الإثنين, 3 نوفمبر 2025 06:24 PM

أسواق سوريا تغرق ببضائع مجهولة المصدر وسط غياب الرقابة: ما القصة؟

أسواق سوريا تغرق ببضائع مجهولة المصدر وسط غياب الرقابة: ما القصة؟

عنب بلدي – مارينا مرهج تنتشر في الأسواق الشعبية وعلى أرصفة الشوارع السورية منتجات غذائية واستهلاكية متنوعة تفتقر إلى بطاقات المواصفات وبيانات المنشأ وأرقام التسجيل التجاري. بعض هذه المنتجات يبدو مهربًا أو مصنعًا في ورشات محلية غير مرخصة، بينما تحمل أخرى بطاقات يصعب التحقق من صحتها.

خلال جولة في عدد من الأسواق داخل دمشق وريفها، لاحظت عنب بلدي انتشارًا واسعًا لمنتجات غذائية مثل المعلبات الأجنبية، وأطعمة الأطفال، والحلويات والمكسرات المغلفة، دون تدوين معلومات كافية حول المحتويات والترخيص أو تاريخ الصنع، والاكتفاء بذكر اسم المنشأة فقط. هذا الوضع يعرض عشرات المستهلكين يوميًا لخطر صحي محتمل، وذلك بسبب الأسعار الزهيدة التي تباع بها هذه المنتجات غير الخاضعة للرقابة الصحية أو الحفظ بالشروط المناسبة.

في لقاء مع مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية، ياسر عليوي، عرضت عنب بلدي هذه الظاهرة وسألته عن دور الهيئة في ردعها ومسؤوليتها تجاه ما يباع داخل الأسواق من منتجات محلية ومستوردة.

دور تشريعي وليس رقابيًا

في منطقة البرامكة بدمشق، يتجمع المواطنون حول بائع يعرض منتجات غذائية معلبة على قطعة قماش. يقول البائع لعنب بلدي: "جميع هذه المنتجات دخلت عقب سقوط النظام السابق، أشتري ما أحتاجه بأسعار رخيصة من تجار الجملة، وأعيد بيعها بعد إضافة الربح عليها، وحتى الآن لم يأتِ إليّ أحد يشتكي من سوء ما أبيعه".

وفي مكان آخر، يعرض بائع مكسرات مغلفة بأكياس شفافة على طاولة خشبية متحركة، ويكتفي بوضع ورقة مطبوع عليها اسم المنتج فقط، بأسعار تبدأ من عشرة آلاف ليرة سورية وتصل إلى 35 ألف ليرة سورية لبعض الأنواع. كما تنتشر مأكولات الأطفال بعبارة "ثلاث قطع بعشرة آلاف ليرة"، ورغم وجود المعلومات على الغلاف، يثير سعرها الشكوك حول خضوعها للشروط الصحية أثناء الإنتاج أو الحفظ والتخزين.

أوضح ياسر عليوي، مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية، أن مسؤولية الهيئة تقتصر على وضع الشروط والمعايير الواجب اتباعها وفحص المنتجات، بينما تقع رقابة المنتجات داخل الأسواق على عاتق الجهات الرقابية الغذائية والصحية والدوائية. وفي حال وجود شكوى تجاه منتج ما، ترسل الجهات الرقابية عينة من المواد إلى هيئة المواصفات لفحصها وكتابة التقارير الخاصة بها.

وحول دور الهيئة في مراقبة المواد الواردة إلى سوريا، بين عليوي أن المسؤولية تتوزع بين عدة جهات، تشمل الهيئة لوضع المتطلبات والمواصفات والفحوص المرجعية، والتجارة الداخلية، والجمارك، والصحة، والجهات الرقابية على الحدود والأسواق. ويتضمن عمل الهيئة إصدار المواصفات والمتطلبات الفنية ومعايير الفحص للسلع المستوردة، وتنسيق إجراءات الفحص وإتاحة قوائم السلع الخاضعة للرقابة الفنية، مع وجود آليات لأخذ عينات وفحوص مشتركة بين الجهات المعنية لضمان سلامة المواد الواردة ومنع دخول غير المطابق منها.

ضمان نزاهة الفحوص وحماية المستهلك

شدد عليوي على أن الفحص في النظام الرسمي ليس إجراء شكليًا، بل يخضع لإجراءات عمل قياسية تشمل أخذ العينات وفق طرق معتمدة، وإجراء الاختبارات في مختبرات معتمدة، وتوثيق السجلات بدقة، كما تراقب الهيئة نزاهة المختبرات بالتعاون مع جهات الاعتماد والتدقيق. وفي حال اكتشاف منتجات غير مطابقة، يتم اتباع سلسلة إجراءات قانونية وتنظيمية، تبدأ بإعلام المنشأة وسحب عينات إضافية للتحقق، مرورًا بإنذارات أو قرارات سحب ومنع تداول، وصولًا إلى إحالة الحالات الجسيمة إلى الجهات القضائية المختصة. وأكد عليوي أن الهدف من هذه الإجراءات هو حماية المستهلك وضمان السلامة والصحة العامة، مع الحفاظ على حق المنتج في الاعتراض واستئناف القرار عبر الإجراءات القانونية، وفق القوانين الناظمة للهيئة.

وتنظم الهيئة حملات إعلامية وورشات عمل وندوات للمستهلكين، بالإضافة إلى نشر أدلة مبسطة للمواصفات الخاصة بالسلع اليومية، كما تشارك منظمات المجتمع المدني وجمعيات حماية المستهلك في بعض اللجان الاستشارية داخل الهيئة، لتضمين وجهة نظر المستخدم النهائي في إعداد المواصفات. وتتيح الهيئة قنوات لتلقي شكاوى الجمهور حول المنتجات المشتبه بها، لخلق حلقة تغذية راجعة بين المجتمع ومؤسسات الدولة.

المواصفات الدولية واحتياجات السوق

تعتمد هيئة المواصفات والمقاييس في سوريا على مبدأ "التوافق الذكي"، وتتخذ المواصفات الدولية (مثل ISO، IEC، OIML) مرجعية أساسية، مع إدخال تعديلات وطنية عند الحاجة، لتتلاءم مع خصوصية السلسلة الإنتاجية أو الظروف البيئية والاقتصادية المحلية، وفقًا لمديرها ياسر عليوي. ويتم العمل من خلال لجان فنية تضم خبراء من مختلف القطاعات: الصناعة، الأكاديميين، الجهات الرقابية، الجمارك، المستهلكين، بحيث تراجع المسودات الدولية وتكيف بنودها (من المواد إلى حدود المطلوبات وطرق الاختبار)، بما يتناسب مع قدرات المصنعين ومتطلبات السلامة العامة دون الإخلال بمستوى الجودة المقبول. وأضاف عليوي أن هذه الآلية تنسجم مع قانون إنشاء الهيئة وأهدافها في بناء نظام وطني للمقاييس يتوافق مع الممارسات الدولية المعتمدة.

أدوات المطابقة والمعايير الدولية

حول قدرة سوريا على مطابقة معايير الجودة الدولية، أوضح عليوي أن لدى الهيئة إطار عمل متكاملًا، يشمل لجانًا تقنية وشبكة مختبرات وطنية تجري الاختبارات والمعايرات، إلى جانب متابعة الاعتمادات والممارسات الدولية في مجالات القياس والمطابقة. ونوه إلى أن مستويات البنية التحتية (المختبرات، الاعتماد الدولي لبعض المختبرات، معدات المعايرة المتقدمة) تختلف حسب القطاع، إذ إن بعض القطاعات مجهزة جيدًا، وبعضها يحتاج إلى تحديث أو اعتماد أوسع، ويتم العمل على تطوير هذا النظام تدريجيًا. كما تمثل الهيئة سوريا في منظمات دولية وإقليمية متخصصة، ما يتيح لها الوصول إلى المراجع الفنية المعتمدة، مشيرًا إلى عدم وجود تصنيف عالمي موحد يحدد ترتيب الدول في هذا المجال، لأن القدرات تختلف بحسب معايير متعددة مثل عدد المختبرات المعتمدة، ووجود هيئة اعتماد وطنية معترف بها دوليًا، والمشاركة الفعالة في لجان "ISO/IEC"، وقدرة التصدير، لافتًا إلى أن الهيئة تركز على مؤشرات أداء قابلة للقياس، مثل زيادة المختبرات المعتمدة ورفع كفاءة الفحوص، والحصول على اعترافات إقليمية ودولية، بدلًا من الاكتفاء بالبحث عن تصنيفات رقمية مجردة.

تحديات المصانع الصغيرة وآليات الدعم

تعتبر تكاليف الامتثال أحد التحديات التي تواجهها المصانع الصغيرة والمتوسطة في الالتزام بالمواصفات، وتشكل عبئًا أوليًا على هذه المنشآت، خاصة فيما يتعلق بالتجهيزات والاختبارات، وفق ما قاله مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس، ياسر عليوي. وأضاف أن ضعف الوعي الفني ونقص المعرفة بمتطلبات المواصفة وطرق الاختبار يمثلان تحديًا آخر، إلى جانب غياب البنية التحتية للاختبار والمعايرة في بعض المحافظات.

وللتعامل مع هذه التحديات، تعتمد الهيئة سياسات تيسيرية، مثل تبسيط متطلبات الاعتماد في المراحل الأولى، وتنظيم برامج دعم فني وتدريب من خلال ورشات عمل ونشرات متخصصة، إضافة إلى إنشاء مراكز اختبار إقليمية مشتركة. وأشار عليوي إلى أن الهيئة تعتمد مبدأ "التدرج في الامتثال"، بما يمنح المنتجين فرصة للتحسين تدريجيًا للوصول إلى الامتثال الكامل، دون إغلاق السوق أمامهم، بهدف تحقيق التوازن بين حماية المستهلك وضمان جودة المنتج مع عدم خنق الاقتصاد المحلي. وتتدرج متطلبات الامتثال بحيث تمنح المصانع فرصة للانتقال تدريجيًا نحو الامتثال الكامل دون إغلاق السوق أمامها، بهدف حماية المستهلك وضمان جودة المنتج مع عدم خنق الاقتصاد المحلي.

تعزيز تنافسية المنتجات ومراقبة المستوردات

لخص مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية، خلال حديثه لعنب بلدي، خطوات الهيئة لتعزيز التنافسية والتصدير بعدد من الجوانب هي:

  • المواصفة الوطنية المتوافقة مع المعايير الدولية، لتقليل حاجز الدخول للأسواق الخارجية، وطمأنة المشترين والمستوردين إلى أن المنتج يلتزم بمواصفات مقبولة عالميًا.
  • إتاحة تطبيقات القياس والمعايرة (مثل قياس الأداء، دقة الأدوات) وتقليل الهدر وتحسين الكفاءة، ما يخفض التكاليف ويزيد جودة المنتج وبالتالي قابليته للتصدير.
  • شهادات المطابقة والاختبارات المعتمدة التي تساعد في فتح أسواق جديدة وتسهيل إجراءات التخليص.

واختتم مدير عام هئية المواصفات والمقاييس العربية السورية، ياسر عليوي، بالتأكيد على أن الهيئة تعمل على مواءمة النظام الوطني للمواصفات مع المعايير الدولية مع الحفاظ على خصوصية السوق المحلية، وتسعى لتطوير قدرات الفحص والاعتماد لحماية المستهلك ودعم تنافسية المنتج السوري. وتعتبر الهيئة الجهة الوطنية المسؤولة عن المواصفات والمقاييس، وتغطي قطاعات واسعة تشمل الأغذية، والمنتجات الصناعية والكهربائية والإلكترونية، ومواد البناء، والسلع الاستهلاكية، والمعدات الطبية، وتدخل ضمن صلاحياتها منظومة المواصفات الغذائية المرتبطة بـ"Codex" فيما يتعلق بسلامة الأغذية. ورغم التحديات المرتبطة بالبنية التحتية وزيادة الوعي الفني، فإن الهيئة تواصل تنفيذ خارطة طريق لتطوير منظومة الاعتماد المختبري، وتوسيع برامج الدعم الفني، وتفعيل الرقابة على الأسواق، بما يعزز ثقة المستهلك محليًا ويهيئ الطريق أمام انفتاح المنتج السوري على الأسواق العالمية.

مشاركة المقال: