الأحد, 14 سبتمبر 2025 11:35 PM

بين العمالة والغباء: تقييم لإرث بشار الأسد في سوريا

بين العمالة والغباء: تقييم لإرث بشار الأسد في سوريا

يثير مصير بشار الأسد جدلاً واسعاً بين السوريين، فمنهم من يتهمه بالخيانة وبيع البلاد، بينما يراه آخرون مجرد شخص غبي أضاعها.

بعد وفاة باسل الأسد، وجد بشار نفسه فجأة في طريق الحكم. قام حافظ الأسد بتشكيل فريق سياسي وأمني لتهيئته وتدريبه، رغم اعتراض والدته التي كانت تراه ضعيف الشخصية، انطوائياً، ومزاجياً، وغير صالح للقيادة. لكن قرار الأب كان نافذاً، فتمّ تسريح أو إحالة العديد من الشخصيات العسكرية والأمنية القوية إلى التقاعد، خشية اعتراضهم على توريث الحكم لبشار بعد وفاة حافظ الأسد.

قبل استلامه الحكم، تم تقديمه إعلامياً وشعبياً وعربياً ودولياً على أنه شخص إصلاحي وعصري ومنفتح. عند وفاة والده، تقبله الجميع حاكماً لسورية، وبدأت الوفود بتقديم التهاني. حاول في البداية تخفيف القبضة الأمنية وإطلاق الحريات لفترة قصيرة، لكن سرعان ما انتهى ذلك بتوصية من مستشاريه وضباطه الأمنيين، مما أدى إلى نفور الغرب منه. ثم بدأت حرب العراق، فتدخل عبر السماح لآلاف المقاتلين بالعبور من سورية لقتال الأميركيين، مما أدى إلى صدور قانون محاسبة سورية الذي أقره الكونغرس في أواخر عام ٢٠٠٣م. أصر أيضاً على التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود رغم معارضة المجتمع الدولي، وخاصة أميركا وفرنسا، إضافة للدول العربية وبشكل أساسي السعودية، فضلاً عن معارضة الكثير من اللبنانيين، فصدر قرار مجلس الأمن رقم ١٥٥٩ تحت البند السابع الذي دعا إلى سحب القوات السورية من لبنان وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وجاء بعدها اغتيال الحريري، وتشكّل ضغط دولي كبير على سورية، وشُكلت لجان تحقيق دولية لمعرفة من اغتال الحريري في بيروت التي كانت تحت السيطرة السورية أمنياً آنذاك. نتيجة للضغوط وتنفيذاً للقرار الدولي، انسحبت القوات السورية من لبنان بعد ٢٩ عاماً من وجودها فيه.

في عام ٢٠٠٦م، وقعت حرب تموز، وبعد نهايتها وصف بشار العرب بأنصاف الرجال وانتقد السعودية بشكل خاص، مما أدى إلى تدهور العلاقات مع سورية.

وصلت علاقته بقطر وتركيا إلى مستويات عالية، حتى فتحت الحدود بين تركيا وسورية وأزيلت الألغام المزروعة بينهما، وأصبحت تركيا وقطر تتحركان بحرية في سورية، وتوسطتا لجماعة الإخوان المسلمين السورية. كانت تركيا وقطر تعملان على اختراق القيادة السورية ومسؤوليها، بل والشعب والمجتمع، مما جعل تأثيرهما كبيراً في مجريات الأحداث السورية منذ بدايتها. وكما يقال: احذر عدوك مرة، وصديقك ألف مرة، لأن الصديق يعرف مكامن الضعف ويعرف كيف ومتى وأين يطعن.

كان واضحاً أو اتضح لاحقاً أن حمد واردوغان كانا يضحكان على بشار ويستغلانه ويجهزان لأمر ما في الخفاء.

كانت حركة حماس وقيادتها في سورية تتمتع بمكانة كبيرة، وتُلبى طلباتهم وتُنفذ رغباتهم، فكانت أول من تنكر له وغدر به.

ثم بدأت الأحداث في سورية في العام ٢٠١١م، وبدأت الدولة تفقد مناطقها تدريجياً إلى أن جاء التدخل الروسي في العام ٢٠١٥م، فأعاد السيطرة على الكثير من المناطق الخارجة عن السيطرة. بحلول العام ٢٠١٨م، كانت الدولة قد استعادت قوتها وسيطرتها.

في بداية الأحداث، أُطلق سراح الإسلاميين المتطرفين من السجون لإضفاء صبغة إسلامية متطرفة على الأحداث، فشكلوا ألوية وجيوشاً قُضي عليها في نهاية الأمر.

كان بشار يعتقد نفسه مثل عبد الناصر، صوت العروبة، وبدأ يُنظّر على العرب بخطاباته الطنانة.

الحق لا يتجزّأ وكذلك الأخلاق، فإذا تحدثت عن السيادة والكرامة والاستقلال والمقاومة، وأنت تسلب شعبك سيادته على نفسه وتهين كرامته، وتفقده استقلاله، وتقاوم كل صوت معارض أو ناقد لك، فكيف سأصدقك؟ تحدثني عن مكافحة الفساد وأخوك وعائلتك وزوجتك والمقربون منك مثال ساطع عن الفساد. تبني لنفسك مئات التماثيل وتحدثني عن التواضع!؟.

بالعودة إلى مرحلة وجوده في بريطانيا التي تعرّف فيها على أسماء الأخرس، من المفيد أن دراسة ابن رئيس كحافظ الأسد في وقتها، كان سيلفت بالضرورة نظر المخابرات البريطانية، وربما عملت على دفع أسماء الذكية، الجميلة، باتجاهه، بعد تحليل نفسيته وشخصيته، فوصلت إلى قناعة بإمكان السيطرة عليه عن طريق هذه الفتاة، وتزويجه إياها، ومعروف عن المخابرات البريطانية عقلها البارد والصبور ومخططاتها البعيدة التي لا تنضج او تستخدم إلا بعد عشرات السنين.

لونا الشبل التي اخترقت القصر الجمهوري وتدخلت في سياسات الدولة الخارجية، والداخلية، حتى الأمور العسكرية تدخلت فيها، وكانت المخابرات بتقاريرها حذرت منها ومن دورها في تسريبات المعلومات إلى جهات خارجية ولكن صاحب الغرام لم يصدق أو صدق ولم يفعل شيئا.

فقد كانت تعين وزراء وتعزل وزراء، وهي مجرد مذيعة، قارئة أخبار، آتية من قناة الجزيرة إلى القصر الرئاسي دفعة واحدة، فأدنى اعتبارات الأمن يقتضي الشك بها ومراقبة سلوكها.

بشار الأسد لم يكن خائنا ولا عميلا، بل كان غبيا وجاهلا، قصير النظر، كان ما يزال يعيش في العام ٢٠٠٠م وقت تسلمه الحكم ولم يغادر تلك المرحلة فكريا، لم يقتنع أن الشعب تغير والدول تغيرت والسياسات تطورت، كان مقتنعا أنه قائد كبير، ومحبوب الشعب، ورئيس مقاوم، كان من حوله يزين له ذلك.

بشار كان أسير مستشاريه الجهلة منهم والخبثاء.

بشار كان شخصا أعمى دفعه من خلفه إلى الهاوية.

كان الذي حوله يلعبون ويعملون على تضخيم اناه والنفخ فيه حتى أعتقد أنه من أساطين السياسة.

فقد كان يقرب من يمدحه ويثني عليه ويبعد من ينتقده ويصحح له تفكيره من ناحية السياسات.

كان معروف عنه أنه بخيل وأناني وحسود، وكان يكره القراءة، وكان كذّابا من الدرجة الأولى.

بشار كان متآمرا على نفسه قبل تآمر الآخرين من حيث لا يدري.

ولا يمكن أن تنجح مؤامرة إذا لم تتوفر أرضية خصبة لنموّها، وكانت سياسات النظام الغبية أكثر من ساعد الآخرين لنفيذ مؤامراتهم وتحقيق أهدافهم.

سورية بشكلها اليوم نتيجة، وأسبابها سياسات نظام الاسد.

بشار كان غائبا عن الوعي، يعيش في زمن سابق، منفصل عن كل حكمة ومعرفة، متصل بكل جهل وغباء.

بشار قبل هروبه بربع ساعة كان يُفكر بتوريث ابنه حافظ.

الفرص التي أتيحت لبشار لإصلاح الاوضاع في سورية واستمراره بالحكم لم تُتح لأحد.

لو كان ذكيا لما رهن نفسه للروس والإيرانيين فباعوه عند أول صفقة رابحة.

لو كان ذكيا كان دعم جيشه الذي قاتل معه ودافع عنه، كان دعم الشعب الذي وقف معه وناصره، كان أزال القبضة الأمنية، كان امتثل للحل السياسي وفق القرار الدولي ٢٢٥٤ كان حرّك المياه الراكدة، كان استغل الفرص التي قدمت له ولم يغلق الأبواب التي فتحت أمامه، ولكن بقي على عناده بمشورة مستشاريه وبغبائه اللامحدود، فحصد نتيجة ذلك لعنة التاريخ إلى الأبد.

أقول كخلاصة:

لو كان بشار عميلا لما كان خطره كبيرا ولما كان سقوطه مُدويا، كان عميلا من غير أن يدري، كان غباؤه أسوأ من العمالة، العملاء أذكياء وبشار غبي، كانت سياسته الغبية أدهى من أي عمالة، وفي النهاية كان ضحيّة جهله.

بقلم : أسعد صالح

مشاركة المقال: