الأحد, 27 يوليو 2025 08:52 PM

سوريا: التشاركية السياسية كحل استراتيجي نحو الاستقرار والإصلاح

سوريا: التشاركية السياسية كحل استراتيجي نحو الاستقرار والإصلاح

يؤكد موفق الخوجة وأمير حقوق ومارينا مرهج على أن التشاركية السياسية تمثل اليوم ضرورة استراتيجية في سوريا من أجل بناء مستقبل أكثر استقرارًا، وإشراك جميع الأطراف في صناعة القرار، مما يساهم في إيجاد حلول شاملة للأزمات الراهنة وضمان عملية إصلاح وطنية مستدامة. ومع تصاعد التحديات السياسية والاجتماعية، خاصة بعد الأحداث الأمنية والعسكرية في محافظة السويداء وقبلها أحداث الساحل السوري، أصبحت التشاركية السياسية ضرورية لإعادة بناء دولة مستقرة.

تتجه الأنظار نحو تعزيز الحوار السياسي والشراكة بين مختلف الأطراف الفاعلة ورفد الكفاءات، لتحقيق إصلاحات سياسية حقيقية وتنمية مستدامة، بعد الأخطاء والممارسات التي نُسبت للحكومة الحالية وأطراف محسوبة عليها، للخروج من المأزق المحتمل. وتتركز الانتقادات حول المشاركة في الإعلان الدستوري المؤقت الذي حصر الصلاحيات بيد الرئيس، والمؤتمر الوطني الذي عُقد على عجل، وآليات تشكيل مجلس الشعب المتوقعة، وحكومة وُصفت بـ "التكنوقراط"، لكنها حصرت الملفات السيادية بمركزية تتحكم بها كتلة "هيئة تحرير الشام"، التي قادت عمليات إسقاط الأسد.

تشهد الساحة السورية حراكًا سياسيًا وإداريًا، خاصة بعد تشكيل الحكومة برئاسة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، والتي كان تشكيلها قائمًا على أساس "حكومة تكنوقراط". ويعاب على الحكومة الحالية بعض القرارات في التعيينات، والتي تمتد من مؤسساتها إلى هيئات أوسع يفترض أن تتمتع بالاستقلالية، كمجلس الشعب، الذي لا يزال في طور التشكيل، لكن بآلية أثارت الكثير من الانتقادات.

يرى مدير الأبحاث والسياسات في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، معن طلاع، أن الحكومات المشكلة في البيئات الخارجة من النزاع، كما هو الحال في سوريا، عادة ما تتكون بهدف إحداث أثر واضح في مجال الخدمات، وليس بناء على تمثيل ناتج عن انتخابات أو تفاهمات محلية. وأشار إلى أن الفريق الحكومي الحالي جاء في سياق ما يوصف بـ "انتصار الثورة"، وبالتالي فإن مسألة التمثيل الشعبي لم تكن أولوية. لكن، وفق طلاع، لا يمكن إغفال أن المواطن اليوم يقيّم الأداء الحكومي على أساس "شرعية الإنجاز"، لا على أساس التمثيل السياسي. فالقضايا الجوهرية التي تشغل السوريين بعد الانهيار هي قضايا الخدمات والأمن والطاقة والمعيشة، ومن هنا، يصبح معيار القرب من الناس مرتبطًا بمدى القدرة على الإنجاز في هذه الملفات.

وأكد طلاع أن هذا الإنجاز يمكن أن يتعزز بمؤشرات مثل الشفافية والحوكمة والكفاءة والمساءلة، لكن هذه المؤشرات تحتاج إلى وقت، ويجب أن تظهر آثارها خلال عام على الأقل حتى تكتسب الحكومة قدرًا أكبر من الشرعية الواقعية، غير أن استمرار الفجوة الأمنية يظل سببًا رئيسًا في تعثر أي تقدم ملموس. وأشار طلاع إلى إشارات إيجابية في توجه الحكومة نحو الإدارة المحلية، يظهر ذلك من خلال حجم التفاعل والنقاش حول قضايا التنظيم الإداري وصلاحيات المحافظات. بالمقابل، أوضح أن هذا التوجه ما زال مشروطًا بمنظومة قانونية تنتظر تشكيل مجلس تشريعي قادر على سنّ التشريعات المطلوبة. ورغم أن هذا التحول ليس سهلًا، يرى طلاع أن هناك ملامح توجه عام إيجابي يجب التقاطه والبناء عليه، شرط أن يتم ضمن رؤية مؤسسية متماسكة.

يشدد طلاع على أن التشاركية ليست نموذجًا يمكن استيراده أو مجرد خطوات تقنية، بل هي إطار فلسفي ومنهجي يجب أن تعتمده الدولة لإعادة تعريف علاقتها بالمجتمع، وهي تقوم على ثلاث ركائز، التعاون المتوازن والمصالح المتبادلة والمسؤولية المشتركة. ويرى أن التشاركية يجب أن تكون مدخلًا مرنًا لاستجابة الدولة لتحديات ما بعد النزاع، من خلال تعزيز الاستقرار وشرعنة الحضور السياسي والإداري. وهذا يتطلب مشاركة حقيقية للمجتمع في التخطيط والتنفيذ والتقييم والمساءلة، بعيدًا عن أدوات التمثيل التقليدي الطائفي أو القومي، لمصلحة أدوات مدنية وسياسية حديثة. وأشار إلى أن تحقيق ذلك يستوجب إجراءات متراكمة تشمل تعديل القوانين والدستور، وتمكين السلطات المحلية، وتعزيز شراكات متوازنة بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، إلى جانب تطوير مؤشرات دقيقة للمتابعة، وبنية تحتية تكنولوجية، وسياسات إنصات مجتمعي فعالة.

يرى المؤسس والمدير العام لمركز الشرق للبحوث (ORC)، الدكتور سمير التقي، أن العلة الرئيسة التي يختلف عليها السوريون هي "هوية الدولة"، ودور كل مكون من مكونات المجتمع في الشعور بأنه ممثل داخل هذه الدولة، وشدد على أن سوريا ليست مجموعة "مشيخيات دينية" تابعة لزعامات طائفية، كما كانت تُدار في العهد العثماني، بل تجاوز السوريون هذه المرحلة حضاريًا وثقافيًا. ونوه إلى أن السلطة الحالية لم تعلن حتى الآن قبولها بفكرة الديمقراطية، بل إنها تعتبر "كفرًا" في بعض الكتب التي تدرّس في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" سابقًا، انطلاقًا من مبدأ "الحاكمية لله"، ما يعني أن السلطة تُمنح للمشايخ وليس للشعب. وهذا لا يمكن تجاوزه بسهولة.

ويرفض الدكتور سمير التقي شكل مجلس الشعب السوري، تحت نظام رئاسي، ويعتقد أنه سيكون مجلسًا صوريًا، أشبه بـ "مجلس تشخيص مصلحة النظام" كما في إيران، ولن يكون له دور في محاسبة الرئيس، أو وضع خطط استراتيجية للدولة. ويرى "أن الحاكم الفعلي ليس الشعب، بل منظومات مثل (هيئة تحرير الشام)، التي تدير الملفات الاستراتيجية بعيدًا عن الرقابة أو التمثيل الوطني".

المتحدث باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، نوار نجمة، أوضح أن اللجنة تقوم بلقاءات تشاورية بهدف إشراك أكبر عدد ممكن من المواطنين والفعاليات الوطنية في صياغة آلية مناسبة وشفافة لاختيار أعضاء مجلس الشعب. وكشف نجمة أن النظام الانتخابي المؤقت سيصدر خلال أيام، وسيتضمن تفاصيل هذه الآلية وآليات اختيار الأعضاء، مضيفًا أن اللجنة حرصت على أن تسهم مختلف الآراء والمقترحات والتوصيات في وضع هذه الآلية. وقال نجمة، إن الهيئة الناخبة ستُشكّل من مختلف مكونات الشعب السوري، وسيُعتمد بشكل أساسي على التمثيل السكاني وفق إحصائيات عام 2011 في مختلف المناطق، مع التأكيد على أن الأفضلية ستكون للكفاءة، وليس على أساس المحاصصة، كما ستشمل الآلية المجتمع المدني والفعاليات الوطنية.

يقترح المؤسس والمدير العام لمركز الشرق للبحوث (ORC)، سمير التقي، أن تبدأ العملية الانتخابية من القاعدة، عبر انتخابات محلية ومهنية ونقابية، ثم الانتقال نحو مجلس نيابي بغرفتين (نواب وشيوخ). ويعتبر أن مجلس الشيوخ ضرورة لضمان حقوق الأقليات، وضمان وحدة البلاد عبر صلاحيات واسعة للولايات، بما فيها "حق الطلاق السياسي" إن لزم الأمر. واعتبر أن النظام البرلماني هو الأنسب لسوريا، لأن النظام الرئاسي لا يتوافق مع واقع التعددية ولا مع كتلة كبيرة من السوريين الذين لا يعرفون أنفسهم دينيًا أو طائفيًا، بل بهويتهم المدنية والوطنية.

أظهر غياب التشاركية عن السياسة العامة لقيادة المرحلة الانتقالية وجود "ضعف موصوف" في مجمل مؤسسات الدولة، إذ طغت الارتجالية في اتخاذ القرارات المصيرية، على الصعيدين الداخلي والخارجي، وفق ما يراه الباحث في الفكر السياسي عبد الله تركماني. ومنذ "مؤتمر النصر" ومقولة "من يحرر يقرر"، التي تناقلها المدافعون عن خيارات السلطة، تتالت الأخطاء "القاتلة"، المتمثلة بترتيب مؤتمر وطني شكلي على عجل، وإعلان دستوري مفصل على مقاس "سلطة الأمر الواقع"، وإعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية على أسس غير مهنية ووطنية وإنما لأهل الولاء، أضاف الباحث.

الخبير القانوني غزوان قرنفل قال إن خيار الحكومة الحالية منذ اللحظة الأولى هو وضع اليد على السلطة والتفرد بها وإقصاء مختلف الأطياف والتيارات والأحزاب عن المشهد السياسي السوري باعتبارها القوة التي تملك الحق في القرار، استنادًا إلى كونها القوة "المحررِّة" إعمالًا لمبدأ "من يحرر يقرر". وأضاف، في حديث إلى عنب بلدي، أن الإعلان الدستوري جاء كتعبير "فظ" عن تلك السياسة "الإقصائية" ورفض أي شكل من أشكال الشراكة الوطنية في قرار رسم ملامح سوريا الجديدة. وكان تركيز كل السلطة وأدواتها بيد الرئيس هو "التعبير الفاقع" عن تلك السياسة، فهو رئيس الجمهورية وقائد الجيش ورئيس الحكومة التي لا تُسأل عما تفعل، وهو صانع المجلس التشريعي وناخبه الوحيد، وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى وصاحب القرار الفصل في تعيين أعضاء المحكمة الدستورية، وبالتالي هو "الحاكم المطلق في سوريا"، وفق تعبيره.

بالمقابل، لا يرى الخبير القانوني عبد الناصر حوشان أن في مواد الإعلان الدستوري ما يندرج تحت مسمى الإقصاء، فهناك إعادة ترتيب الأرضية الدستورية والقانونية لتفعيل آليات المشاركة السياسية. المشاركة السياسية، وفق حوشان، يجب أن تكون لها أطر قانونية، فهي تعني المشاركة في إدارة الحكم من قبل الأحزاب والتيارات السياسية، ولذلك لا بد من وجود قانون للأحزاب والانتخابات ضمن دستور دائم.

يكرّس الإعلان الدستوري مبدأ المركزية السياسية، ما دفع أطرافًا إلى رفضه، خاصة تلك التي تدعو إلى اللامركزية، أو تذهب باتجاه "الفدرلة"، خاصة في شمال شرقي سوريا، والسويداء. حوشان يناصر مبدأ المركزية في فترة ما بعد الحرب، مشيرًا إلى أن سوريا ليست وحدها من أخذت هذا الموقف، وأوضح أن الدول الضعيفة الخارجة من الحروب دائمًا تكون بنيتها السياسية والاجتماعية ضعيفة، بسبب السلاح الموجود بيد الميليشيات.

من جانبه، يرى المؤسس والمدير العام لمركز الشرق للبحوث (ORC)، الدكتور سمير التقي، أن الخلاف الأساسي يتمحور حول الإعلان الدستوري الذي صُمم لنظام رئاسي بعد حرب داخلية مريرة، يكون فيه الحكم فعليًا بيد "هيئة تحرير الشام" (المنحلة) وهيئاتها السياسية والعسكرية، رغم أنه لا يحظى بتوافق سوري عام، خاصة أن هذا النمط من "الإسلام السلفي الجهادي"، بحسب تعبيره، لا يعكس هوية جميع السوريين. وأضاف التقي أن دراسة 35 حربًا داخلية منذ الحرب العالمية الثانية، أظهرت أن نموذج الدولة عادة ما يكون توافقيًا على نظام برلماني، ويتجه إلى درجة عالية من اللامركزية، بعد انتهاء هذه الصراعات، وأن هذه الصراعات لا تنتهي إلا بإلغاء منطق الغلبة، ونبذ فكرة "من يحرر يحكم"، معتبرًا أن استمرار هذا النهج سيبقي "الجمر تحت الرماد"، ما يؤدي إلى انفجارات متكررة نتيجة شعور بعض الأطراف بالمظلومية والتهميش، ورفضها لتغيير هوية سوريا دون مشاركتها الفعلية.

مدير الأبحاث والسياسات في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، معن طلاع، أكد أن النقاش حول المركزية واللامركزية في سوريا تحكمه مغالطات وتشنجات كبيرة، ليس فقط من جانب الحكومة، بل من مختلف الأطراف. وشدد على أن المركزية المطلقة لا تعني بالضرورة التحكم الكامل بكل تفاصيل القرار، ولا تمثل وحدها الضامن لوحدة البلاد. وقال إن وحدة البلاد لا تُبنى على أساس التحكم بالمركز، بل من خلال عقد اجتماعي متوازن يجمع بين مركز قوي وأطراف قوية.

تنبع أهمية التشاركية السياسية، وفق الكاتب السياسي درويش خليفة، من خلال بناء مؤسسات تشريعية وتنفيذية تمثّل كل السوريين، بإعادة تشكيل القرار السياسي بشكل جماعي، وإتاحة المجال لظهور نخب جديدة من كل المكونات تسهم في إعادة بناء البلاد، والتمهيد لدستور جديد، يكرس ثقافة فكرة الدولة الجامعة. واعتبر أن ما نحتاج إليه اليوم ليس تبادل الاتهامات، بل مشروع وطني جامع يعيد وصل ما انقطع بين الدولة والمجتمع، ويؤسس لعقد اجتماعي جديد يتجاوز ثنائية الأمن والطائفة، نحو دولة المواطنة والحقوق.

بعد تحضير استمر عدة أيام، انطلق مؤتمر "الحوار الوطني" بمشاركة أكثر من 600 شخصية سورية. المؤتمر لاقى إشادات من عدد من حاضريه، إلا أنه لاقى انتقادات بعضها ممن حضر المؤتمر، والآخر من خارجه، تمثلت أبرزها بمدة عقده التي لم تتجاوز اليومين، إضافة إلى المدة التي سبقت إرسال الدعوات، قبل 48 ساعة من عقده، فضلًا عن انتقادات لاحقت مخرجاته.

ويرى الباحث السياسي الدكتور نادر الخليل، أن أبرز الأخطاء قبل انعقاد المؤتمر، تمثل بغياب الشفافية في تشكيل اللجنة التحضيرية، ما أثار شكوكًا حول نياتها وتمثيلها. كما أشار إلى استبعاد قوى سياسية ومجتمعية فاعلة، ما أفقد المؤتمر شرعيته التمثيلية، إضافة إلى الاعتماد على خطاب "تعبوي" بدلًا من خطاب تأسيسي، ما جعل التحضير أقرب إلى حملة "علاقات عامة".

بعد الأزمة السياسية والمجتمعية في سوريا، عقب أحداث السويداء، وقبلها في الساحل السوري، فضلًا عن حوادث أمنية وسياسية في مختلف الأمكنة والمجالات، برز إلى المشهد السياسي السوري الحديث عن عقد مؤتمر جديد للحوار الوطني، كان أبرز الداعين إليه الموقعين على مبادرة "المئوية السورية". ورغم الحديث المتكرر عن الحوار الوطني، يرى الخليل أن معظم المبادرات افتقرت إلى الشروط الدنيا للتمثيل الحقيقي، وغلب عليها الطابع الرمزي أو التوظيفي وحتى الشكلي.

في ظل الأزمات المتواترة، ترى الأوساط السياسية أن سوريا اليوم تتطلب إشراك النخب والمؤهلين وممثلي المجتمعات في النهج السياسي السوري، كمحاولة إسعافية لاحتواء التوترات بين جميع السوريين. الكاتب والباحث في الفكر السياسي الدكتور عبد الله تركماني، قال إن السوريين عانوا من عدم تمثيل مجتمعهم التعددي، في ظل النظام "التسلطي" السابق، واستبشروا خيرًا بالتغيير، على أمل أن يلاقي النظام الجديد تطلعاتهم إلى تشاركية سياسية حقيقية، تضمن لهم مواطنيتهم الحرة والمتساوية، خلال مسار الانتقال السياسي.

يتفق الكاتب السياسي درويش خليفة مع رأي تركماني، إذ قال إن التشاركية السياسية في سوريا لا تزال شبه غائبة أو مشوهة، إذ لم تتبلور بعد مؤسسات سياسية جامعة تمثل كل المكونات المجتمعية والكيانات السياسية، وحتى في المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة، تسود أنماط حكم محلية، غالبًا ما تكون أحادية أو محصورة ضمن جماعة بعينها، أو خاضعة للتجاذبات الخارجية. وأضاف أنه بعد أحداث السويداء، التي حملت رسالة رفض للتهميش والاحتكار السياسي، فإن الحاجة للتشاركية باتت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، فهذه الأحداث كشفت عن عمق الهوة بين الناس والمنظومة الحاكمة، وعن رفض المكونات للبقاء في موقع المتفرج أو الضحية.

اعتبر الدكتور عبد الله تركماني، أن التشاركية السياسية ليست مطلب المكوّنات الأقلوية فقط، وإنما هي مسألة السوريين جميعًا، في حين أن أغلب التعيينات في مؤسسات الدولة محتكَرة من قبل ما سمي بـ "الأمانة العامة للشؤون السياسية"، التي يشرف عليها وزير الخارجية، وقد أصبحت تتصرف بصفتها حزبًا حاكمًا وحيدًا. ولعل ما شهدته سوريا مؤخرًا من تهديد للسلم الأهلي في السويداء، يدفع قيادة المرحلة الانتقالية إلى إعادة النظر بإدارة الدولة "كغنيمة"، يستأثر بها أهل الولاء من "إخوة المنهج السلفي"، في اتجاه التشاركية السياسية والاجتماعية، وتوزيع السلطة على أساس الكفاءة والنزاهة والمواطنة المتساوية، حسب تعبير الكاتب والباحث تركماني.

السياسيون والباحثون ربطوا تعزيز شرعية السلطة الحالية، وتحقيق الانتقال السلمي، والحد من التصعيد العسكري المسلح، بالتشاركية السياسية في حال طبقتها السلطة السورية. تركماني شرح ذلك بأن سلطة آل الأسد حولت الدولة من فضاء عام لكل المواطنين إلى فضاء خاص لأهل الولاء للسلطة الأمنية. واليوم، تتجلى أهمية تقديم رؤية سياسية أخرى لسوريا الجديدة، تتمحور حول أسئلة السياسة الرئيسة، المتمثلة بتأكيد حيادية الدولة عن الأيديولوجيات والأديان والأحزاب، باعتبارها دولة كل مكوّنات المجتمع السوري، والتعاطي مع المواطنة والحريات العامة والفردية.

يرى الباحث في الفكر السياسي عبد الله تركماني، أن تحديات كثيرة ستواجه سوريا في المرحلة الانتقالية، ما يتطلب تأسيس أحزاب سياسية نوعية ومختلفة، حاضنتها الاجتماعية من شابات وشباب سوريا، وبوصلتها المصالح العليا للشعب والوطن. وفي هذا السياق، قال إنه يجدر بالمعارضة السورية بكل أطيافها، أن تبحث عن أشكال متطورة للحضور الشعبي الكثيف، خاصة من الشباب والنساء، في فعالياتها السلمية، كي تضمن استكمال عملية التحوّل المطلوب، ولعل برنامجًا تشاركيًا شاملًا يساعد على الخروج من خيارات الماضي، الذي يفتقد حرارة التواصل مع الحاضر والمستقبل، إلى خيارات المستقبل التي تفتح الأفق أمام انطلاق مبادرات كل مكوّنات الشعب السوري.

مشاركة المقال: