الأحد, 26 أكتوبر 2025 10:21 PM

بولندا تتحدى الركود: نمو اقتصادي مطرد يضعها في منافسة مع ألمانيا

بولندا تتحدى الركود: نمو اقتصادي مطرد يضعها في منافسة مع ألمانيا

في ظل الركود الذي تعاني منه اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي، تبرز بولندا كأحد الأعضاء الأكثر تحقيقًا للأرقام الإيجابية. ففي عام 2024، حقق الناتج المحلي الإجمالي البولندي نموًا يقارب 3%، متجاوزًا بذلك متوسط النمو على مستوى الاتحاد الأوروبي البالغ 1%، والاقتصادين الأكبر في الاتحاد، فرنسا وألمانيا. سجلت فرنسا نموًا بنسبة 1.2%، بينما شهدت ألمانيا انخفاضًا بنسبة 0.2%.

تشير المؤشرات الحالية إلى مزيد من التفاؤل، حيث سجلت بولندا نموًا بنسبة 0.8% في الربع الثاني، وهو خامس أفضل معدل في الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن يبلغ معدل النمو حوالي 3.3% هذا العام، وقد يصل إلى 3% في العام المقبل. هذا النجاح ليس وليد اللحظة، فمنذ انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004، بلغ متوسط النمو السنوي حوالي 4%. يشهد سوق الأسهم ازدهارًا، وهناك ثقة في قدرة بولندا على التطور لتصبح واحدة من أقوى الاقتصادات وأكثرها ديناميكية في الاتحاد الأوروبي.

تقول كاتارزينا رزنتارزفسكا، كبيرة محللي الاقتصاد الكلي لأوروبا الوسطى والشرقية في مجموعة إرستي لـ DW: "حققت بولندا أداءً فوق المتوسط بشكل واضح خلال العقدين الماضيين. تضاعف الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وهذا أمر رائع".

يرى جاكوب فونك كيركغارد من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أن نجاح بولندا ينعكس إلى حد ما في دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق الأخرى، لكن الحجم يمثل فارقًا حاسمًا. ويضيف بأن "بولندا كبيرة، لذلك فهي مهمة بالفعل على مستوى الاتحاد الأوروبي سواء من الناحية السياسية أو من حيث الثقل الاقتصادي".

يبلغ عدد سكان بولندا 37 مليون نسمة، مما يجعلها خامس أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان. ويقع اقتصادها الآن في المرتبة 20 تقريبًا بين أكبر اقتصادات العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي. ومع تزايد وزنها الاقتصادي، تزداد أيضًا أهميتها الاستراتيجية والجيوسياسية. في السنوات الأخيرة، زادت البلاد نفقاتها الدفاعية بشكل كبير، وتبلغ حاليًا حوالي 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي. يُخصص جزء كبير من الإنفاق الدفاعي للطلبات الخارجية وليس للإنتاج المحلي.

وحسب رزينتارزفسكا، فإن نمو بولندا مدعوم بالاستهلاك الخاص في البلاد أكثر من الصادرات: "إنه ركيزة النمو". وهذا يؤدي إلى انخفاض معدل البطالة مع ارتفاع الأجور الحقيقية في الوقت نفسه. وبالتالي، فإن البلاد محمية بشكل جيد نسبيًا من الصدمات الخارجية. و"في حالة حدوث ركود عالمي، فإن الاقتصادات الصغيرة الموجهة للتصدير هي أول من يتأثر بالطبع. لكن في الاقتصاد البولندي المغلق نسبيًا، يظل الاستهلاك قويًا".

إذن ما الذي فعلته بولندا بشكل صحيح؟ ترى رزينتارزفسكا أن الاندماج الناجح في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ومنطقة شنغن ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هو مفتاح النجاح. وتقول: "إذا نظرنا إلى مفهوم التكامل بشكل عام، فإن بولندا قد نجحت فعلا". ورغم أنها لم تنضم إلى منطقة اليورو، إلا أنها تستفيد من تمويلات الاتحاد الأوروبي السخية منذ انضمامها في عام 2004. "لا يمكننا إنكار أن الوصول إلى الأموال الأوروبية كان هائلاً وهو عامل مهم للنمو".

يوافق كيركغارد على ذلك ويقول إن بولندا "استخدمت أموال الاتحاد الأوروبي لتحسين البنية التحتية بشكل كبير. لقد قضوا تمامًا على الفساد الذي كان منتشرًا خلال سنوات الحكم الشيوعي. لقد نجحوا في خلق بيئة تجارية جذابة، كما أن القوى العاملة لديهم جيدة التعليم بشكل عام. بولندا هي مثال نموذجي على الاندماج الناجح في الاتحاد الأوروبي".

لكن هناك عوامل عكسية. على مدى العقدين الماضيين، انقسمت بولندا سياسيًا بين كتلة يمينية كبيرة بقيادة حزب "القانون والعدالة" الشعبوي وكتلة ليبرالية من يسار الوسط بقيادة التحالف المدني لرئيس الوزراء دونالد توسك. تحالف توسك أكثر ودية تجاه الاتحاد الأوروبي واعتُبر فوز كتلته في الانتخابات البرلمانية لعام 2023 مفيدًا في تأمين أموال الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل لبولندا، حيث دخل حزب "القانون والعدالة" في نزاعات متكررة مع بروكسل حول استقلال القضاء خلال فترة ولايته. ويُنظر إلى فوز كارول نافروتسكي في الانتخابات الرئاسية لعام 2025 وهو مستقل متشكك في الاتحاد الأوروبي مدعوم من حزب "القانون والعدالة" على أنه قد يضر بعلاقات بولندا مع الاتحاد الأوروبي. وبعد أسابيع قليلة من توليه منصبه في عام 2023، تمكن رئيس الوزراء توسك من إقناع المفوضية الأوروبية بإطلاق 137 مليار يورو من التمويل، بشرط أن يعيد نظام القضاء البولندي إلى التوافق مع معايير وقواعد الاتحاد الأوروبي. لكن محاولاته للنظر في إمكانية عزل القضاة الذين عُينوا خلال فترة حكم حزب "القانون والعدالة" تضعه في صراع مباشر مع رئيس الدولة نافروتسكي.

تؤكد رزنتارزفسكا أن بولندا حققت تقدمًا اقتصاديًا على الرغم من انقسامها السياسي بين الكتلتين. وتقول إن "بولندا هي مثال جيد على كيفية تحقيق التقدم والنمو الديناميكي في ظل أحزاب أو توجهات سياسية مختلفة، سواء كانت محافظة أو ليبرالية". قد تكون النفقات الاجتماعية الإضافية مثل إعانة الأطفال التي أدخلها حزب "القانون والعدالة" مفيدة وساهمت في تحفيز الاقتصاد. لكنها تشير أيضًا إلى أن النفقات الإضافية المرتبطة بزيادة الإنفاق الدفاعي وصدمة التضخم بعد الوباء، قد ساهمت في توتر الوضع المالي في بولندا. وحسب خطط وزير المالية البولندي أندريه دومانسكي الأخيرة، سيبلغ العجز في الميزانية البولندية 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2026.

يوضح رافال بينيكي، كبير الاقتصاديين في ING لبولندا أن وكالات التصنيف والمستثمرين لا يشعرون بأي قلق بسبب معدل النمو القوي في بولندا. ومع ذلك، يرى أن البلاد بحاجة إلى "خطة ميزانية مقنعة لتعزيز الثقة". "بولندا ستضطر إلى مواجهة هذا التحدي"، تقول رزينتارزفسكا. وتضيف: "سيتطلب الأمر ضبط الميزانية واتخاذ تدابير تقشفية، وهذا بالطبع قد يبطئ النمو". لكنها تؤكد أن الثقة الحالية لها ما يبررها، إذ أن "انخفاض معدل البطالة وثقة المستهلكين، وقبل كل شيء الإنتاجية العالية، كل ذلك يساهم في الأجواء الإيجابية العامة والأداء الاقتصادي".

يشارك كيركغارد هذا الرأي ويعتقد أن بولندا يمكن أن تعلم بقية دول الاتحاد الأوروبي الكثير عن الديناميكية الاقتصادية والمرونة. "كان هناك وقت كانت فيه ميشيغان وما يعرف اليوم بحزام الصدأ في الولايات المتحدة هي الجزء المهيمن اقتصاديًا في الاقتصاد الأمريكي"، كما يقول، ويضيف: "لم يعد هذا هو الحال الآن. ولكن إذا افترضنا أن ألمانيا غير قادرة على إجراء إصلاحات وأن بولندا ستستمر في العمل كما فعلت منذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي قبل 20 عامًا، فإنها ستتفوق في نهاية المطاف على دول مثل ألمانيا التي قد تصبح نوعًا من حزام الصدأ الأوروبي". (DW)

مشاركة المقال: