الأربعاء, 9 يوليو 2025 09:04 AM

سوريا: تحديات ضخمة تواجه مشاريع إعادة الإعمار وتكاليف باهظة تتطلب حلولاً مبتكرة

سوريا: تحديات ضخمة تواجه مشاريع إعادة الإعمار وتكاليف باهظة تتطلب حلولاً مبتكرة

تشكل مشاريع إعادة الإعمار في سوريا تحدياً كبيراً يواجه الحكومة، نظراً لحجم الدمار الهائل، والحاجة إلى تخطيط جديد للمدن والأحياء المتضررة، والأهم من ذلك، التكاليف الباهظة التي تتطلبها هذه المشاريع.

أوضح الخبير العقاري أنور وردة أن حي جوبر، على سبيل المثال، يمتد على مساحة تقدر بحوالي 3 كيلومترات مربعة، وكان يقطنه قبل الثورة السورية حوالي 300 ألف نسمة، أي ما يعادل 6000 عائلة. وأضاف أن إعادة بناء مساكن لهذه العائلات بمستوى متوسط ومساحات مقبولة، بالإضافة إلى إعادة بناء البنى التحتية والمرافق العامة، يتطلب استثماراً يزيد عن مليارين ومئتي مليون دولار أمريكي.

وفي حديث مع صحيفة "الثورة"، أشار وردة إلى أن هذا المثال يوضح حجم المبالغ المطلوبة لإعادة إعمار مناطق أخرى مثل دوما وحرستا وداريا وعين ترما وعربين، وغيرها من المناطق التي تعرضت للتدمير الممنهج. وأكد أن الوضع مماثل في معظم المدن السورية الأخرى مثل حلب وحمص وحماة ودرعا ودير الزور.

ولفت وردة إلى أن التقرير المشترك للأمم المتحدة والبنك الدولي يقدر تكلفة إعادة إعمار سوريا بحوالي 400 مليار دولار، في حين تبلغ تكلفة إعادة إعمار مباني مدينة حلب مع المرافق العامة حوالي 40 مليار دولار، وإعادة إعمار الأسواق القديمة في حلب تتجاوز 50 مليار دولار، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأرقام قابلة للزيادة.

وفيما يتعلق بالمعوقات القانونية والإجرائية التي تؤخر عملية إعادة الإعمار، أوضح وردة أن إطلاق مخططات تنظيمية للمناطق المدمرة يتطلب إحصائيات ميدانية ووثائق رسمية ودراسات فنية معمارية متعمقة، تلبي الحاجة إلى السكن بطريقة عصرية تتناسب مع تطلعات سوريا بعد التحرير. وأشار إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى كوادر فنية خبيرة ومقدرات مالية ضخمة ووقت كاف، خاصة وأن الإجراءات الإدارية لوضع المخططات التنظيمية وإعلانها تتطلب وقتاً طويلاً، بدءاً من المكتب الدارس ومروراً باللجان الفنية والإقليمية، ثم مجالس الإدارة المحلية، وصولاً إلى مرحلة الإعلان عن المخطط وتعليقه لتلقي الاعتراضات والملاحظات من المجتمع المحلي، ثم دراسة هذه الملاحظات والشكاوى وإعادة إعلان المخطط.

وبالنسبة للتعامل مع البنى التحتية في هذه المناطق (مياه، كهرباء، صرف صحي)، أوضح وردة أن الدولة ممثلة بالمحافظة هي المسؤولة عن دراستها وتنفيذها، وتقوم المحافظة باقتطاع نسبة لا تقل عن 50% من المنطقة المنظمة لتنفيذ الطرق والبنى التحتية والمرافق العامة على نفقتها.

وفيما يتعلق بخرائط التنظيم الجديدة التي أعادت توصيف المناطق وتأثيرها على حقوق الملكية، أشار وردة إلى وجود مخططات تنظيمية لعدد من المناطق مثل ماروتا وباسيليا والقابون الصناعية والقابون السكنية، موضحاً أن هذه المخططات أحدثت تغييرات جذرية في هذه المناطق، حيث تحولت منطقة القابون الصناعية بالكامل إلى منطقة تضم مباني سكنية ومباني مختلطة (سكنية وتجارية)، بالإضافة إلى المباني الاستثمارية.

