الثلاثاء, 26 أغسطس 2025 05:21 PM

خان الوزير في حلب: تحفة معمارية تعود للحياة كمركز تجاري على طريق الحرير

خان الوزير في حلب: تحفة معمارية تعود للحياة كمركز تجاري على طريق الحرير

حلب-سانا: يجسد خان الوزير التاريخي في مدينة حلب القديمة أصالة التجارة والحرف اليدوية التي ازدهرت في المدينة على مر العصور، ويمثل تحفة معمارية وصرحاً اقتصادياً وثقافياً شهد تحولات كبيرة عبر تاريخه الطويل الممتد لنحو 350 عاماً.

جذور تاريخية

بُني خان الوزير في عام 1683م في العهد العثماني، حيث أوقف والي حلب آنذاك "مصطفى باشا" أموالاً لبناء الخان كي تحط فيه القوافل القادمة من بغداد والبصرة، وذلك شرق الجامع الأموي على الطريق المؤدي إلى قلعة حلب بالقرب من جامع الفستق (الصحابية). وتقدر مساحة الخان بنحو 4100 متر مربع، ويضم نحو 80 غرفة موزعة بين طابقين، علوي وسفلي، تفتح على صحن دار واسع، وسُمي الخان بهذا الاسم نسبةً إلى منشئه الذي أصبح لاحقاً كبير الوزراء في الدولة العثمانية.

تصميم معماري فريد

يتميز خان الوزير بتصميمه المعماري الفريد الذي يعكس روعة العمارة العثمانية، حيث يحتوي الفناء الداخلي على موضأ مسقوف بقبة وبئر للماء، بالإضافة إلى صحن حجري كان يستخدم لشرب الدواب، فيما صنعت البوابة الرئيسية من خشب هندي مقاوم للتسوس ومزينة بمسامير حديدية، وتحتوي على فتحة صغيرة تسمى "الكوخه" للدخول عند إغلاق الباب الرئيسي، وتزين الواجهة الخارجية نقوش لأسد ضاحك وآخر باك، يرمزان إلى استقبال الضيوف ووداعهم، كما تزين الواجهة الداخلية نقوش هندسية وأشكال ترمز للتسامح بين الأديان، مثل الهلال والصليب.

محطة اقتصادية وتجارية

كان خان الوزير محطة أساسية على طريق الحرير، واشتهر بتجارة الأقمشة والخيوط، وخاصة القطن السوري الذي كان يصنف الأفضل في العالم، كما ازدهرت فيه صناعة النسيج، بما في ذلك نسيج "أطلس مكربنة" المستخدم في ملابس الزفاف. وضم الخان في فترة ازدهاره معامل لورق السجائر، وبنكاً تجارياً، ومحالّ للأقمشة والتريكو، ثم تحول الخان لاحقاً إلى مكاتب تجارية لكنه حافظ على طابعه الاقتصادي حتى اليوم.

أهل الخان والعلاقة الروحية

"كنا ملوك التجارة وما زلنا، وسنعمرها من جديد"، بهذه الكلمات لخص الحاج راتب دهان صاحب محل ألبسة علاقته الروحية الوطيدة بخان الوزير، حيث يعمل منذ أكثر من 50 عاماً.

ويروي دهان كيف تحول الخان لتجارة الأزرار والمكسرات ولمركز لصناعة الألبسة الداخلية، وقال: "أنا أعمل على تصليح ماكينات (السكولير) للألبسة الداخلية، بالإضافة إلى عملي بالتجارة ضمن تلك المهنة التي زاولتها أكثر من 40 عاماً". وعبر دهان عن حبه العميق للخان وتفاؤله بمستقبله، مؤكداً أن تجار الخان ما زالوا يحملون روح الإصرار وحب العمل التي ميزت الأجيال السابقة لإعادة تأهيله، ليعود كما كان محطة فارقة في عاصمة الاقتصاد السوري. من جانبه، بين عبد العزيز سلمو أحد حراس الخان الذين ارتبطوا بهذا الصرح التاريخي أن الخان كان لديه حراس مختصون، مثل "الأضوباشي" الذي كان مسؤولاً عن الحراسة في الغرف القريبة من الباب الرئيسي، ويعد الحراس جزءاً من الذاكرة الحية للخان، حيث شهدوا تحولاته وأسهموا في حفظ أمنه واستقراره.

جهود الإحياء والترميم

تعرض خان الوزير خلال السنوات الماضية لمحاولات التدمير والسرقة ولكنه صمد ولم تتأذَ الآلات والماكينات القديمة في الخان بشكل كبير بسبب تمكن التجار من إخراج بضائعهم، مما سمح بعودة الحياة إليه بعد انتهاء الحرب.

وبعد انتصار الثورة السورية، عاد العديد من التجار إلى الخان، مثل محمد نجيب شيخ قروش، صاحب محل لبيع الجوارب، الذي قال: "أنا في هذا الخان منذ أن كان عمري سبع سنوات، أحببت تلك المهنة وورثتها أباً عن جد، وبعد الثورة عدت إلى محلي لأتابع مسيرتي بكل سعادة". يذكر أن خان الوزير ليس مجرد مبنى قديم، بل هو شاهد حي على تاريخ حلب التجاري والثقافي، ويصر تجار وأهل حلب رغم التحديات الكبيرة، على إحياء هذا التراث التاريخي الفريد وإعادة الألق إليه عبر فعاليات ثقافية واقتصادية متنوعة.

مشاركة المقال: