الإثنين, 1 سبتمبر 2025 10:04 AM

"الأوسلاندر" لخالد إبراهيم: رواية تستكشف أبعاد الحرب والفقد والحنين في سورية والمهجر

"الأوسلاندر" لخالد إبراهيم: رواية تستكشف أبعاد الحرب والفقد والحنين في سورية والمهجر

تعتبر عتبة العنوان مدخلاً أساسياً إلى عالم الرواية الإبداعي. في رواية "الأوسلاندر" للروائي خالد إبراهيم، لا يقدم الروائي مفاتيح روايته للقارئ بسهولة، فالعنوان نفسه يحمل غموضاً لمن يجهل معناه. كلمة "الأوسلاندر" تعني باللغة الألمانية "الأجانب"، وهي إشارة إلى أن "الجميع أوسلاندر، لاجئون، ومشردون" كما ورد في الصفحة 166. العنوان الفرعي للرواية يوضح: تشريع الغربة، اختبار الفقد.

تدور أحداث "الأوسلاندر" حول الثورة في سورية، حيث "في صباح 15/3/2011 أعلن ثوّار سورية ثورتهم في وجه الاستبداد والحكم الديكتاتوري" (ص 15). تتناول الرواية أيضاً موضوعات الحب والخيانة والتشرد في أنحاء العالم، بالإضافة إلى قضية الهوية التي تعاني من التصدع داخل وخارج الوطن. كما تبحث الرواية عن الذات والهوية، وتتطرق إلى لقاءات المهجرين من بلادهم في أروقة (الكمبات) ودهاليز المدن والعواصم، وغالبية هؤلاء الشخصيات هم من سورية، فارين من الحرب وويلاتها. "كنا في بلدنا مهجرين، مبعدين، ومنفيين، وها نحن في أوروبا مطرودون، مكلومون، مشردون" (ص 52).

يستخدم الروائي خالد إبراهيم في سرده ضمير المتكلم، وهو من أجمل الضمائر في السرد الروائي، حيث يعتمد على ضميري "أنا" و"نحن" لتقديم الأحداث من وجهة نظر شخصية داخل النص الروائي. يساعد هذا الضمير في بناء علاقة قوية بين القارئ والشخصية، ويعمق التجربة الشعورية، ويتيح الكشف عن أعماق النفس البشرية. فشخصية (شفان) هي الشخصية المحورية في الرواية، والتي تخاطب المتلقي وتسرد له الأحداث بلغة سردية شاعرية: "اسمي شفان.. أنا اللا أحد بعد أن انتهكت كرامته وسكت، بعد أن دمر بيته وهاجر. تطاردني الذكريات المريرة مذ كنت طفلاً" (ص 9).

الروائي خالد إبراهيم هو شاعر، وفي هذا المسرود الروائي ينجو من كمين الشعر الذي غالباً ما يقع فيه البعض، حيث يوظف اللغة كأداة طيعة وشيقة تخدم الحدث الروائي، ولا تتكئ عليه بقدر ما تحقق متعة مزدوجة للقارئ والسارد. "تذكَّرتُ كيف نمت هنا ذات يوم وقد أنهكني برد شتاء الغربة، بل نمت في هذه المحطة أكثر من مرة، جائعاً، خائر القوى، بلا ماء، بلا سجائر، بلا نقود، بلا شرف، بلا كرامة، وبلا وجه أمسح به نظرات العابرين بين قطار وآخر".

تجمع هذه الرواية بين الرواية الواقعية والحداثوية وبين السيرة الذاتية، التي ليست مجرد سرد لأحداث حياة الكاتب، بل هي مرآة عاكسة للذات الإنسانية في تفاعلها مع محيطها الاجتماعي والسياسي والثقافي. وهي تتلاعب بالحدود بين الحقيقة والخيال لخدمة أهداف فنية. لا تكتفي الرواية بصوت البطل، بل تدمج أصواتاً أخرى (العائلة الأم، الإخوة- الأصدقاء) لتقديم رؤية متعددة الأبعاد للحقيقة. سنجد إلى جانب شفان (تيسير وخورشيد وبهزاد وجومرد من سورية وياسر من مصر ودانييل من رومانيا، و يوسف ورأفت، والسيدة شهناز وهيفاء وعبير وأم مروان. الخ)، ولكل منهم قصته التي شكلت الملمح الأساسي لخيوط حاكها لنا خالد إبراهيم بعناية فائقة.

استخدم الروائي تقنيات روائية حديثة لا تلتزم بالسرد الخطي التقليدي، بل تستخدم تيار الوعي واللاوعي والتقطيع الزمني. تتكون الرواية من أحد عشر فصلاً، وهي مكثفة لتجنب السرد الممل والساذج، ولمنعها من الترهل، مستخدماً تقنيات السرد الروائي المنتمي لما بعد الحداثة. برزت في الرواية أصوات مثل صوت الظل، وصوت الأم اللذين شكلا بعداً جمالياً يضاف لجماليات هذه الرواية. فقد شكلت الأم رمزاً إنسانياً، ومعادلاً روائياً لهذا النص الروائي المدهش. "كل هذا الحريق، الحزن، الألم والفرح أمّي. المطر، الثلج، حريق الصيف، الغبار، الحنين، الأنين، والذكريات أمّي. أمي رائحة البرية المقدسة. أمّي هذا العالم المزدحم بالأمهات" (ص 119). وإذا انتقلنا إلى الظل سنجد ذاك المونولوج والديالوج بينه وبين شفان. "ما هو أجمل شعور يا شفان؟ يسألني الظلّ. أنك تكون بمأمن ولو أخطأت" (ص 218) "ماتت أمّي دون أن أودعها، ودون أن أهنأ برؤيتها. الظل: نحن ياشفان نعذّب موتانا بالحزن، أزرع شتلة فرح حول قبرها" (ص 239).

(الأوسلاندر) صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت 2024/ 256 صفحة.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: