآخر.
فاقم انخفاض كمية الأمطار هذا العام، والذي وصل إلى النصف حتى في المناطق الساحلية، من حدة الأزمة. وفي حين أن دعوة السلطات إلى مزيد من التقنين أمر ضروري، إلا أن الأهم هو العمل على استثمار الآبار غير المستغلة وحفر آبار جديدة في أماكن تتوفر فيها المياه فعليًا، بدلًا من تكرار تجربة حفر آبار باهظة التكاليف لم تثمر.
يؤكد الواقع وجود مصادر مياه وفيرة في الساحل، سواء كانت ظاهرة كالينابيع الجارية أو مخزونة في باطن الأرض، وفقًا لتصريحات مسؤولي مديريتي الموارد المائية ومؤسسة مياه طرطوس. فكميات كبيرة من مياه نبع السن الغزير في بانياس تذهب إلى البحر، وهناك العديد من ينابيع المياه الصالحة للشرب في البحر على بعد أمتار من شاطئ طرطوس، بالإضافة إلى وجود مياه جوفية غزيرة جنوب شرق مدينة طرطوس. ورغم إنشاء سدي الصوراني في منطقة الشيخ بدر والدريكيش في منطقة الدريكيش لتخصيصهما لمياه الشرب، إلا أنهما لم يستثمرا حتى الآن بسبب استمرار تلوثهما بمياه الصرف الصحي.
المشكلة الحقيقية تكمن في غياب الإدارة الحكيمة القادرة على استثمار الموارد المائية المتاحة. فإذا كانت الحكومات السابقة قد أخفقت في استثمار هذه الموارد رغم الوعود والمبررات، فإن المسؤولية تقع الآن على عاتق الحكومة الحالية والحكومات القادمة للانتقال من الوعود إلى التنفيذ الفعلي. فالوضع الحالي لم يعد يحتمل التأخير، والجفاف يهدد الجميع.
إن الأزمة ليست في نقص المياه، بل في غياب الإدارة الكفؤة القادرة على استثمار الموارد المتوفرة. وإذا افترضنا نقص مياه الينابيع والمياه الجوفية، فإننا نطل على البحر الأبيض المتوسط، ويمكن تحلية مياهه كما تفعل العديد من الدول. فهل يعقل أن نعاني العطش رغم وفرة المياه من حولنا؟
من حق دمشق أن تشرب من مياه الساحل الفائضة، ولكن الأولوية يجب أن تكون لمعالجة أزمة الصرف الصحي في الساحل لوقف تلوث المياه السطحية والجوفية.
ختامًا، ندعو الحكومة إلى المسارعة في حل أزمة المياه لتلبية احتياجات البشر والحيوان والزرع والشجر.
*الكاتب: عبد اللطيف شعبان عضو جمعية العلوم الاقتصادية – عضو مشارك في اتحاد الصحفيين (موقع اخبار سوريا الوطن-١)