وأوضح أنه من بين المقاسم المخصصة للأفراد (المالكين الأصليين)، هناك 97 مقسماً مقابل 114 مقسماً للمحافظة، وتوزعت مقاسم الأفراد على النحو التالي: 8 مقاسم سكنية، 14 مقسماً مختلطاً، 67 مقسماً استثمارياً، مع دمج بعض المقاسم لأسباب فنية. وأكد أن الصفة الصناعية لتلك المنطقة قد محيت بالكامل واستبدلت بالصفة الاستثمارية الغالبة.

وفيما يتعلق بواقع مشاريع التطوير العقاري في سوريا، رأى وردة أنه لا يوجد حالياً مشاريع تطوير عقاري حقيقية، وأن القانون الخاص بالتطوير العقاري غير معمول به لأنه قاصر وجائر. وأضاف أن مشاريع التطوير العقاري تحتاج إلى كتل مالية هائلة لتكون على المستوى المشابه لما هو عليه الحال في بعض الدول المجاورة مثل تركيا ومصر.

وبالنسبة لحجم مشاركة القطاع الخاص المحلي أو المستثمرين الأجانب في هذه المشاريع، أكد وردة أنه في حال استقرت الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، وتحررت المصارف من القرارات الاقتصادية المربكة، وتمتعت القوانين الاقتصادية بالمرونة الكافية، فإن التنافس بين الطرفين الداخلي والخارجي سيكون كبيراً، وسيساهم كل منهما في إغناء المجال العقاري بخبرته المميزة، لتخرج مشاريع التطوير بهوية محلية ونكهة دولية، أي أنها ستبنى بما يناسب ذوق وثقافة وحاجة المجتمع المحلي بمستوى يحقق المعايير الدولية الحديثة.

وفيما يتعلق بآليات الرقابة المطلوبة على جودة البناء في مشاريع التطوير العقاري، قال وردة إن نقابة المهندسين يجب أن تضطلع بدورها الفعال في هذا المجال، وأن تلزم المطورين العقاريين بالتعاقد مع مهندسين استشاريين من كافة الاختصاصات، وأن تؤهل كوادرها الاستشارية تأهيلاً كافياً، وتفسح لهم المجال لزيارة مشاريع نموذجية في دول العالم، فالاحتكاك والاطلاع وتبادل الخبرات يرفع كفاءة المهندسين ويمكنهم من العمل بسوية أعلى.

وحول الأدوات التمويلية المتاحة اليوم للمواطن السوري لشراء منزل أو ترميم عقار، قال وردة إنه لا توجد أدوات تمويلية متاحة حتى الآن، فالقروض من المصارف المحلية شبه متوقفة إلا في حالات استثنائية شديدة التعقيد والخصوصية، وتكلفة الاقتراض من المصرف (في حال تم الإقراض) عالية جداً مقارنة بالنسب المتعارف عليها عالمياً. واعتبر أن هذا الأمر طبيعي ومفهوم في الظروف التي تمر بها البلاد، لكن غير الطبيعي وغير المفهوم هو أن تبقى هذه المشكلة دون حل. وأشار إلى أن المصارف الإسلامية لم تأخذ دورها الريادي في هذا المجال، ولم تقدم حلولاً حقيقية تنطلق من أدوات الاقتصاد الإسلامي، بل تكتفي (في الحالات التي تقرر الموافقة عليها) بالمرابحة للآمر بالشراء، وهذا أبسط وأضمن أنواع المرابحة. ورأى أنه لا مجال للحديث عن دور المصارف في التمويل العقاري في ظل الشح الذي تعاني منه حالياً، معتبراً أن المصارف اليوم غير قادرة على أن تعطي الناس أموالهم المودعة لديها، فهل هي قادرة على إقراضهم؟!

مشاركة المقال: